أدب وفنون

كتاب الانسجام الاجتماعي: من الماضي المشترك إلى المستقبل المشترك

على الرغم من التمايز الجوهري بين مفاهيم الانسجام الاجتماعي، التكيف الاجتماعي، التأقلم الاجتماعي، الاندماج الاجتماعي، التفاعل الاجتماعي، فإن تلك المفاهيم حظيت بمكانة الصدارة في الآونة الأخيرة؛ إذ تتصل بالمشكلات التي يعاني منها اللاجئون في جميع الدول المضيفة لهم، وكذلك كانت المفاهيم الأكثر تداولًا في حقل الدراسات التي تهتم بشؤون اللاجئين، ومن كل النواحي النفسية والاجتماعية، حتى أن بعض الدول المضيفة للاجئين سعت إلى وضع سياسات، وبرامج منظمة، تكسر الحواجز النفسية التي تعيق تأقلمهم وتؤهلهم مهنيًا؛ كي يكونوا مشاركين فاعلين في الحياة الاجتماعية الجديدة.

 

كتاب “الانسجام الاجتماعي – من الماضي المشترك إلى المستقبل المشترك” من إصدار مركز البحوث العلمية والتربوية والثقافية، وهو المركز التابع لمؤسسة “بلبل زادة”، أول كتاب يوجهه الأتراك – كمؤسسات غير حكومية – إلى اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا، بعد مضي خمس سنوات على وصول أول دفعة لاجئين إلى تركيا عام 2011، والهدف منه -كما تقول المقدمة- تسهيل تكيف اللاجئين السوريين مع الحياة التركية، وتأهليهم لمواجهة المشكلات النفسية، والتغلب عليها. ص11، وكان الهدف منه -أيضًا- تعرف اللاجئين السوريين -عن قرب- الجغرافيا القديمة التي يعيشون فيها، وأن تتكون لهم معلومات حول ثقافة البلد الذي يقيمون فيه، وما يزيد من أهمية هذا الكتاب، هو توقيت صدوره في الوقت الذي طرح فيه رئيس الجمهورية التركية، رجب طيب أردوغان، فكرة منح الحكومة الجنسية التركية، وتسهيل شروطها للسوريين خصوصًا.

أُنجز هذا الكتاب من قبل فريق بحثي، مؤلف من تسعة باحثين، بإشراف الأكاديمي في جامعة عنتاب الأستاذ الدكتور، محمود أولوكوتوك، وقد جاء الكتاب في مئة وخمسين صفحة مترجمة إلى العربية، توزعت على أحد عشر فصلًا، وتقابلها 149 صفحة من النص الأصلي باللغة التركية في الكتاب نفسه. حوت تلك الصفحات معلومات عن تاريخ تركيا العثمانية، والجمهورية الحديثة، وطبيعة نظامها التعليمي والصحي، كما ركزت -بشكل خاص- على الحياة السياسية التركية ومراحل تطورها، وما رافقها من تقلبات سياسية, وخصوصًا في العهد الجمهوري، والوضع الحقوقي للمرأة والطفولة، كما أولت اهتمامًا بالثقافة والآداب التركية، ومراحل تطورها، من مرحلة ما قبل الإسلام، وصولًا إلى التركيز على شعراء القرن العشرين، ومقتطفات من أشعارهم، ومكانة المجتمع المدني، ودوره في الحياة الاجتماعية، مع تعريف مختصر للأوابد التاريخية, كالمساجد، والقصور العثمانية المنتشرة في بعض المدن التركية، وخصوصًا في إسطنبول، كما كان الفصل قبل الأخير عن دليل الطوارئ؛ لبيان كيفية التعامل مع الحرائق والزلازل والسيول، وخُتم الكتاب بفصل عن المرور ومفاهيمه وقواعده، وأصول التعاطف والاتصال في حركة المرور.

وعلى الرغم من أهمية الكتاب المذكور في تقديم معلومات تعريفية موجهة للاجئين السوريين في تركيا، فإنه لا يحقق الهدف المنشود, وهو التصدي لمشكلة التكيف الاجتماعي؛ لأن هناك انفصالًا بين عنوانه ومضمونه،  فقد كان يُفترض بالكتاب أن يتحدث عن سبل تحقيق الانسجام وبرامجه وآلياته، ولم يذكر -أيضًا- ولو بعجالة أي فقرة عن السوريين، تلامس الماضي المشترك بينهم وبين الأتراك، ذلك؛ لأن كل أعضاء الفريق البحثي من الأتراك، ولم يشترك في كتابته أي باحث سوري؛ ما أدى إلى عدم التركيز على الهدف المنشود ” الانسجام الاجتماعي” في الوقت الحاضر, وكيفية تحقيقه كتنمية مستدامة، تؤسس لعلاقة مشتركة مستقبلية، أراد الكتاب أن يؤسسها من الماضي المشترك، إلى المستقبل المشترك.

أخيراً، نتساءل: هل استطاعت هذه المعلومات التاريخية والعامة -حقاً- إيصال الأهداف التي خطها الكتاب لنفسه في المقدمة؟ وهي أن الموضوعات التي يتناولها الكتاب، تساعد الضيوف السوريين على قطع أشواط مهمة تتعلق بالمشاكل الناجمة عن الغربة في حياتهم اليومية التي يعيشونها على هذه الأراضي، وتأمين التأقلم وتحقيق التكامل الاجتماعي والثقافي مع الأتراك.

مقالات ذات صلة

إغلاق