سورية الآن

حزب الله في سورية ودائع إيران التي أنهكت

من يتابع الشأن العام الإقليمي، وفي أي قراءة بسيطة للمشهد، لن يتفاجأ بتدخل ميليشيا حزب الله اللبنانية في الوضع السوري، وبتلك الصورة الهستيرية التي أصابتها مع انطلاقة الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، ويُعدّ هذا طبيعيًا إذا ما أُخذت في الحسبان تلك العلاقة الخاصة التي ربطتها بنظام الأسد، منذ نشأتها في ثمانينات القرن الماضي؛ فقد كان واضحًا ذلك العمل الدؤوب سابقًا، للتغطية على ما اقترف كل منهما خلال الاغتيالات السياسية التي تعرض لها لبنان، بما فيها اغتيال رئيس وزراء لبنان، رفيق الحريري، بتفجير موكبه في 14 شباط/ فبراير 2005، ولا شك في أن سلسلة التصريحات التي يطلقها قادة تلك الميليشيا، منذ انطلاق الثورة السورية، وكذلك الخطاب الإعلامي التابع، أو المقرب منها، يدلان -أيضًا- على أن هذا التدخل كان قرارًا استراتيجيًا إيرانيًا، ويأتي في سياق مشروع إيراني، ومن هنا، فإن الخسائر البشرية والمادية التي يتكبدونها لن تغيّر قرار التدخل في سورية، حتى لو تم إفناء الميليشيا عن بكرة أبيها؛ كونها أداة مستهلكة لغرض غير وطني، ولمشروع غير عربي، وهذا واضح في خطابات حسن نصر الله نفسه.

من التستر على عدد القتلى إلى الاعتراف بمقتل عدد كبير من القادة

في شهر آب/ أغسطس عام 2011، بدأ الحديث عن تورط هذه الميليشيا في سورية يتطور، وذلك من خلال مقتل أحد عناصرها تحت عنوان “الواجب الجهادي”، وعلى الرغم من أنها لم تعترف بمقتله في سورية، إلاّ أن تتالي وصول الجنازات إلى حاضنة الميليشيا تحت العنوان نفسه، أخذ يتوسع يومًا بعد يوم، في حين أكد العديد من الشباب السوري الثائر وجودها منذ بداية الثورة، بصور وأشكال مختلفة، خاصة بعد مقتل القيادي الملقب بـ “أبو العباس”، في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2012،  وبات واضحًا أن الحزب لم يعد يستطيع التعمية على تدخله، ومع التقدم الكبير لقوى الثورة، والتقهقر الواضح لقوات النظام أمام شجاعة وضربات الثوار، أعلن حسن نصر الله -بشكل مباشر- عن معركة القصير، في أيار/ مايو 2013، واعترف أن حزبه يؤدي واجب الدفاع عن نظام الأسد، بصفته ممانعًا وسندًا للمقاومة، وأن قتاله ضد من سماهم بـ”التكفيريين” واجب شرعي، وهو الذي كان يقول سابقًا، في سياق نفيه التورط بسورية، إن نظام الأسد قوي بما فيه الكفاية، ولا يحتاج لمن يدافع عنه.

على الرغم من اعتراف هذه الميليشيا بقتالها في سورية، وبسقوط قتلى لها، لكن ستبقى على ما يبدو تتستر على الحجم الحقيقي لخسائرها. أما من لم تستطع التستر على مقتلهم، فهم من مرتبات القادة لديها؛ إذ أخذت القائمة تزداد طولًا يومًا بعد يوم، فبعد مقتل القيادي، مصطفى بدر الدين، على يد ثوار حلب في معركة خان طومان، اضطر إعلام ميليشيا هذا الحزب إلى القول بأنه قُتل بتفجير قرب مطار دمشق الدولي، أو بغارة إسرائيلية، وذلك لتعمية مقتله على يد الثوار، كونه أعلى رتبة عسكرية مسؤولة عن هذه الميليشيا في سورية، ويُعدّ أحد أهم المتهمين باغتيال الحريري، ومتهم أيضًا بتفجيرات الكويت في 13 كانون الأول/ ديسمبر عام 1982، ومن أسماء القادة الذين قُتلوا في سورية، يمكننا أن نذكر عماد مغنية، وجهاد مغنية، وحسن حسين الحاج، وسمير القنطار، وحسين حبيب، ومحمد شمص، وحسن كنعان، وعلي عليان، وعبد الله جعفر، وحسن علي جفال، وعباس حجازي، ومحمد عيسى، ومحمد علي نعمة، وغسان فقيه، وفادي الجزار، ولا شك في أن هناك غيرهم، بحسب ما يبدو من حجم الخسائر البشرية، إذ تشير تقارير مختلفة إلى مقتل أكثر من 1000 عنصر، بينما ذكر موقع “جنوبية” الإلكتروني، نقلًا عن إحدى النساء التي ترافق زوجها الذي يعالج من إصابة في سورية، وهو أحد مقاتلي هذه الميليشيا، قولها بأن الخسائر تعدت الـ 2000 قتيل، وفق ما ذكره لها بعض عناصر الحزب الذين يزورون زوجها المصاب في المستشفى.

