سورية الآن

المفاوضات اليمنية تراوح مكانها بسبب الإيرانيين

“العربية السعيدة”، أو “اليمن السعيد”، هكذا أُطلق قديمًا على تلك الجغرافيا الواقعة على الكتف الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية، وكأن من أطلق تلك التسميات يُدرك أن فيها سعادة غامرة، والسعادة بلا شك لقاطني تلك الأرض وزائريها بما تقدمه لهم ربما من خيرات ومن مناخ وطبيعة وأمان، وبالنتيجة ما تقدمه من أسباب الفرح والسعادة التي يحتاجها الإنسان لا الأرض.

إنهم اليمنيون الطيبون الذين ساهموا في الحضارات القديمة وشواهدها قائمة على أرضهم، شاءت بهم الأحوال والأقدار أن يبحثوا عن السعادة، ليمتلكوا يمنًا يضعهم في دفء حضنه جميعًا، ويؤويهم ككل الأوطان العظيمة، ويضعونه في قلبهم كعربون وفاء لأجداد قالوا عن يمنهم إنه سعيد.

 

في الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011، وتحت مُسمى جمعة الغضب، انطلقت في اليمن تظاهرات عارمة تطالب بإسقاط نظام علي عبد الله صالح، بعد عدة تظاهرات بدأت قبل ذلك بنحو الشهر ضد الفساد، متأثرة بالربيع العربي الذي انطلق في تونس، وأنهى حكم ابن علي، ليُتابع في مصر ويُسقط مبارك.

 

اتفاق الرياض لتنحّي صالح

اليمن الذي حكمه صالح مدة 33 عامًا، وجعل عائلته وأقاربه في مراكز القيادة المختلفة، خاصة العسكرية، ليعيثوا فيه فسادًا، قامت ثورته (ثورة الشباب اليمني) في وقت كان فيه نحو نصف السكان البالغ عددهم 23 مليونًا يعيشون تحت خط الفقر، مع نسبة عالية من البطالة تقدر بنحو 35 في المئة (بحسب تقارير الأمم المتحدة)، واستمرت التظاهرات بلا كلل، وبُحّت الحناجر وهي تصدح للحرية ولرحيل النظام، وكانت السلمية عنوانًا لثورة شعب يطمح للسعادة الحقيقية بلا صالح وزمرته.

 

بعد تنازل صالح عن الحكم لنائبه عبد ربه منصور هادي، وفق المبادرة الخليجية التي أفضت حينها إلى اتفاق وُقّع بالرياض في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، ومع منح علي عبد الله صالح والمقربين منه الحصانة القانونية، والاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية لمرحلة انتقالية، لم يُكتب لهذا البلد الانتقال إلى بداية طريق السعادة فوقع فريسة أطماع إيران في تدعيم مشروعها في المنطقة، والتي وجدت في الرئيس المخلوع ضالتها، وأوقعت اليمن بين طموح غير مفهوم المعالم، ووجود أهداف للحوثيين الذين كانوا خصوم صالح سابقًا، ليتحالفوا معه برعاية إيرانية، وكأن اليمن لم يكفه فقره ومآسيه من الفساد طوال عقود، ولتُشن على شعبه حرب شاركت فيها ميليشيا الحوثيين وميليشيا صالح، وليُطل بعدها تنظيم القاعدة من بعض المناطق الجبلية، فيقع الشعب بين أسنان منشار متعدد الاتجاهات في عبوره على أعناق أبناء هذا البلد.

 

شُنّت حرب غير عادلة على سلطة استلمت مهماتها في أوضاع صعبة، وعلى مؤسسات بُنيت أصلًا على الفساد، وبدا الدور الإيراني واضحًا في التدخل بالشأن الداخلي، وبالتدريب والتمويل، وقد يكون تصريح عضو البرلمان علي رضا زاكاني، المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي في أيلول/ سبتمبر 2014 الذي قال فيه إن “ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإيرانية الإسلامية”، وأن صنعاء هي العاصمة العربية الرابعة التي في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية. وأشار حينها إلى أن “14 محافظة يمنية سوف تُصبح تحت سيطرة الحوثيين قريبًا من أصل 20 محافظة”، ولم تُخفِ إيران دعمها للحوثيين على لسان عدد كبير من مسؤوليها، عدا عن اعتراض سفن تحمل شحنات أسلحة آتية من إيران في البحر الأحمر.

 

كان لا بدّ للخليج العربي من التحرك في البداية دبلوماسيًا، وبمساعٍ قام بها المبعوث الدولي جمال بنعمر، خاصة بعد اضطرار الرئيس هادي إلى مغادرة البلاد في إثر سيطرة الحوثيين على العاصمة، ثم جاء التدخل العسكري من خلال التحالف الذي أطلق (عاصفة الحزم) في 26 آذار/ مارس 2015 لدعم الشرعية.

 

لم تعد مسألة القضاء على الفوضى التي عممتها الميليشيات الحوثية وأتباع صالح أزمة يمنية داخلية، بل مصلحة خليجية وعربية، على الأقل لقطع الطريق على إيران لمنعها من الاستثمار بالفوضى كعادتها، وتأتي في هذا السياق محادثات السلام اليمنية التي انطلقت في الكويت في 21 نيسان/ أبريل 2016، لتُجنّب ما يمكن أن يشابه الصوملة أو التقسيم، وبكلا الحالتين، فإن الخاسر الأكبر هو الشعب اليمني.

 

انطلقت محادثات السلام بدعم خليجي كامل، ودعم دولي أيضًا، تطبيقًا للقرار 2216 الصادر عن مجلس الأمن في 14 نيسان/ أبريل 2015، إلا أنها دخلت في سجالات ومواقف داخلية بين الأطراف اليمنية، سببها تعنّت الوفد الحوثي ووفد صالح وعدم التزامهما مرجعيات الحوار المتفق عليها، وعدم اعترافهما بشرعية الحكومة اليمنية، ما أدى أيضًا إلى انهيار الهدنة الإنسانية التي أقرت في العاشر من نيسان/ أبريل الماضي؛ وعلى هذا، يبدو أن إيران ستبقى تُصدّر الفوضى في المنطقة، ولا تلتزم المواثيق الدولية، وأن مواقف هذه الوفود التي يتم رعايتها من إيران ضمنًا يدل على الخسائر المالية والمعنوية التي تكبدتها إيران بتدخلها في هذا البلد، وهي تعرقل العملية السياسية الآن للحصول على مكاسب من خلال تلك المفاوضات، من دون النظر إلى مكاسب سياسية يستحقها الشعب اليمني وليس غيره.

 

ومع تلك المواقف التي جعلت المفاوضات تراوح مكانها بعد عدم التزام وفدي صالح والحوثيين التعهدات، فإن الرعاية الدولية والعربية لا تزال أيضًا غير واضحة في جديتها، وبخاصة الدول الفاعلة التي ما زالت تقول إنها تحاول الإحاطة بالمفاوضات لدفعها للأمام، ومع غياب تقدم ملموس يعطي بارقة أمل لليمنيين، وينقلهم إلى حالة الأمان، ويصل بهم إلى حالة الاستقرار على طريق اليمن السعيد، فإن ربيع الثورة في هذا البلد سيكون على مواسم طويلة الأمد، لا بدّ وأن يُزهر ويُثمر في يومٍ ما.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق