تحقيقات وتقارير سياسية

تدخل حزب الله في سورية: انهيار للحزب وبحث الحاضنة عن بديل

يستمر حزب الله اللبناني في استقبال العشرات من جثث مقاتليه، الذين سقطوا خلال مساعدة النظام السوري، في ضرب الثورة السورية، التي انطلقت عام 2011، للمطالبة بالحرية والكرامة، في الوقت الذي يستبعد فيه متخصّصون في الشأن السوري، أن تؤدي هذه الخسارات إلى تراجع، في حجم الحاضنة الشعبية اللبنانية للحزب، خصوصًا في ظل انعدام البديل بالنسبة إليهم.

 

أدى تدخل الحزب في سورية -مع بدء النظام السوري في خياره العسكري، للقضاء على الاحتجاجات الشعبية في البلاد- إلى تراجع صورة الحزب الأخلاقية في وجدان الكثير من اللبنانيين والعرب، حيث ظهر الحزب ذراعًا ميليشوية تابعة لإيران، تخطت الحدود اللبنانية؛ لتشارك لمصلحة طهران عسكريًا ولوجستيًا، داخل الدول الإقليمية، بما فيها سورية والعراق واليمن والبحرين.

 

وبحسب إحصائيات غير رسمية؛ فإن الحزب خسر في سورية وحدها قرابة الـ 2500 عنصرًا تابعًا له، من بينهم كبار القادة العسكريين في صفوفه، وتصدرت مناطق مثل بعلبك وصور والنبطية والهرمل وبنت جبيل، قائمة المدن اللبنانية المُستقبِلة لجثامين العناصر من سورية.

وعلى الرغم من هذه الخسارات، فقد عبَّر الحزب عن نيته إرسال المزيد من القوات إلى سورية، وذلك على لسان نائب رئيس المجلس التنفيذي في الحزب، نبيل قاووق، الذي قال خلال الاحتفال الحزبي، في بلدة الغندورية جنوبي لبنان، قبل أسابيع: إن الحزب على استعداد لزيادة حجم مشاركته العسكرية في سورية، للقتال إلى جانب نظام بشار الأسد، إذا اقتضت الحاجة.

 

قيمة منهارة وخسائر مكتومة 

يرى كثير من اللبنانيين، أن صورة الحزب لم تتراجع سلبًا في سورية والعالم العربي فحسب، بل هي في أوج تراجعها في لبنان أيضًا، بعد أن كشفت الثورة السورية عن زيف المبادئ، التي حاول الحزب وصف نفسه بها في الوجدان اللبناني.

الصحفية اللبنانية، مها حطيط، قالت لصحيفة جيرون: “إن صورة حزب الله بدأت تتغير في لبنان منذ اغتيال الحريري، لكن الأمر بقي محصورًا داخل لبنان نسبيًّا، وسرعان ما تغيّرت الصورة أكثر، فأكثر، بالنسبة إلى عددٍ كبير من اللبنانيين عام 2008؛ عندما وجّه حزب الله سلاحه إلى الداخل، واجتاح بيروت في 7 أيار/ مايو”.

وأضافت حطيط أن الثورة السورية “شكّلت مرحلة مختلفة لحزب الله محليًا وعربيًا واقليميًا، ولا سيما أنّ الحزب بات قوّة احتلال، تساند نظامًا مجرمًا، خصوصًا؛ بعدما سقطت جميع الذرائع، التي استخدمها الحزب، بداية تدخله حمايةً للبنانيين على الحدود أو المقدسات”.

 

وعن تكتم الحزب على عدد قتلاه الحقيقي في سورية، قالت حطيط: “إن الحزب يخوض حربًا صعبة، وهو يتكبد خسائر كبيرة، وربما التكتم على الأعداد؛ محافظة على معنويات جمهوره، علمًا أنه -فعليًا- لا يمكن التكتم على خسائره؛ فلبنان بلد صغير، وكل يوم -هناك- إطلاق رصاص خلال تشييع مقاتل، أو بيان نعي”، مشيرة إلى أن “طرقات الجنوب والبقاع مليئة بصور شباب، قضوا في سورية تحت عنوان الواجب الجهادي”.

 

في السياق ذاته، قالت صحيفة لوريان لوجور الفرنسية، في وقت سابق: “إن عددًا من الجثامين لم تُعَد إلى أهلها، ويكون رد أعضاء الحزب على تساؤلات الأسر، أن المقاتل أراد أن يُدفن قرب ضريح السيدة زينب في ريف دمشق”.

 

كما أن الحزب، في كثير من الأحيان، لا يقوم بترحيل الجثث في وقت واحد، إذا كانت الخسائر كبيرة؛ حيث يتم ذلك على مراحل متعددة، لتصل إلى لبنان بين ثلاث وأربع جثث في اليوم؛ الأمر الذي يؤكد خوف الحزب من تراجع حقيقي، في حجم التأييد الشعبي له، داخل حاضنته اللبنانية.

 

الكاتب السياسي اللبناني، علي الأمين، قال في حديثه لـ جيرون: “إن صورة “المقاومة” التي كانت تلتصق بالحزب، تراجعت بشكل كبير، ولم يعد “الوعي الشيعي العميق” يرى إسرائيل الخطر الأكبر عليه، بل تعدى ذلك إلى رؤية من يسميهم الحزب بـ “إرهابيين” الأخطر على وجوده”.

 

ونوّه الأمين إلى أن في لبنان “انقسام كبير حول تدخل حزب الله في سورية، مع الأخذ في الحسبان أن التأييد الضمني لسياسة الحزب، لم يصل -عند كثيرين- إلى حد الإشهار، لاسيما أن حلفاء الحزب أنفسهم، يتفادون تأييد دخوله علنًا”.

 

لا تراجع إلا بوجود بديل

ولعل السؤال الأبرز -اليوم- هو عن إمكانية خسارة الحزب للتأييد، عقب الخسائر الفادحة التي يتكبدها في سورية، وخصوصًا؛ في ظل وضوح عدم إمكانية الحسم العسكري على الأرض السورية، والتي وعد بها الحزب، بداية تدخله، لحماية الأسد، ومصالح الإيرانيين في البلاد.

 

ترى حطيط أنَّ الرّهان على عصيان، أو خسارة، حزب الله التأييد في بيئته حتى اليوم، ” رهانًا خاسرًا”، موضحة أن “بيئة حزب الله التي تخسر شبابها، إلى اللحظة مقتنعة بصحة خيار الحزب، وبضرورة القتال في سورية، وبعض الأصوات التي ترتفع، بين وقت وآخر، لا يمكن التأسيس عليها بعد”.

 

وتعلّل حطيط رأيها بأن “هناك حالة متكاملة، خلقها حزب الله من مؤسسات تربوية ودينية ومستشفيات ومعاهد ووظائف عملٍ، كلها تدور في فلكه، ويستفيد منها جمهورُه المقتنع -حتى اليوم- أن هذه الفاتورة المرتفعة، لحربه في سورية، هي أمر مفروض وضروري”.

 

ويرى الأمين أنه من الممكن أن “يموت 10 آلاف عنصر للحزب، ولاسيما أن الحزب رسّخ في ذهن الحاضنة الخاصة به، في لبنان، أن معركته في سورية معركة وجود لهم، وأن خسارة المعركة تعني موت الجميع على أيدي “الإرهابيين”، فضلًا عن أن خطابه يؤكد لمؤيديه نظرية “سنذهب لقتالهم قبل أن يقتلوننا”.

 

وأكد الأمين أن الحاضنة الشعبية، للحزب في لبنان، ستتراجع عن تأييد الحزب في حال رأت أن بديلًا حقيقيًا يلوح في الأفق، وقال: “في اعتقادي أن 80في المئة، من الحاضنة الشيعية للحزب في لبنان، تريد الاستغناء عن الحزب، لكنها تبحث عن بديل”.

 

وتساءل: “ماذا يقدم العرب من مشاريع جدية؛ لمواجهة خطاب الصراع المذهبي الجديد، الذي بدأ في الانتشار داخل العالم العربي؟ ماذا يقدم العرب في مواجهة هذه الظاهرة، من الجانب السني- الشيعي؟”.

 

ومن الجدير ذكره، في هذا السياق، أن العامل الرئيس في بقاء الحزب، في زخم قوته، هو الدعم الإيراني المادي للحزب، حيث أن ذلك الدعم مكن الحزب من تشغيل أكثر من 80 ألف شخص لبناني، بأجر أدناه 600 دولار أميركي، يكفيهم للعيش دون الحاجة، وأمّن لهم الدراسة والطبابة؛ الأمر الذي يرشّح -كثيرًا- بقاء تلك الحاضنة مؤيدة سياسات الحزب، على الرغم من معارضتهم لها.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق