سورية الآن

الربيع العربي ومستقبل الإسلام السياسي

بدأت ظاهرة الإسلام السياسي في الوجود، بعد انهيار الدولة العثمانية، عقب الحرب العالمية الأولى، وقيام مصطفى كمال أتاتورك بتأسيس الجمهورية التركية الحديثة، وإلغائه مفهوم الخلافة الإسلامية في  3 آذار/ مارس 1924، وعدم اعتماده الشريعة الإسلامية، كما قام بحملة تصفية ضد كثيرين من رموز الدين والمحافظين، وبدأت الأفكار التي مفادها “أن تطبيق الشريعة الإسلامية في تراجع، وأن هناك نكسة في العالم الإسلامي من حيث الانتشار”، وخاصة بعد وقوع العديد من الدول الإسلامية تحت انتداب الدول الغربية، المنتصرة في الحرب العالمية الأولى.

 

الحركة الأم التي تشكلت، تعبيرًا عن هذا التيار، كانت “جماعة الإخوان المسلمين” عام 1928، كرد فعل مباشر على سقوط دولة الخلافة، وتقدم العلمانية، وهو ما يفسر ما اصطلح على  تسميته بــ “المشروع الإخواني”، الذي أسس -بحق- لظاهرة الإسلام السياسي، التي ارتبطت إلى حد بعيد بمواجهة الأنموذج القومي العلماني، وتطويق امتداداته إلى العالم الإسلامي، ومحاصرته، ومن رحم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، خرجت معظم حركات وتنظيمات الإسلام السياسي، حيث يرى الدكتور عمار علي حسن، الباحث في علم الاجتماع السياسي، أن مصر صنعت جماعة الإخوان المسلمين عام 1928، فصنعوا ظاهرة “الإسلام السياسي” في العالم بأسره، إما انسلاخًا منهم، أو تأسيًا بهم، أو مضاهاةً لهم، أو امتدادًا لجماعتهم.

 

الربيع العربي وتصدر المشهد

انقسمت التنظيمات الإسلامية إلى قسمين: الأول هو الحركات السياسية – الاجتماعية، ذات البرنامج السياسي، وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين، وفروعها وأحزابها المنتشرة في معظم الدول الإسلامية، أما القسم الثاني، فهي الحركات الإسلامية، ذات الفكر الجهادي، والتي ترى أن تطبيق الشريعة الإسلامية يجب فرضه بالقوة، وترفض فكرة العمل السياسي، وفي مقدمتها تنظيم القاعدة، وتنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية (داعش)، فمنذ اللحظة الأولى، لما بات يُعرف بالربيع العربي، كان لتيارات الإسلام السياسي، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين دور بارز في تصدر المشهد السياسي، في معظم دول الربيع العربي، خاصة بعد سنوات القمع، الذي تعرضت له معظم التنظيمات السياسية المعارضة، بشكل عام، والتنظيمات الإسلامية، وعلى رأسها تنظيم الإخوان المسلمين، بشكل خاص.

 

في تونس، احتلت حركة النهضة المرتبة الأولى، في الانتخابات التشريعية، التي تلت الإطاحة بالرئيس التونسي، زين العابدين بن علي، وشكّلت حكومة انتقالية منتخبة، بالتحالف مع حزبي: المؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات.

 

أما في مصر، فقد حصل حزب الحرية والعدالة، الذي أسسته جماعة الإخوان المسلمين، على 281 مقعدًا في الانتخابات التشريعية المصرية، التي تلت الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك، بعدئذ أعلن الحزب أنه لن ينافس على منصب رئيس الجمهورية، في أول انتخابات رئاسية بعد الثورة، لكن الحزب غيّر موقفه من الانتخابات الرئاسية، وقرر في 7 نيسان/ أبريل 2012، الدفع بمحمد مرسي، الذي انتُخب رئيسًا لمصر، في 24 حزيران/ يونيو 2012.

 

أما في ليبيا، فقد بدأت عملية التحول الديمقراطي، بعد مقتل القذافي، في خريف 2011، واعتقد الكثيرون أن جماعة الإخوان المسلمين الليبية، قد تفوز بأغلبية ساحقة في الانتخابات البرلمانية، سائرة في ذلك على خطا أشقائها في تونس ومصر، وفي آذار/ مارس 2012، أسست جماعة الإخوان المسلمين الليبية حزبًا سياسيًا، أسمته “حزب العدالة والبناء”، غير أن هذا الحزب فاز بنحو 17 مقعدًا، من إجمالي الـ 80 مقعدًا، المخصصة للأحزاب؛ ليحل ثانيًا بعد “تحالف القوى الوطنية” ذي القاعدة العريضة، والذي حصل على 39 مقعدًا.

 

في اليمن، كان للتجمع الوطني للإصلاح، الإخواني، دور بارز في الإطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح، كونه أكبر الأحزاب التي انحازت إلى ثورة الشباب.

 

أما في سورية، فقد كان واضحًا الدور الكبير لحركة الإخوان المسلمين، على مستوى مؤسسات المعارضة السورية السياسية، إن كان في المجلس الوطني السوري، أم في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، أما على المستوى العسكري، فقد كان واضحًا التوجه الإسلامي، لمختلف فصائل المعارضة السورية، بما فيها فصائل الجيش الحر، إضافة إلى الفصائل الإسلامية، كحركة أحرار الشام، وجيش الإسلام، وغيرها من الفصائل الإسلامية.

 

الإخوان المسلمون والثورة المضادة

يرى كثير من المراقبين، أن أحد أسباب نجاح الثورة المضادة التي قادتها أركان الأنظمة السابقة، هو فشل الأحزاب الإسلامية في طرح مشروع وطني جامع؛ فهم قد أظهروا فهمًا محدودًا لطبيعة الديمقراطية، وانهالت عليهم الاتهامات، بمحاولة الاستحواذ على السلطة، من خصومهم وحلفائهم على حد سواء.

 

ففي تونس حلَّت حركة النهضة في المركز الثاني، بعد حزب “حركة نداء تونس” الذي تصدر المشهد السياسي، وفضلت الحركة الوقوف على الحياد، في الانتخابات الرئاسية، ولم تدعم أيًّا من المرشحين: منصف المرزوقي، وباجي قايد السبسي.

 

أما في مصر، فقد أطاح الانقلاب العسكري، الذي قاده وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، بالرئيس محمد مرسي، واعتقل معظم قادة الإخوان، كما تم حظر جماعة الإخوان المسلمين، وعدّها جماعة إرهابية.

 

الوضع في ليبيا ليس أقل سوءًا كذلك؛ فلا تزال المعارك العسكرية دائرة بين قوات اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، والميليشيات الإسلامية، وهناك معارك، لا تقل قسوة في المستوى السياسي، بين أعضاء المؤتمر العام (البرلمان)، المختلفين أيديولوجيًا. أما في اليمن، فقد استطاعت جماعة الحوثيين، بالتعاون مع الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، من السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء، وكانت على وشك السيطرة على كامل اليمن، لولا التدخل العسكري، من التحالف العربي الذي تقوده السعودية.

 

مستقبل حركات الإسلام السياسي

لا أحد ينكر أن تجربة الإسلام السياسي، في الآونة الأخيرة، تلقّت ضربات موجعة، حيث ذهبت بعض التحليلات إلى إعلان نهاية الإسلام السياسي في المنطقة العربية، لكن هناك من يرى أن  التجارب السابقة لم تكن أقل قسوة، عن التي يمر بها الإسلام السياسي في هذه الفترة، كلها أفضت إلى عكس الخلاصات التي انتهت إليها هذه التحليلات، فثورة يوليو 1952، بمصر، ومحاولة استئصال الإخوان المسلمين، وانقلاب زين العابدين بن علي، عام 1987، في تونس، والذي سار -تقريبًا- في الاتجاه نفسه، إضافة إلى الانقلاب على تجربة حكم نجم الدين أربكان، زعيم حزب الرفاه في تركيا، وإجهاض تجربة الإنقاذ في الجزائر، بعد أن فازت -بالأغلبية- في العملية الانتخابية، كل هذه التجارب الأربع، لم تُنه تجربة الإسلام السياسي.

 

الكاتب بلال التليدي، وفي مقال له، نُشر في مركز نماء للبحوث والدراسات، يرى أن مستقبل الإسلاميين، تنظمه ثلاثة سيناريوهات:

1 ـ السيناريو الأول: ترسيخ المنهج الإصلاحي التراكمي، على شاكلة التجربة التركية، وهو الذي يمكن أن نرشح له تجربة كل من العدالة والتنمية، وتجربة حركة النهضة، في حالة الاستمرار في تبني منطق الشراكة، في العمل السياسي، وتبني منطق الإصلاح التراكمي، في التعامل مع مؤسسات الدولة وهيئاتها.

 

2 ـ السيناريو الثاني: وهو تدشين المراجعات داخل الحركات الإسلامية، لاسيما داخل التجربة الإخوانية، وحتى من داخل حركة النهضة، ما لم تقم القيادة التاريخية بدور تجسير الفجوة بينها، وبين القيادات التدبيرية، وفي هذه الحالة، يمكن أن تعرف هذه الحركات المصير نفسه، عند انبثاق حزب العدالة والتنمية التركي من رحم حزب الرفاه، بقيادة تدبيرية جديدة، وبأسلوب سياسي جديد، يعيد تقييم الحقل السياسي، وطبيعة مكوناته، وأوزانها، وطبيعة التفاعلات القائمة فيها، وجدل الداخل والخارج، والمدخل السياسي للإصلاح.

 

3 ـ السيناريو الثالث: وهو المعاكس تمامًا للثاني، وذلك في حال فشل خيار إسقاط الإسلاميين في مصر، والتفاف أوسع القوى السياسية والمدنية، على التحالف الوطني للدفاع عن الشرعية، ونجاح المبادرات السياسية في العودة إلى الشرعية الدستورية والديمقراطية، ولو بشكل جزئي؛ فإن المنتَظر أن تعرف التجربة الإخوانية أحسن أحوالها؛ إذ ستعمل على تسويق أنموذجها الثوري في المنطقة العربية، وتحدث أنموذجًا منافسًا للأنموذج التركي، في مقاومة ممانعي تجربتها، ممن اعتادت على تسميتهم بمكونات الدولة العميقة.

 

قد تتباين المواقف حول تجربة الإسلام السياسي، بعد الربيع العربي، لكن هناك إجماع على أن الزخم الكبير لثورات الربيع العربي، دفع حركات الإسلام السياسي إلى واجهة المشهد السياسي، في معظم دول الربيع العربي؛ ما أدى إلى اتساع الهوة بين قطاعات واسعة، من العلمانيين والإسلاميين، في المجتمعات العربية والإسلامية، في ظل تحولات سياسية واجتماعية، كانت أكثر دمويةً وإيلامًا من أي فترة سابقة؛ لذلك أصبح لزامًا على العلمانيين أن يعترفوا باستحالة إخماد الإسلام، كإطار مجتمعي، في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، مهما استخدموا من قوةٍ أو قمع، على الجانب الآخر يجب أن يُدرك قادة الحركة الإسلامية أن عليهم ابتكار أفكار، من شأنها أن تستوعب أخطاء الإسلاميين المتعددة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق