لم تزل الثورة السورية تبحث عن بارقة أمل في أن يتقدم كيان ما لدعمها والإحاطة بها من جانب أصدقاء الشعب السوري، مقارنة بما يتلقاه النظام من دعم مفتوح بالمال والعتاد والرجال من روسيا وإيران والعراق، وربما آخرين لم تنكشف أوراقهم حتى الآن؛ وكلما ارتفع سقف التوقعات، يعود للانخفاض من جديد، حتى بأقل تقدير، وهو الاهتمام بمصير أولئك الضحايا والجرحى والمشردين عن بيوتهم بسبب حرب النظام ومن ساعده أو والاه من تنظيمات متطرفة، حيث وقع السوريون بين فكي كماشة إرهاب النظام وتلك التنظيمات.
عندما أُعلن بالرياض في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2015 عن تشكيل التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، توقّع العديد من المراقبين أنها قد تكون خطوة نحو التدخل العسكري في سورية ضمن خطة محاربة تنظيم الدولة (داعش)، وحاولوا بناءً على ذلك رسم سيناريو يقول إن دخول قوات بريّة مشتركة لمحاربة الإرهاب، يلزمها بالمقابل ترتيب البيت السوري، وهذا يقود إلى الانتهاء من حكم بشار الأسد كجاذب وراعٍ للإرهاب، والانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة.
ازدادت وتيرة تلك التكهّنات والتحليلات السياسية والعسكرية، بعد انطلاق أكبر مناورات في المنطقة جرت على الأراضي السعودية في 27 شباط/ فبراير 2016 بمشاركة 20 دولة من دول هذا التحالف، وحملت اسم (رعد الشمال)، ويشار هنا إلى أن الولايات المتحدة الأميركية قد رحبت بهذا التحالف العسكري الذي جاء الإعلان عنه بعد أكثر من عام على انطلاق التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة (داعش) بقيادتها، والذي انطلق في آب/ أغسطس 2014، وقد اقتصر على غارات للطيران الحربي، حيث قيل فيما بعد إنه بلا تدخل مباشر بقوات بريّة فإن القصف الجوي لا فائدة منه، وهذا في الحقيقة ما بدا واضحًا على الواقع حيث توسعت رقعة الأرض التي يسيطر عليها التنظيم، إن كان في سورية أو في العراق.
التقارب التركي السعودي والحرب على الإرهاب
كان لمشاركة تركيا في التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب دور كبير في رسم السيناريوهات للتدخل البري بسورية، خاصّة بعد الدعوات التركيّة المستمرّة إلى إنشاء منطقة آمنة في الداخل السوري من دون أن تلقى دعمًا دوليًا من الدول الفاعلة، ولا شك أن المشاركة التركية في التحالف جاءت ترجمةً للتقارب التركي السعودي، والسعي للتنسيق فيما بينهما في محاربة الإرهاب، وأيضًا بالوضع السوري واستيعاب ارتداداته، وكان من الواضح أن المصلحة التركية تقتضي التقاطع مع المصلحة السعودية بذلك، كما أنها بدأت تعاني اقتراب (داعش) من حدودها، إضافة إلى زيادة عدد اللاجئين السوريين على أراضيها وجزء منهم جاء بسبب تمدد هذا التنظيم في مناطق جديدة بسورية، قابله أيضًا تقدم لقوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري في شمال حلب وقرب مدينة اعزاز ما شكّل حرجًا وتهديدًا لتركيا، الأمر الذي استدعى منها إرسال قوات عسكرية كبيرة إلى الحدود، بل وقصفت عدة مواقع تابعة لقوات حماية الشعب الكردية داخل سورية وبجوار مدينة اعزاز.
السعودية بدورها مستاءة من حجم التدخل الإيراني بسورية وباليمن، وكانت قد أطلقت حملة عسكرية تضم عدة دول عربية بقيادتها في اليمن بعنوان (عاصفة الحزم)، وهنا جاء الخلط من جانب المتابعين، وعدم الفصل بين التحالفين، واعتبارهما تحالف واحد، فالتحالف العربي لدعم الشرعيّة باليمن، عدّه البعض جزءًا من التحالف الإسلامي، وكذلك عُدّ التدخل في اليمن كدليل في التحليل بأن التحالف آتٍ، و(عاصفة الحزم) تلك مستمرة في عناوين جديدة نحو سورية، على الرغم من أنّ تلك العاصفة باليمن كانت أصلًا قبل ثمانية أشهر من إعلان تشكيل التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، أي في 26 آذار/ مارس 2015، لكن من المرجّح أن تصريحات عادل الجبير وزير خارجية السعودية في مؤتمر صحفي بباريس في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2015، والذي جاء مع إطلاق التحالف الإسلامي، قد ساهمت في تدعيم التوقعات حول التدخل العسكري، حيث قال إنه توجد مباحثات بين بعض دول التحالف لإرسال قوات خاصة إلى سورية.
بين التحالف الإسلامي والدولي ضد الإرهاب
في شباط/ فبراير 2016 أُعلن عن قدوم طائرات حربية سعودية إلى القواعد الجوية التركية ومنها قاعدة إنجرليك، وكان الحديث عن أن هذه الطائرات ستباشر مهماتها العسكرية مع الطائرات التركية ضمن التحالف الإسلامي، ضد تنظيم الدولة (داعش) في سورية، وتمّت بالفعل مناورات عسكرية سعودية تركية بالطيران، في حين كان الحديث السعودي عن أن السعودية ستستمر وتكثف الغارات الجوية في سورية ضمن حملة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وهذا يعني أن وجود الطيران السعودي في تركيا كان ضمن وجودها في التحالف الدولي، وليس كونها تقود التحالف الإسلامي، ومع انطلاق مناورات عسكرية ضخمة في تركيا باسم “إفيس 2016” مركزها مدينة أزمير، حيث شاركت فيها عدة دول منها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وباكستان، مع السعودية وقطر ودول أخرى، كانت هذه المناورات لافتة للنظر، وحضرتها وفود رفيعة المستوى من عدّة دول كضيوف ومراقبين، وكانت واسعة بحيث سمحت للتكهّنات بأن تعود وتطفو من جديد إلى السطح.
قابل هذا كلّه تصريحات نارية في عدّة مناسبات لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير حول ضرورة رحيل بشار الأسد، إمّا سياسيًا أو بالقوة، وأنه لا يمكن القضاء على (داعش) من دون ذلك، لكن الأمور سارت في عكس ما استوطنت المشاعر والرغبات في الأنفس، وأن التحالف العسكري العربي كان لغاية محددة ومعنونة، وهي اليمن، وأن التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب راوح مكانه ضمن دائرة الخبر لا العمل، وأنه لم يستطع حجز مكانه في تلك الحرب المعلنة حتى الآن، إلا كدول منفردة ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وهي صاحبة القرار والفعل، وهي المفاوض حتى مع روسيا على توجيه دفّة المعركة على الأرض السورية، وما زالت الدول العربية والإسلامية ترسم الأمنيات على الأوراق كما رسمها المتابعون بناءً على تكهّنات لا أدوات، وما زالت النيران تشتعل في المنطقة، والخشية أن تلتهم حتى تلك الأوراق ولا يبقى موضع لأمنيات.