من حزب مقاوم إلى قاطع طريق للابتزاز والنهب والتجويع

إن تحرير خان طومان وما يحيط به، في أيار/ مايو عام 2016، ثم تحرير بلدتي زيتان وخلصة وغيرهما من ريف حلب الجنوبي، في حزيران/ يونيو، من قبل جيش الفتح، وتكبيد هذه الميليشيا خسائر كبيرة بالأرواح، كان سببًا مؤلمًا لجعل حسن نصر الله يعلن أن معركة حلب معركته الكبرى، وقد اعترف بمقتل 26 عنصرًا له في خلصة وحدها، لكن الناشطين السوريين في المنطقة، ذكروا أن خسائر النظام في تلك المعركة بحدود 170 قتيلًا، منهم لا يقل عن 70 عنصرًا لميليشيا نصر الله، يمكن الإشارة -هنا- بأن قوات النظام والميليشيات العراقية والإيرانية واللبنانية المشاركة في القتال ضد الشعب السوري، على الرغم من أنها لا تعطي أرقامًا دقيقة عن عدد قتلاها، هي أيضًا لا تحصي عدد القتلى من مرتزقة باكستان وأفغانستان وغيرها، ولا توجد أي مرجعية لذلك، لكن الملاحظ، من الفيديوهات والصور التي ينشرها الثوار عن قتلى وأسرى، أنها تحوي -دائمًا- مرتزقة من جنسيات مختلفة.

يمكن القول -أيضًا- إن ما فعلته هذه الميليشيا من جهد خلال عقود؛ لتصدير نفسها كحزب مقاوم للاحتلال الإسرائيلي، وأن سلاحها ليس موجهًا نحو الداخل اللبناني وغيره، سقط دفعة واحدة بتورطها في جرائم حرب، بما فيها حصار بعض المدن والقرى، وتجويعها، وابتزاز أهلها بقوت يومهم وعلاجهم وتنقلاتهم، كما الزبداني ومضايا وداريا، علاوة على سرقة المنازل والمحال التجارية وغيرها، وإن أي دراسة، أو محاولة لكتابة تاريخ المنطقة، لن تستطيع المرور فوق تلك الحقائق، دون أن تتوقف عندها مليًّا، وهكذا، فإن المال الذي أنفقته إيران على تجهيز ودعم هذه الميليشيا، قد يكون هائلًا، وقد استُنزف بزجّه في مواجهة الشعب السوري، فضلًا عن أن الذاكرة لا تستطيع أن تنكر كيف استضاف السوريون اللاجئين من حاضنة هذه الميليشيا، في إثر حرب تموز/ يوليو عام 2006، فإذا بهذه الميليشيا تنهب وتقتل من فتح لها أبوابها، وهذه إحدى أهم العيوب الأدبية عند العرب.

إيران وإسرائيل في دعم وتسويق ميليشيا حزب الله

خسر حسن نصر الله شعبيّة وحضورًا ودعمًا لم تنله شخصية في السنوات الأخيرة؛ بسبب ادعاءاته بمحاربة إسرائيل، فخسائر الحزب المترتبة على تدخله السافر في سورية، لا تتوقف عند الخسائر البشرية والمالية، بل تتعداها إلى تلك المصداقية التي ضُربت، وهي أهم خسارة تتلقاها إيران في المنطقة، كون هذه الميليشيا هي الذراع الأهم لها. ويمكن القول، استنادًا إلى النتائج المتلاحقة بتعرية هذه الميليشيا، إنه حتى انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني عام 2000، وأيضًا حرب تموز/ يوليو 2006، قد تكون حبوبًا مقوية إسرائيلية داعمة لهذه الميليشيا، تعادل -تمامًا- ما قدمّته إيران من دعم، أي تصنيع نجم كما يقال في مهنة الدراما أو كرة القدم، وهذا ما حصل مع حسن نصر الله وميليشيا حزب الله، وربما الأشهر القادمة تكشف الكثير من الأسرار والملفات، التي كانت تتم تغطيتها من خلال نظام الأسد وتلك الميليشيات في المنطقة، وهذا ما قد يفسر تلك الإحاطة الدولية -حتى اللحظة- لهذا النظام، وعدم تطرق القوى الدولية الفاعلة لحجم الجرائم التي ارتكبتها تلك الميليشيا، والاكتفاء بالإشارة إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وإلى تنظيم القاعدة وجبهة النصرة، كتنظيمات متطرفة، دون التطرق لتلك الميليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية بشكل واضح وملموس، وهذا أحد أهم بذور الصراع التي ستبقى تنتشر في المنطقة، إن لم تتم معالجتها بشكل جذري، وبدون مواربة، وتسمية الأشياء بمسمياتها. وفي جميع الأحوال، فإن وضع ميليشيا حزب الله بعد تدخلها في سورية، لن يكون كما كان قبله، فإن كانت في بداية الثورة تتوزع على المراقد الدينية والمزارات، وبعض القرى الشيعية لتتدرب، فإنها قد باتت تتوزع على كافة المحافظات والمدن السورية، وتلم قتلاها أمام الكاميرات، دون أن تحسب للزمن حساب أنه لا يمكن لميليشيا، مهما كبرت وتضخمت، أن تغير في بلد بحجم سورية جغرافيًا وسكانيًا وتاريخيًا.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق