أدى تفاقم الوضع الإنساني في سورية؛ نتيجة انتهاج النظام السوري الحل العسكري، إلى انتشار ظاهرة الجمعيات والمنظمات الإغاثية، وذلك، لتقديم المساعدة الممكنة للمتضررين من حملات النظام العسكرية، حيث كانت، في بداية الحراك الثوري، على شكل جمعيات ومنظمات أهلية، مهمتها تقديم المساعدات العاجلة للنازحين والمهجرين، من مأوى وطعام ودواء، إضافة إلى تقديم المساعدات الطبية والإغاثية، في المناطق التي تشهد عمليات عسكرية، وقصف واقتحامات، ومع تطور الوضع العسكري، بعد انتقال الثورة إلى العمل العسكري، وما نتج عنه من تغوّل وحشي من قوات النظام، وتدمير منهجي لمعظم المناطق الثائرة، وحملات تهجير كبيرة، وحصار خانق للعديد من المناطق الثائرة في سورية، باتت هذه المنظمات حاجةً ماسة؛ لاستمرار الحياة في معظم المناطق السورية.
اتهامات بالفساد المالي والإداري
تنوعت المنظمات في سورية، بين منظمات إغاثية، وطبية، ومنظمات مجتمع مدني، كما تنوعت مصادر تمويل هذه المنظمات؛ ففي البداية، كان أغلب دعم هذه المنظمات يعتمد -بشكل رئيس- على تبرعات محلية، ومساعدات فردية من رجال أعمال سوريين وعرب، لكن مع دخول المنظمات الدولية الساحة السورية، وعدم قدرتها على العمل داخل المناطق التي تعدّها غير آمنة؛ لتنفيذ مشروعاتها، بدأ الاعتماد -بشكل كبير- على المنظمات السورية، الناشطة في الداخل، من أجل تنفيذ مشروعات لهذه المنظمات، من خلال مبدأ الشراكة، في حين كانت هناك منظمات مدعومة -مباشرة- من دول إقليمية، معظمها ذات طابع إسلامي.
نالت الجمعيات والمنظمات السورية، في البداية، تأييدًا كبيرًا في أوساط الثوار، وعُدّ عملها أحد أهم أركان النشاط الثوري، كون معظم ناشطي هذه المنظمات والجمعيات، من المتطوعين، لكن مع تحول عمل هذه المنظمات من العمل التطوعي، إلى العمل المأجور، بدأت تظهر العديد من الإشكاليات، خاصة ما يتعلق باتهامات الفساد، التي بدأت تطال العديد من هذه المنظمات.
لقد أصبح واضحًا مدى الانزعاج، في المجتمع، من التدابير التي باتت تخضع لها هذه المنظمات، وفي طليعتها المحاباة، وتجلى في موضوع الهيكلية الإدارية لعمال المنظمات، التي أصبح جل كوادر العمل من الأشخاص الذين تربطهم قرابة بالمسؤول، أو تبعًا لمنافع مادية؛ ما أثار الكثيرين، من أصحاب الكفاءات العلمية، والعملية في هذا المجال، وتهميشهم في المنظمات التي تعمل تحت عباءة الأمم المتحدة.
يؤكد الناشط علي الفريدي، من محافظة درعا، على ما يقوم به مسؤولو المنظمات الإنسانية، بشأن تعيين كوادر العمل، قائلًا: “إن المؤهلات المطلوبة للمتقدمين إلى الوظيفة الشاغرة، في إحدى المنظمات، أصبحت تعتمد -بالدرجة الأولى- على صله القرابة بين المتقدم، وأحد المسؤولين عنها في الداخل، دون النظر إلى أي كفاءات أخرى، سواءً كانت تعليمية أم مهنية، أم خبرات سابقة، واصفًا ذلك بالشرخ الأول الذي أفقد المنظمات المصداقية في نظر الأهالي، ما جعل عمل بعض المنظمات يبتعد عن الإدارة الفعلية، وأداء العمل بشكلٍ يتواءم مع ماهية المنظمة”.
بينما يتحدث الناشط، كمال أبو أحمد، عن فساد بعض المنظمات الإنسانية، وتحويلها إلى شركات ربحية، قائلًا: “إن كثيرًا من المشروعات الخدمية التي تدعمها المنظمات، يتحكم منسقو العمل في الداخل بأماكن تنفيذ المشروع، بما يخدم مصالحهم الشخصية، بعيدًا عن المنفعة العامة المؤسِّسة لفكرة المشروع، واستغلال معاناة الأهالي بحسب ما يخدم مصالح بعضهم، كما وصل الفساد إلى درجة أن تقام مشروعات وهمية ودون تنفيذ، تحت ذريعة وجود عمليات عسكرية في المنطقة المحدَّدة للمشروع، ومنهم من اتبع أسلوب التنسيق مع أكثر من منظمة؛ لتمويل مشروع معين، ويُنفذ المشروع بأموال منظمة واحدة فقط، وهذا ما يفسر ضعف التنسيق بين المنظمات في المنطقة الواحدة”.
إن النقد الموجه لعمل هذه المنظمات، لم يقتصر على الناشطين والأهالي، بل تعداه إلى العاملين في هذه المنظمات؛ ففي تصريحه لصحيفة جيرون، أفاد “أ. م.”، أحد الكوادر العاملة في منظمة سورية بـ “أن معظم المنظمات السورية تفتقر إلى الخبرة والهيكلية الإدارية الصحيحة؛ ما جعل العديد من المنظمات السورية مسيطر عليها من شخص واحد، هو مدير المنظمة على الأغلب، وهو السبب الذي دفع عددًا من الناشطين إلى إطلاق مصطلح “منظمة الحجي”، تعبيرًا عن سيطرة المدير على المنظمة؛ حيث يعدّ نفسه المسؤول عن التوظيف والفصل، وفق مبدأ محاباة الأقرباء والمعارف، وبحسب المزاجية، دون الرجوع إلى مبدأ الكفاءة والمهنية، وفي المقابل، هناك فئة قليلة من هذه المنظمات استطاعت تحقيق حد أدنى من شروط الإدارة السليمة؛ نتيجة احتكاكها بالمنظمات الدولية، والشروط التي بدأت تضعها هذه المنظمات لتقديم المنح”.
أما ما يخص الحديث عن الفساد المالي، فقد أكد “أ. م.” “أن المنح المالية المقدمة من المنظمات الدولية إلى المنظمات السورية، فقد تسببت بتحول العديد من هذه المنظمات إلى منظمات استثمارية، هدفها تحقيق الربح المادي، وذلك عن طريق المشاريع الوهمية، أو من خلال تزوير الفواتير، وخاصة فواتير الداخل السوري، وكذلك من خلال عدم السماح للعاملين في المنظمات، بمعرفة رواتبهم الحقيقية التي تكون جزءًا من تكاليف المشروعات التي تُحمل على المنح”.
معايير المنظمات الأجنبية
يؤكد أحد موظفي المنظمات الدولية، والمختص بإقرار المنح للمنظمات السورية الشريكة، لصحبفة جيرون، أن هناك معايير تضعها المنظمات الدولية؛ لإقرار أي منحة تقدَّم للمنظمات السورية، وقال: “إن لكل منظمة دولية رؤية ورسالة، ويجب أن يحقق المشروع المقدم من قبل المنظمة الشريكة معايير الرؤية والرسالة للمنظمة المانحة، كما تشترط المنظمة المانحة أن تكون المنظمة السورية مسجلة بشكل قانوني خارج سورية، أو تحظى باعتراف قانوني من قبل السلطة المحلية، كالمجالس المحلية، ومجالس المحافظات، هذا ما يخص المنظمات الموجودة في الداخل السوري، كما تقوم المنظمة المانحة بمراقبة تنفيذ المشاريع الممولة، إما عن طريق الفرق التابعة لها في الداخل، أو عن طريق جهة حيادية كمجالس المحافظات، والمجالس المحلية، وذلك في حال تعذر وجود فرق لهذه المنظمة، وخاصة في المناطق التي يصعب على المنظمات الأجنبية دخولها، حيث تقوم بالمراقبة من خلال تدقيق الأمور المالية، والوثائق، وآلية التنفيذ”.
الحقيقة أن المنظمات السورية كانت، وما زالت، حاجة ماسة، لا يمكن الاستغناء عنها، في ظل الأوضاع الصعبة التي يعاني منها المواطن السوري، وخاصة في المناطق المحاصرة، التي يصعب على المنظمات الدولية الوصول إليها، لكن هناك ثغرات لا بد من ظهورها في ظل الأوضاع الصعبة التي تشهدها سورية، وأهم هذه الثغرات عدم وجود سلطات رقابية حقيقة، تستطيع مراقبة عمل هذه المنظمات وضبط عملها.