سورية الآن

خطاب الكراهية نار تلتهم الأوطان

الكراهية شعور عابر للقارات، نجده في أكثر الدول تقدمًا وغنىً، وكذلك في الدول الفقيرة النامية، ويمتد من الدول الأكثر فقرًا وتخلفًا إلى الدول الأكثر نماء وتطورًا؛ ففي بريطانيا وحدها، بلغ عدد بلاغات جرائم الكراهية أكثر من 6 آلاف بلاغ، وذلك منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (وفق موقع قناة بي بي سي العربية).

 

بحسب التعريف القانوني، فإن جريمة الكراهية هي العنف الذي يُحرّكه الانحياز، وقد تتضمن الجرائم الاعتداء الجسدي، أو تخريب الممتلكات، أو الإهانة والتحرش، وحتى الرسومات أو الكتابات المسيئة التي تضر بالآخرين وتهددهم، ويشهد سوق الكراهية ازدهارًا خلال الأزمات السياسية، والحروب بين الدول والحروب الأهلية.

 

يصف جاك سيمليان واقعة عاشها ميكايل إغناتييف، “في القبو الصربي المحصّن، سمعت جنود الاحتياط يقولون: إنهم يكرهون تنفس الهواء ذاته الذي يتنفسه الكرواتيون، وإنهم يكرهون الوجود في الغرفة ذاتها معهم”.

 

إذن، مرتكبو هذه الجريمة يعتقدون بتفوقهم وبأفضليتهم، وذلك بحسب العرق، التوجه الجنسي، الدين، الإعاقة، الطبقية، الجنسية، العمر، الجنس، الحزب السياسي، وهذا التفوق تلازمه نظرة احتقار أو استصغار أو قلق من الآخر. أو كما في الحالة الغربية يتحول المهاجرون مشجبًا لتحميلهم سبب أزماتها الاقتصادية والاجتماعية.

 

سعت الأحزاب اليمينية المتشددة إلى بث خطاب الكراهية ضد المهاجرين، وصلت إلى حدّ تحميلهم وزر الأزمة المالية التي اندلعت في أوروبا سنة 2007، واتهمتهم بأنهم باتوا يُزاحمون الأوروبيين الأصليين في الحصول على فرص، ويُكلفون الميزانية العمومية نفقاتٍ باهظة، وفي الوقت نفسه، يبنون مستقبلهم في بلدانهم الأصلية عبر استثمار ما يجنونه في المهجر.

 

مع موجات اللجوء الكبرى القادمة من سورية والعراق ودول آسيوية عبر تركيا عام 2016، وجد هذا الخطاب تربة خصبة من جديد، وكشفت قراراتُ عددٍ من الدول، بإغلاق حدودها مع اليونان ودول البلقان، نزعة دفينة لرفض القادمين الجدد، حيث تعاملت وسائل الإعلام -بسلبية- مع أولئك اللاجئين بوصفهم كتلة جماعية، أي: مجرد أعداد دون إعطاء أي خلفية إنسانية لشخصياتهم، أو ما عانوه من ويلات الحروب في بلدانهم، فضلًا عن كميات كبيرة من الزيف المقصود بحقهم، وصلت إلى درجة نعتهم بعبارات، هدفها الحط من قدرهم.

 

الإعلام وخطاب الكراهية

تقوم وسائل الإعلام بدور أساسي في إقناع الرأي العام بتجسيد الشعور باقتراب الخطر؛ لذلك شكّل الركيزة الأهم لبث أفكار الكراهية عبر العالم، في ظل الفراغ الأيديولوجي والاستراتيجي بعد انتهاء الحرب الباردة، وبسط ظلاله حتى على البلدان الديمقراطية. التي أصبحت ضحية الترويج الخاص بوسائل الإعلام التي تبنّت، بكل ما في طاقتها، فكرة الحرب على الإرهاب، فالديمقراطيات -تلك- وفق جورج ف. كينان، أكثر تمركزًا على الذات في حالة الحرب؛ فهي تميل -في هذه الحال- إلى أن تنسب إلى قضيتها قيمة مثالية تشوه رؤيتها للأشياء، واستخدمت وسائل الإعلام -أيضًا- النتاج الأدبي والسينمائي العام في حربها ضد الإرهاب الإسلاموي.

