قضايا المجتمع

العيش من دون زيادة.. حال اللاجئين السوريين في الأردن

يعاني اللاجئون السوريون في الأردن أوضاعًا معيشيةً قاسيةً، لعل أبرزها الفقر، الحاجة إلى الاستقرار، وضعف في الخدمات المعيشية، ما جعل الأمم المتحدة تناشد المجتمع الدولي أكثر من مرة لإغاثة هؤلاء السوريين الذين فرّوا من بلادهم خوفًا من آلة النظام السوري العسكرية، والتي لم تألُ جهدًا في سفك الدم السوري في أطراف البلاد الأربعة.

 

وبحسب تقرير صادر عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، رصد حالتهم حتى نهاية عام 2015، فإن “تسعة من كل عشرة لاجئين سوريين مسجلين في الأردن هم فقراء” أو من المتوقع أن يكونوا في عداد الفقراء، موضحًا أن عدد النساء والأطفال من اللاجئين في الأردن يقدر بـ 900 ألف.

 

ويضم الأردن خمسة مخيمات تحتضن لاجئين سوريين هي مخيم الزعتري في منطقة المفرق ويقطن فيه نحو 90 ألف لاجىء، مخيم الأزرق في منطقة الأزرق يضم نحو 30 ألف لاجىء، مخيم مريجب الفهود في مدينة الزرقاء يحتضن نحو 6000 لاجىء، مخيم الحديقة في الرمثا ويقطن فيه نحو 700 لاجىء، ومخيم سايبر ستي شمالي العاصمة عمان الذي يضم نحو 320 لاجئًا.

 

مساعدات موجودة، ولكن

 

أم خالد، أرملة في الأربعين من العمر وأم لثلاثة أطفال وتسكن في مخيم الزعتري، قالت في حديثها لصحيفة (جيرون) “إن المساعدات التي تقدم للاجئين السوريين في المخيمات لا تكفي إلا لسد الرمق، والقسائم الغذائية التي يتم توزيعها علينا لا تكفي لشيء، عشرون دينارًا أردنيًا للشخص الواحد ماذا ستقدم وماذا ستشتري؟”.

 

وأكدت أنها باتت تتلاعب على أطفالها كي تصرف عن رؤوسهم التفكير باقتناء الألعاب والرغبة في تناول (الحلويات والمثلجات) التي اعتادوا تناولها في بلادهم.

قال عاصم الزعبي، وهو ناشط حقوقي سوري يعيش في الأردن ويعمل على توثيق الانتهاكات بحق السوريين، في حديث خاص لصحيفة (جيرون) إن “90% من اللاجئين الموجوين في المخيمات فقراء، ولا سيّما أن الذين يدخرون بعض المال أو استطاعوا الخروج والسكن في منازل استأجروها في المدن الأردنية”.

 

وأضاف الزعبي أن المساعدات في المخيمات نوعان “الأول هو قسائم غذائية يتم صرفها من محال محددة داخل المخيمات على شكل بطاقة صراف بنكي بقيمة 20 دينار أردني لكل فرد أي ما يعادل نحو 30 دولارًا، والنوع الثاني هو “مساعدات عينية أغلبيتها في فصل الشتاء مثل البطانيات، أسطوانات غاز، مدافىء غاز”.

 

وأوضح الزعبي أن الفقر دفع بعض السوريين نحو المطالبة بالعودة إلى بلادهم، في حين منعت أحوال معينة الآخرين من التفكير بالعودة، خصوصًا في ظل الوضع الأمني غير المستقر في سورية بسبب القصف والاشتباكات مع قوات النظام من جهة، ومع تنظيم داعش من جهة أخرى، إضافة إلى عدم وجود فرص للعمل هناك.

 

 

خدمات معيشية واجتماعية في الحدود الدنيا

 

 

أما عن مستوى الخدمات في المخيمات، فقال الزعبي: إن الخدمات في المخيمات تتفاوت نسبتها، فالكهرباء في مخيم الزعتري، والذي يُعدّ أكبر المخيمات في الأردن، تصل من الساعة السابعة مساء وحتى الساعة الثامنة صباحًا، وحاليًا يتم العمل على تحويل كهرباء المخيم للعمل على الطاقة الشمسية كبديل”، مشيرًا إلى أن مخيم الأزرق مزود بالكهرباء ليلًا عبر الطاقة الشمسية.

وعن المياه، أوضح أنه “يتم توزيع خزانات للمياه مصنوعة من البلاستيك بسعة 2 متر مكعب من قبل الهيئات العاملة في المخيمات، ويتم ملؤها يوميًا بواسطة صهاريج تحضر المياه من خارج المخيمات، أما في مخيم الزعتري يتم ملؤها من بئرين ارتوازيين تم حفرهما في المخيم”.

 

لكن قلة المياه مقارنة بعدد السوريين الموجودين في المخيمات، دفع بعض السوريين لادخار بعض المال، من مخصصات بالكاد تكفي عيشهم، لشراء خزانات من أجل سد العوز، بحسب لاجئين تواصلت معهم (جيرون).

لم يشتكِ الكثير ممن التقتهم “جيرون” من ضعف في الجانب الصحي في المخيمات، ولا سيّما أن مخيم الزعتري وحده يضم مشفى العون، وهو مشفى أردني يتكون من عيادات إسعافية وعيادات للفحوص الدورية، ويقدم الأدوية لكل المرضى، مشفى أطباء بلا حدود، المشفى السعودي، والمشفى الفرنسي.

 

لكن الزعبي أوضح أن الصعوبات الطبية في المخيمات تتمثل في العمليات الجراحية وحالات الولادة غير الطبيعية (القيصرية)، حيث يتم نقل هذه الحالات إلى المشافي الحكومية خارج المخيمات.

 

لعل من أكثر الأشياء طمأنة للسوريين هناك أن سيارات الإسعاف تعمل بشكل متواصل داخل المخيمات، وهناك إسعاف سريع تابع للدفاع المدني الأردني يعمل على مدار الساعة لمواجهة أي طارئ صحي.

الزواج والوفاة

على الرغم من تناقض المعنى في الكلمتين، إلا أن الزواج والوفاة، هما من أبرز الحوادث الإنسانية اهتمامًا في حالات اللجوء والنزوح، فكثيرًا ما ترد أسئلة على الملأ “أين نوثق زواجنا؟” و”أين ندفن موتانا؟”.

بحسب المعلومات التي حصلت عليها “جيرون”، فإن تثبيت الزواج في مخيمات اللجوء بالأردن يتم عبر خطوات، أولها تقديم الشاب والفتاة طلبًا إلى إدارة المخيم من أجل ما يسمى (رخصة زواج)، ثم بعد الموافقة يتم تحويلهما إلى المحاكم الشرعية المختصة في المدن الأردنية بشكل أصولي.

وتفاديًا لحالات زواج غير موثقة، قامت الحكومة الأردنية في العام الماضي بإعفاء المخالفين، أي الذين تزوجوا دون تثبيت عقودهم لدى المحاكم، من الغرامات المنصوص عليها في قانون الأحوال الشخصية الأردني والبالغة 1000 دينار أردني، أي ما يعادل 1500 دولار.

أما حالات الوفاة، فيتم تسجيلها بشكل رسمي لدى الجهات المختصة، كما يتم استصدار شهادات وفاة بشكل قانوني لاستخدامها في الشؤون المختلفة للاجئين داخل الأراضي الأردنية.

 

ويقول عاصم إن دفن الموتى “يتم في مقابر المدن الأردنية المختلفة، وهناك مقبرة خاصة للشهداء السوريين في مدينة الرمثا، أو يتم نقل جثامين المتوفين ليتم دفنها داخل الأراضي السورية، بشكل خاص أبناء محافظة درعا”.

 

وتجدر الإشارة إلى أن المعاناة لا تقتصر على السوريين الذين يقيمون داخل المخيمات، بل تطال أغلبية السوريين المقيمين في الأردن، فبحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة بعنوان (العيش في الظل) والذي رصد حياة السوريين في الأردن عام 2014، فإن ثلثي اللاجئين السوريين يعيشون تحت خط الفقر المحلي، بينما يعيش واحد من بين كل ستة بيوت للاجئين السوريين في فقر مدقع، حيث يبلغ دخل الفرد أقل من 40 دولارًا أميركيًا في الشهر.

 

وتبقى معاناة السوري هي الثابت الوحيد في المعادلات السياسية والعسكرية المتغيرة منذ خمسة أعوام، ويبقى حلمه في العودة إلى وطنه هو الأصل، فـ “لولا القصف والدمار، الوطن أفضل من أي مكان آخر، ولو من دون خبز” على حد تعبير أم خالد.

مقالات ذات صلة

إغلاق