– آنا-ماريا سلاوتر: المديرة السابقة لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية (2009-2011)، رئيس والمدير التنفيذي لمركز أمريكا الجديدة للأبحاث، وأستاذ فخري في السياسة والشؤون الدولية في جامعة بريسنتون، ومؤلفة لعمل لم يكتمل: العمل الأسري للرجال والنساء.
– نسيبة يونس: زميلة مقيمة في المجلس الأطلسي، وهي مديرة فرقة العمل المعنية بمستقبل العراق.
واشنطن العاصمة، صدر في هذا الشهر- أخيرًا- تقرير “تشيلكوت” بعد سبع سنوات، بتكليف من الحكومة البريطانية بـ ” تحديد الدروس المستقاة” من مشاركة المملكة المتحدة مع الولايات المتحدة، في حرب العراق، إلا أن التقرير ركز بشكل مسعور على الأحكام المغلوطة، التي استنتجها رئيس وزراء بريطانيا الأسبق “توني بلير”، من مرافقة المملكة المتحدة للولايات المتحدة في الحرب، ووقوفها معها جنبًا إلى جنب، واختفاء الأسباب الحقيقية لتلك الحرب.
بالنسبة إلى الكثير من النقّاد، فقد كان الفشل في حرب العراق، هو السبب في تعزيز فرضية انعدام أخلاق السياسات الغربية في التدخلات الخارجية، وعقمها. إلا أنه لا يجب أن يعتمد التدخل على نجاح العملية أو فشلها ، في نسختها الأخيرة. فبهذا المنطق قامت إدارة “بيل كلنتون”، بعد الفشل الذي واجهها، من تدخل الولايات المتحدة في الصومال سنة 1993، بعدم التدخل في السنة التالية في رواندا لتمنع حدوث مجزرة جماعية، والتي كان بالإمكان منعها، بعمل محدود للغاية.
وفي حالة الحرب العراقية؛ فقد تسبّب التدخل، في قتل المئات الالاف من العراقيين، إضافة إلى تقسيم البلاد، كما تسبّب في تكلفة عالية دفعتها القوات الأمريكية والبريطانية؛ حيث مات آلاف الجنود. إن مأساة التدخل في العراق، مستمرة إلى الآن، وهي حاضرة في الأذهان، وتحذر من كل التدخلات المزمعة.
وقد كرر الرئيس باراك أوباما، رفضه -مرارًا- استخدام القوة في سورية، على العكس تماما في استخدامه لها، ضد تنظيم (الدولة الإسلامية/ داعش)، على مبدأ تجنّب عراق آخر، ومن المعلوم أن قراراته تلك، تأثرت بردّات الفعل البريطانية، نتيجة ما حصل في العراق.
في الحقيقة؛ كاد أوباما أن يستخدم القوة في سورية، بعد وجود أدلة لا لبس فيها، في صيف 2013، تثبت استخدام الرئيس السوري بشار الأسد، أسلحة كيماوية ضد مواطنيه، إلا أنّه غيّر رأيه، ومن أسباب ذلك، كان فشل رئيس وزراء بريطانيا السابق، ديفيد كاميرون، في الحصول على موافقة البرلمان، للتحرك ضد نظام الأسد.
وعلى الرغم من التحذيرات التي نادى بها كاميرون؛ فإن الوضع في سورية، ليس مثل الوضع في العراق، ويجب علينا التحرك، وألاّ ندع أشباح الأخطاء السابقة تشل حركتنا”، فقد وقف عدد من نواب حزب المحافظين، مع معارضة حزب العمال، ضد تنفيذ ضربة عسكرية جوية في سورية، ردًا على هجمات الأسد بالأسلحة الكيماوية. وبعد الرفض، اعترف وزير الدفاع البريطاني، فيليب هاموند، أن الحرب العراقية ”
سمّمت” الرأي العام البريطاني، كما قال الزعيم السابق في حزب العمال، إيد ميلباند: إن الناس في بريطانيا “يريدون منا التعلم من دروس العراق”.
وجد تقرير “تشيلكوت” أن مسألة غزو العراق، بنيت “على أساس معلومات استخبارية مغلوطة”، كون المواد المخصصة لا تلبي الأهداف المعلنة، فالمتدخلون فشلوا في التخطيط، للعواقب غير المقصودة، التي سوف ستحصل، وفي النتيجة، أنهت بريطانيا ست سنوات من التزامها في العراق، ” وقد كانت بعيدة جدًّا عن النجاح”. إن هذا التصور للفشل، لا ينبغي له أن يكون اختصارًا ضد أيّ تدخل، بل وصفة لمجموعة من المعايير، لتحقيق النجاح في المستقبل.
أولًا: على الاستخبارات إعادة النظر في جميع الجوانب والأدلة، إلا أن هذا المبدأ لم يأخذ في الحسبان، ما حدث في ليبيا، كمثال؛ حيث لم تؤخذ بعين الاعتبار، التقارير الأولية عن وقوع مجزرة محتملة، لمئات الالاف من الناس في بنغازي، منذ التدخل الذي كان بقرار دولي.
ثانيًا: المراد من الوسائل والغايات أن تكون متقاربة، نوعًا ما؛ فعملية الانتقال السياسي من نظام دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي، في بلد لم يعرف عنه أيّ تجربة ديمقراطية، ويفتقر أيضًا، إلى الموارد الاقتصادية والبشرية للمحافظة عليها، وعلى مدى جيل كامل (على الرغم من أن الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة لم تبرّرا التدخل على هذا الأساس)، كما كان في الإمكان إنهاء مهمة التخلص من أسلحة الدمار الشامل -إن وجدت هذه الأسلحة بالأساس- بتكلفة أقل بكثير مما استهلك.
ثالثًا: على مخطّطي التدخل، افتراض النتائج الأسوأ ؛ فتكلفة عدم التدخل يجب أن تكون عالية، وأعلى بكثير من التكلفة المتوقعة للتدخل (حيث الكثير من الأمور التي تجري يمكن أن تذهب في منحى خاطئ).
مجموعة النقاط/ الدروس هذه، وقفت عائقًا كبيرًا في وجه أي محاولة تدخل، الآن، وفي المستقبل. ولكنّ العائق يمكنه أن يُزال، بأقل قدر من الإجراءات المقترحة في سورية. فالمعلومات الاستخبارية حول جرائم الأسد ضد بلده، لايمكن دحضها. وقد كان الهدف من التدخل في سورية، هو إجبار الأسد، على التوقف عن المجازر رالجماعية ضد شعبه، والتي أجبرت الملايين منهم على الهروب من البلد، وأيضًا، لإقناعه (الأسد) وحلفاءه أنه لن يستطيع الفوز في هذه الحرب، أيًا كانت الوسائل المستخدمة، فالأفضل لهم، هو القبول بالحوار، على أساس اتفاق سلام حقيقي، حتى وإن كان هشًا.
ولتحقيق هذه الغاية المرجوة؛ فإنّ الاجراءات واضحة ومحددة، وتتلخّص في استهداف سلاح الجو للأسد ومطاراته، فالولايات المتحدة وحلفاؤها يقصفون بالفعل أولئك الذين يرتكبون جرائم ضد الإنسانية في سورية، إلا أنهم يقصون مرتكبي هذه الجرائم من المنتمين إلى تنظيم (الدولة الإسلامية-داعش)، بدلًا من القوات النظاميّة.
وفي الأخير؛ فإن قُدّر لهذا السيناريو الفشل في إجبار الأسد وحلفائه، على التوقف عن عمل مجازر بحق المدنيين، أو الفشل في خلق ظروف للقيام بمفاوضات سلام، فلن تكون سورية في وضع أسوأ مما هو عليه اليوم. إنّ الخوف من إضعاف الأسد، سوف يقوي تنظيم “الدولة”، وإنّ سورية سوف تُحتل من قبل تنظيم “الدولة”، وهذا أسوأ سيناريو بالنسبة إلى لغرب، وإلى دول أخرى في الشرق الأوسط، بل حتى بالنسبة إلى لسوريين أنفسهم.
عمليًا؛ استفاد الأسد من وجود تنظيم “الدولة الإسلامية” في سورية، فحضور العنف عزز دعاية النظام حول “مكافحة الإرهاب”، التي نادى بها منذ بداية انطلاق الاحتجاجات السلمية، ضد حكومته في آذار/ مارس 2011. والسوريون على طول البلاد يقاتلون بشراسة ،ضد تنظيم ” الدولة” سواء بوجود سلاح الجو التابع للأسد، أم من دونه، كما سيواصل الروس والايرانيين قتال تنظيم “الدولة” أيضًا.
واحد من النتائج الرئيسة التي أفصح عنها تقرير “تشيلكوت”، هي صحيحة بالتأكيد: “أي تدخل يحتاج إلى حسابات ونقاشات دقيقة”، ليكون التدخل على المسار الصحيح.
عنوان المادة الأصلية باللغة الأنكليزية | The Wrong Lessons of the Iraq War |
اسم الكاتب | ANNE-MARIE SLAUGHTER آنا-ماريا سلاوتر NUSSAIBAH YOUNIS نسيبة يونس |
مصدر المادة الأصلي | Project Syndicate |
رابط المادة | |
تاريخ النشر | 19 تموز/ يوليو 2016 |
المترجم | محمد شمدين |