 

ازداد خطاب الكراهية عنفًا مع دخول وسائل الإعلام الجديدة السوق، وبسط سيطرته عليها، حيث أدى انتشار الـ “فيسبوك” و”(تويتر” و”يوتيوب”… إلخ، في مختلف أصقاع الأرض، ودخوله في أدق التفاصيل الحياتية للناس، حتى أمكن القول إنّ هذا العالم الافتراضي أصبح قادرًا على “إنتاج القيم”، أو ما يسميه جان بودريار بـ “انبجاس المعنى في الميديا”، ويطلق عليها في كتابه المصطنع والاصطناع “إيديولوجيا حرية الكلام”.

 

على الرغم من توقيع عمالقة شبكات التواصل الاجتماعي اتفاقًا مع الاتحاد الأوربي؛ لمكافحة نشر نصوص أو دعوات للحقد والكراهية على هذه الشبكات في أوروبا، إلا أننا نجد انتقادات من قبل المستشارة الألمانية، أنجلينا ميركل، لشبكات التواصل الاجتماعي؛ لأنها تركت حملة الرسائل والدعوات العنصرية ضد اللاجئين، دون أن تحاول منعها أو الحد منها.

 

أما في فرنسا فقد قامت منظمات مكافحة العنصرية باختبار، رصدت خلاله مقولات ونصوصًا وأفلام فيديو من هذا النوع، وقامت بالإبلاغ عنها، ولكن استجابة شبكات التواصل الاجتماعي لم تكن بالصورة الكافية للشكاوى، حيث لم يحذف الفيسبوك سوى ثلث الرسائل التي تم التبليغ عنها، ولم يرفع اليوتيوب أكثر من 7 بالمئة من أفلام الفيديو التي تتضمن رسائل دعوات للكراهية والعنصرية. وكانت الانتقادات الأكثر خطورة، تتعلق بما يسمى بخطاب الحقد والكراهية الذي تستخدمه المجموعات الإسلامية المتطرفة، كخطوة أولى في تجنيد الأوربيين من أصول عربية.

 

في المشرق

استخدمت الأنظمة الاستبدادية الإعلام منبرًا؛ لبث خطاب مشبع بالكراهية، إثر الحالة التي سادت بعد أزمة الربيع العربي، فالإعلام بات يحض على الكراهية، ويدفع بها إلى الدرك الأسفل في الحقد والتشويه للآخر، وفي هذا السياق، احتل إعلام النظام السوري المرتبة الأولى في إذكاء نار خطاب الكراهية (وفق وليد حسني أبو زهرة).

 

تعج مواقع التواصل الاجتماعي، الموالية للنظام السوري بالكثير من النماذج المخزية في خطاب الكراهية، حيث وصفت المعارضين لبشار الأسد، بـ “المندسين” و”السلفيين” و”الإرهابيين”، فضلَا عن تبنّي خطاب طائفي حاقد، يستبيح أموال وأعراض وأرواح كل من يعارض النظام، ليس ذلك فحسب، بل نحا الأسد نفسه منحى واضحًا، من خلال خطابات التخوين وشيطنة معارضيه، ومحوهم من الوجود، بل ونسف تاريخ سورية نفسها، شاحنًا المجتمع السوري بالقلق والرعب، فلا مكان لمن يقف في الوسط بالنسبة له ولنظامه.

 

التحدي

في ظل تنامي الدعوات الدولية المستنكرة لخطاب الكراهية، والمطالبة باستصدار قوانين وتشريعات تُجرّم هذا الخطاب وتدعو إلى مُحاكمة مرتكبيه، يبرز التحدي، حيث نجد أصواتًا أخرى تقول: إنّ هذا الأمر قد يُشكل حجر الأساس في التعدي على الحريات، ولاسيما حرية التعبير عن الرأي التي صانتها دساتير الدول، كما أن ميثاق الأمم المتحدة، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يُلزم جميع الدول الأعضاء بضرورة تعزيز واحترام وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

 

تقول وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الإعلام، كرستينا غاياك، إن خطاب الكراهية حرّض على ارتكاب أعمال عنف بمختلف أنحاء العالم، كانت لها عواقب فتاكة، وتؤكد على أن الشباب يستخدمون اليوم -أكثر من أي وقت مضى- خطاب الكراهية؛ لإثارة الصراع بين الحضارات باسم الدين، وجعل الشباب المتشددين يعتمدون طريق العنف، كسبيل وحيد للتحرك قدمًا، وألقت اللوم على وسائل التواصل الاجتماعي التي سهلت ذلك ولم تقم بأداء المطلوب منها، وفق الاتفاقيات المبرمة بينها وبين الدول.

 

خلاصة القول إنّ خطاب الكراهية شبح يطوف أنحاء العالم، كصندوق “باندورا” الذي ينتظر من يفتحه؛ لتنطلق منه شرور العالم كلها.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق