جاء الإعلان عن تشكيل التجمع الفلسطيني السوري الحر (مصير)؛ ليضيف عنوانًا جديدًا إلى الجدل الدائر داخل الساحة الفلسطينية، سواءً على صعيد النخب أم على صعيد القطاعات الشعبية الأوسع، ولاسيما الشباب منها؛ ذلك الجدل المرتكز -في كثير من مفاصله- على حالةٍ من اليأس وفقدان الأمل في أي تشكيلٍ سياسي أو اجتماعي خدمي، خاصةً بعد التجربة المريرة للاجئين الفلسطينيين في سورية (نتيجة الحملة الممنهجة من النظام)، والمواقف المتخاذلة للقيادة الفلسطينية، وبالتالي، أثار الوليد الجديد (مصير) العديد من الأسئلة المتعلقة بتوقيت الولادة، إن صح التعبير، وأخرى مرتبطة بأهداف هذا التجمع، وما الذي يمكن أن يضيفه إلى واقع ومستقبل فلسطينيي سورية، ووصلت الحالة -أحيانًا- إلى حد التساؤل عن جدوى مثل هذه التجمعات، بعد أن خسرت الكتلة الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين العناوين السياسية لقضيتهم، والتي شكلتها -على مدار أكثر من سبعين عامًا- مخيمات اللاجئين.
“مصير” لماذا الآن؟
أكد المنسق العام للتجمع، أيمن أبو هاشم، في حديث لـ (جيرون) “أن هناك دوافعَ وأسبابًا عديدة دفعت باتجاه ولادة تجمع مصير، سواء ما ارتبط منها بتوقيت الإعلان بالمعنى السياسي والإنساني، أم من حيث المضامين والأهداف التي تعبر عن هويته، ودوره في الثورة السورية، ومن أهم تلك الأسباب وجود فراغ في القوى السياسية التي تتوجه إلى فئات المجتمع المعنية بالثورة، وانتشار محددات ثقافية بين قطاعات واسعة من الأجيال الشابة، تدعو إلى القطيعة مع عناوين العمل السياسي المنظم، وذلك بعد خمس سنوات من فشل تجارب سياسية عديدة في الساحة السورية”، مضيفًا: “مجمل هذه الأسباب والمبررات غير منفصلة عن ضرورة وجود دور أساسي للتجمع في مأسسة الحراك الفلسطيني، ضمن الحراك الثوري السوري عمومًا، لاسيما في ضوء إصرار النظام السوري، والفصائل الفلسطينية الموالية له، على المتاجرة بالقضية الفلسطينية، ومحاولاتهم تعميم رأي يقول بأن الفلسطينيين يقفون إلى جانب النظام، وتأسيسهم ميليشيات تشبيحية، تعمل تحت عناوين فلسطينية، مثل: لواء القدس و الجليل وغيرهما؛ لذلك كان لابد من تصحيح وتوضيح الصورة الحقيقية، التي تعبر عن الموقف “الفلسطيني – السوري” المنحاز -بغالبيته- لثورة إخوته السوريين”.
أما الصحافي الفلسطيني، عامر محمد، فقال لـ (جيرون): “بعد خمس سنوات من الصراع الذي أودى بحياة آلاف الفلسطينيين السوريين، وهجر آلافًا أخرين، يبقى السؤال حول مبررات وتوقيت تشكيل تجمع “مصير” من دون إجابة واضحة، إلا في إطار بعض التعميمات السياسية التي تؤكد بأنه محاولة جديدة وبقالب جديد، من أجل حمل ورقة اللاجئ الفلسطيني السوري في المحافل الدولية، لكنني أعتقد بأن حشر الفلسطيني السوري في خانة المعارضة السورية الآن، يشبه -إلى حد كبير- محاولات حشره في خانة النظام من قبل فصائل تقليدية، تعمل في دمشق، وتقاتل إلى جانب الأخير، وربما يكون لها نتائج سلبية بالنسبة لمستقبل الفلسطيني السوري، على المدى المنظور والبعيد”.
أهداف التجمع
كثيرة هي النقاشات داخل الوسط الفلسطيني، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، التي طرحت العديد من النقاط الاستفهامية، ارتبطت -إضافةً إلى مبررات تشكيل التجمع- بأهداف الأخير، وهو ما وضحه أبو هاشم بالقول: “أهداف التجمع هي العمل على تعزيز المشاركة السياسية الفاعلة، مع قوى الثورة والمعارضة السورية، ومؤسساتهما في الداخل والخارج؛ من أجل تحقيق تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة، وبناء نظام سياسي ديمقراطي جديد، يكفل حقوق المواطنة المتساوية للجميع، وتعميم ثقافة التحرر والتغيير، ووضع قضية الحريات الفردية والعامة كأولوية لا تسبقها قضية أخرى، كما يضع التجمع على عاتقه مهمة متابعة وتفعيل القضايا كافة والجوانب السياسية والإنسانية، المتعلقة بالدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين ومصالحهم في سورية، ومن أهمها: ملف المعتقلين والمغيبين قسريًا في سجون النظام، وملف إعادة إعمار المخيمات الفلسطينية، وملف عودة النازحين والمهجرين إلى بيوتهم، إضافةً إلى توثيق كافة الانتهاكات والأضرار البشرية والمادية التي طالت المجتمع الفلسطيني في سورية خلال الصراع”.
التجمّع وفلسطينيو سورية
بعض الآراء السائدة في الساحة الفلسطينية تذهب باتجاه التساؤل عن جدوى إضافة كيان جديد، يعبر عن آلام وآمال فلسطينيي سورية، وبالكاد تلحظ لهم وجود داخل ذلك البلد؛ بفعل ما حصل خلال السنوات الماضية من إمعان النظام في قصفهم وحصارهم وصولًا إلى تهجيرهم، إلا أن أبا هاشم رفض ذلك التوصيف، وقال: “أخشى أن من يطرحون هذا السؤال يستعجلون تفريغ سورية من الوجود الفلسطيني، وهي إحدى مهام النظام من وراء حربه الشعواء على الفلسطينيين في سورية، لكن الواقع يقول غير ذلك من ناحيتين: الأولى، أن العدد الأكبر من اللاجئين يوجدون في الداخل السوري، على الرغم من كل عمليات التهجير القسري، بفعل سياسات النظام منذ بداية الثورة؛ فمن أصل 560 ألف لاجئ فلسطيني سوري، هم العدد الإجمالي وفق إحصائيات رسمية حتى نهاية العام 2012، فإن عدد الباقين منهم داخل الأراضي السورية 380 ألف لاجئ، وهي النسبة الأكبر، بمعنى أن هناك واجبًا علينا كي ندافع عن حقوقهم التي تُنتهك -يوميًا- على يد النظام وحلفائه وميليشياته، ولا بد من البحث عن كافة الأدوات والأساليب التي من شأنها حماية وجودهم وضمان مستقبلهم، والذي نراه مرتبطًا -جدليًا- بالمصير السوري، هذا واجب وطني وأخلاقي، لا يجوز التنكر له كما فعلت المرجعيات الفلسطينية والعربية والدولية المعنية بهم”، وأضاف: “أما الناحية الثانية، فترتبط بأن من اضطر من فلسطينيي سورية إلى الهروب خارج سورية، لأسباب أمنية أو إنسانية فرضتها ظروف الصراع؛ فهؤلاء لازالوا مرتبطين بالواقع السوري، ولهم مواقف مما يجري، وتطلعات مستقبلية تعبر عن مدى ارتباطهم بمصير سورية؛ وبالتالي، فهم جزء من مشكلة اللجوء السوري، وجزء مهم -أيضًا- من معركة التحرر ضد نظام الأسد، ومن يتعامل معهم بمنطق الغياب أو التغييب، يقدم خدمة كبيرة لكافة القوى والأطراف المستفيدة من تهجيرهم، والتي تسعى إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين”.
في حين خالف “محمد” الرأي السابق، وقال: “بالتأكيد، بات الوجود الفلسطيني في سورية هشًا ومهددًا بالزوال، بعد هجرة الآلاف باتجاه أوروبا أو دول الجوار، وهنا بيت القصيد الذي يدعو إلى التساؤل حول موعد تشكيل التجمع، فعن أي فلسطيني سوري يتحدث “مصير”، وعمّ يريد التجمع أن يدافع، عن الوجود نفسه في سورية، أم عن حق الفلسطيني في الحياة؟ وكأن السوريين يتمتعون بكامل هذا الحق، أم عن وضعه كلاجئ؟”.
لم تقف المسألة عند حدود تلك التساؤلات؛ فظهر العديد من النقاشات المتعلقة بسؤال، يتمحور حول ما الذي يمكن أن يضيفه “مصير” إلى واقع ومستقبل الفلسطينيين السوريين، وفي هذا السياق قال محمد: “لن يستطيع أي تجمع فلسطيني (سياسي أو حقوقي أو خدمي) إضافة أي جديد للفلسطيني السوري، اللهم إلا بعض الكراتين وبطاقات الإعاشة، المساحة التي من الممكن أن يُوجَد فيها الفلسطيني السوري تبدو ضيقة جدًا، إن لم تكن معدومة، فكيف لتجمع سياسي، يجاهر بمبادئ الثورة السورية، أن يجد له مكانًا في البلاد اليوم، وإذا كان القائمون على التجمع يسعون لأهداف الثورة السورية ذاتها؛ فما الحاجة إلى تجمع باسم الفلسطينيين إذن؟ وإن كانوا يسعون إلى أهداف أخرى؛ فكيف لهم أن يحققوا ذلك في وضع أمني وسياسي وعسكري معقد، كما هو الحال في سورية؟”.
من جهته عدّ أبو هاشم أن للتجمع دورًا كبيرًا في هذا السياق، من خلال عمله على تعزيز وتثبيت فكرة تحرر شعوب المنطقة من الاستبداد، واستعادة حقوقها الوطنية والإنسانية، وهو ما سينعكس -إيجابًا- على الجهود المبذولة في سبيل توحيد الحراك الثوري الفلسطيني والسوري، وهذا من شأنه إحداث تغيير جذري في طريقة فهم طبيعة الصراع ، ونزع ورقة المتاجرة بالقضية الفلسطينية من قبل الأنظمة، وبناء ثقافة جديدة، تؤكد أن خلاص الشعب السوري واللاجئين الفلسطينيين من النظام الأسدي، خطوة في اتجاه إعادة بناء إنسان، يمتلك القرار الواعي لتغيير واقعه أولًا، والدفاع عن حقوقه الوطنية تاليًا.