تعاطت الدراما السورية مع وضع المرأة، بأشكال وطرق مختلفة، وكانت تحمل في طيّاتها أفكارًا وممارساتٍ، تسعى إلى التقليل من قيمة الأنثى، أو تسليط الضوء على واقع لا يشبهها، ولم يحظَ الأطفال بنصيبهم المُفترض من اهتمام صنّاع الدراما السورية؛ فبقي الإنتاج الخاص بهم مقتصرًا على أعمال للكبار، وكان مرور الأطفال فيها دون أي عمق، أو أبعاد، أو تفاصيل حقيقية.
ضعف في معالجة شخصية المرأة
على الرغم من معالجة الدراما السورية دور المرأة في الكثير من الأعمال، إلا أنه كان هناك قصور في المعالجة الحقيقية والدقيقة لمعاناتها، ومشكلاتها بين حقوقها والعادات والتقاليد التي لا تنصفها، وواجباتها المنزلية والزوجية، ومسؤولياتها المضاعفة بعد دخولها مجالات العمل، ووضعها الاجتماعي إنْ كانت متزوجة، أو مطلقة، أو فاتها سن الزواج.
في هذا السياق، أكدت الكاتبة، ريما فليحان، لصحيفة جيرون الإلكترونية، أن “الدراما السورية عانت، لفترة طويلة، من تنميط صورة المرأة بين نموذجي: المرأة الضحية المستلبة والمقهورة، التابعة لشخصية الرجل، والمرأة الماكرة الحاقدة التي تكيد المكائد، كما كرّست تلك الصورة الدراما العربية -عمومًا- لفترة ليست بقصيرة، وكسرت تلك الحالة بعض الأعمال التي حاولت تحطيم هذه الصورة النمطية، وطرحت المرأة بطريقة مختلفة؛ فقدمتها بصورة المناضلة ضد الاستعمار والاحتلال، أو الامرأة القوية المستقلّة التي تحاول خرق التقاليد الظالمة، وترافق ذلك مع تزايد كاتبات في الدراما السورية اللواتي حاولن كسر ذلك القالب، وطرحن شخصيات نسائية عميقة، تمثّل المرأة الحرّة القوية، وتقدّمها كشخصية مستقلّة بعمقها الإنساني والعاطفي والنفسي، كأعمال يم مشهدي وريم حنا”.
الأدوار القيادية للمرأة تمّ تجاهلها
رسمت المسلسلات السورية، في معظم صورها، لوحةً تُفيد بوجود المرأة في المنزل والرجل في العمل، فالمرأة تطبخ وتهتم بالأطفال والرجل يعمل، وعند عودته إلى المنزل يتناول الطعام، ويجلس ليقرأ جريدة، أو يشاهد نشرة أخبار. أمّا المرأة، فبعد انتهائها من الواجبات المنزلية، تذهب لزيارة جاراتها، وأكثر ما يهمّها تتبّع أخبار الفن والموضة؛ فكانت تسعى إلى تثبيت صورة ذهنية تقول بأن المرأة لا أهمية لها في أي مجال من مجالات الحياة، وأن مهمّتها الرئيسة تقتصر على تربية الأطفال، والقيام بالأعمال البيتية التي يأتي في مقدمتها إرضاء الزوج، وتحقيق كل متطلباته، وعدم مخالفته.
أما ما يتعلّق بدور المرأة في الحياة السياسية، والحياة العامة، فشدّدت فليحان على أنه “كان هناك بعض الاستثناءات التي صوّرت نضال المرأة في مرحلة مقاومة الاستعمار، كـ “حمام القيشاني”، إلا أنها لم تصوّر المرأة في مرحلة النضال السياسي، أو الحقوقي، في عهد النظام؛ لأن الاقتراب من تلك المفاهيم كان يُعدّ من المحرّمات على الرجل والمرأة، وليس في السياسية فحسب، فأي أعمال تقترب من كسر القوالب كانت تُمنع من الخروج إلى النور، أو تُقلّم بحيث تفقد محتواها”.
وأضافت بأن “أعمالًا تافهة وتجارية، وتحمل رسائل وأجندات النظام، كـ “باب الحارة”، الذي جسّد في أجزائه الأولى صورة المرأة الذليلة والخانعة، قبل الثورة، مكرّسًا العادات المتخلّفة، ثم بدأ بتحميل العمل رسائل سياسية سطحية؛ لخدمة أجندة النظام، فتقلّب بين طرح شخصيات يهودية، لم تقترب منها الدراما السورية سابقًا، أو بين وضع المرأة بمنصب القيادة في مواجهة الدين، وهي فكرة يريد أن يلعب النظام على وترها، لا لإيمانه بتحرر المرأة، وإنما لأنه يريد أن يستخدم الجميع لخدمة أجنداته”.
الأطفال لم يأخذوا حقهم
قدّمت بعض الأعمال الموجهة إلى الأطفال بطريقة خياليّة، مثل: فيلم “الآباء الصغار”، من بطولة دريد لحام، فكان الطرح غير منطقي، قلّل من شأن الطفل، ولم يجسّد واقعه الحقيقي، ومعاناته في عيشه بكنف أسرة فقيرة، لا تستطيع تأمين أدنى متطلباته الحياتية.
كما لم تركّز الدراما السورية على التربية والتنشئة الأسرية، إلا في أوقاتٍ نادرة، وكانت معظمها لوحات من مسلسل “مرايا”، أما ما تبقى من مسلسلات؛ فلم تقدّم صعوبات التعليم والتأهيل، وجلّ ما قدمته عن الطفل في هذا المجال، هو قضايا الطلاق وحق المرأة في الحضانة، أما الطريقة التشاركية في التربية في كنف عائلة طبيعية؛ فلم يكن لها أي مرور.
أكّدت على الخلاف والانقسام في الأسرة، مُهملةً آثاره على الطفل، من النواحي الفكرية والاجتماعية، ولم تتطّرق للمآزق والإحراجات التي يتعرض لها الأهل مع أولادهم، في ظل ندرة النشاطات الثقافية والفكرية التي تُعنى بالطفل.
في هذا الشأن، أفادت فليحان لـ (جيرون) أن “الدراما السورية عالجت قضايا الأطفال بسطحية وعمومية، ولم تضع نُصب أعينها ظواهر في غاية الأهمية، تخصّ أبناء المجتمع السوري الفقير المتعب، والعائلة السورية المنهكة، الذي أصبح همّها الأوحد تأمين لقمة العيش؛ فابتعدت عن التركيز على أهمية التعليم في حياة الأطفال، ولم تقترب من الواقع الفكري؛ لبناء جيل واعِ، يحمل قيم أخلاقية وإنسانية عالية”.
وتابعت فليحان “لم تطرح الدراما السورية شخصية الطفل -بشكل عميق- إلا في بعض الاستثناءات، ولم تقدّم -أصلًا- دراما حقيقية للأطفال، ولم تحاول مخاطبة هذا الجيل بنضج، ولم تقترب من واقعهم بفاعلية، إلا بعض الأعمال التي سلّطت الضوء على أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو ممن يمرون بفترة المراهقة، أو أطفال يعانون من مشكلات أسرية، مثل: “أشواك ناعمة والانتظار”، وحاولتُ أن أفعل ذلك من خلال عملي “قيود الروح”، وجرّبتُ -أيضًا- تقديم عمل خاص للأطفال، اسمه “شمس جديدة”، كنت أسعى من خلاله إلى محاكاة الأطفال بطريقة درامية خاصة، تضع يدها على مشكلاتهم وقضاياهم الإنسانية، وتتوجه إليهم بشكل يمتّعهم، دون أن يشعرهم أنهم يتلقّون محاضرة، واشترت شركة “فردوس للإنتاج الفني” النص، لكن وقوفي مع الثورة، ومقاطعة أغلب شركات الإنتاج لي، وللكثير من الفنانين والكتّاب، بعد فترة بسيطة منع الشركة من الاستمرار في عمل يحمل اسمي”.
كثّفت الدراما السورية، المقدّمة للطفل، من البرامج التي غالبًا ما كانت تُصوّر في (استوديوهات) مغلقة، ولا يوجد فيها مساحات ملائمة للحركة، ولم تقدّم مضمونًا فكريًا ذا قيمة؛ فاقتصرت على الترفيه والتسلية، وعرض مقاطع من الأفلام الكرتونية.
أما بالنسبة للرمز الفكري والأخلاقي؛ فحاولت الدراما السورية، والقائمون عليها، تغييبه بطريقة مقصودة ومنهجية؛ لكي تنشئ جيلًا فارغًا، لا يستطيع التحليل والاختبار والاختيار، وقدّمت رجالات الدولة على أساس أنهم الأيقونة التي تسعى إلى الحفاظ على الوطن وأبنائه.
تعريف: حملت الدراما السورية في طيّاتها أفكارًا وممارساتٍ، تسعى إلى التقليل من قيمة المرأة، أو تسليط الضوء على واقع لا يشبهها، ولم يحظَ الأطفال بنصيبهم المُفترض، من اهتمام صنّاع الدراما السورية؛ فكان مرورهم فيها بدون أي عمق أو أبعاد حقيقية.
المصادر: مقابلة مع الكاتبة ريما فليحان لـ (جيرون).
دراسة عن الصورة الاجتماعية للمرأة في الدراما السورية (جامعة دمشق – قسم الاعلام) 2003.
http://www.damascusuniversity.edu.sy/mag/human/images/stories/01190.pdf