يُعدّ أصحاب القبعات البيضاء (الدفاع المدني) إحدى أكثر الجماعات المؤشرة إلى استعداد الشعب السوري للعطاء، وتقبلهم لمفاهيم المجتمع الأهلي، على الرغم من كل الصعوبات المحيطة بيوميات الحياة في سورية؛ إذ سارعت العديد من التجمعات الشبابية داخل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، إلى تشكيل فرق تطوعية بسيطة؛ للنهوض بأعباء المهام المناطة بفرق الدفاع المدني، كانتشال الأحياء من تحت الأنقاض، وإجلاء الأهالي إلى مناطق أكثر أمنًا، وإزالة مخلفات القصف، إضافةً إلى كثير من الأعمال الخدمية، كتأمين المياه والكهرباء للأهالي في المناطق “المحررة”، قبل أن يتطور إلى الشكل الحالي؛ ليصبح أحد أكثر النقاط إشراقًا في تفاصيل الحدث السوري.
جرت محاولات عديدة، في أحياء وبلدات جنوب دمشق؛ لتشكيل فرق دفاع مدني، بجهود تطوعية من شباب المنطقة، إلا أنها لم ترتق إلى مستوى مراكز مؤسسية متخصصة في هذا المجال؛ وذلك، لأسباب عديدة مرتبطة بالحصار الطويل، وضعف الإمكانات وقلة الجهات الداعمة، الأمر الذي يؤيده الناشط” وسيم منور” في حديثه لـ (جيرون) قائلًا: “إن أهم الأسباب التي أعاقت تشكيل فريق واضح للدفاع المدني، في جنوب دمشق، مرتبط بضعف الإمكانات، وعدم توافر جهات داعمة لهذا الملف، إضافةً إلى أحوال الحصار الطويل الذي تعرضت له المنطقة؛ فأصبح الأهم -بالنسبة للجميع- الملف الإغاثي، وتراجعت أهمية العمل على تأسيس فرق الدفاع المدني إلى مراتب متأخرة في سلم الأولويات، الجوع لم يترك هامشًا لأحد للتفكير خارج حدود تأجيل موت طفل لساعات قليلة، أضف إلى ذلك، صعوبة إدخال الأدوات اللازمة لتشكيل مثل هذا الفريق، بفعل الحصار أيضًا، والذي امتد لأكثر من عامين بشكل مطبق، ومازال مستمرًا حتى الآن بشكل جزئي”، أما عبد الله الحمصي، مدير فريق الدفاع المدني في حي التضامن سابقًا، فقال: “لا يمكن القول إن هناك فريق دفاع مدني -بالمعنى الحقيقي- في جنوب دمشق, بل يمكن أن نسميها ورشة خدمات بسيطة، تمارس بعض المهمات، والسبب أن عملها يقتصر على إزالة القمامة، وبعض مخلفات القصف من الشوارع، ضمن أحياء محددة، كمخيم اليرموك -مثلًا- وليس في كامل المنطقة
كرر ناشطو الجنوب الدمشقي، في أكثر من مناسبة، الحديث عن الصعوبات التي تعترض تشكيل مثل هذا الفريق في مناطقهم، أسوةً بغيرهم من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، على الرغم من أن أوضاع الحصار تبدلت قليلًا، وأصبح من الممكن إدخال المواد، ولو بشكل محدود، إلى أحياء وبلدات المنطقة، “منور” قال: “ما ينقص الجنوب الدمشقي في هذا المجال ليس الدافع أو الإرادة أو الكادر، بل البنية التحتية التي يحتاجها هذا العمل على صعيد الأدوات، ووجود جهة تدعم مثل هذا التوجه”، مضيفًا: “اليوم من ينهض بمهام الدفاع هم الأهالي، الجيران بمبدأ النخوة والفزعة، إضافةً إلى مشاركة فرق الإسعاف؛ فهي الوحيدة التي يمكن القول بأنها منظمة في المنطقة، وينقصها بعض الأدوات”، وبدوره قال الحمصي: “السبب الرئيس لعدم تشكيل فريق دفاع مدني هو تقصير الجهات المعنية، تحديدًا مديريات الدفاع المدني في محافظة دمشق وريف دمشق التي لم تقدم أي دعم للمنطقة بهذا الخصوص”، مضيفُا: “نحن بحاجة للدعم المادي فحسب، في حال توافره، نستطيع تأمين البنية التحتية؛ لتشكيل فرق للدفاع المدني تغطي أحياء وبلدات الجنوب الدمشقي كافة”.
تبقى قضية غياب فريق للدفاع المدني داخل مناطق وأحياء جنوب العاصمة، واحدة من نواقص كثيرة، يعانيها الأهالي هناك، بسبب تقصير غير مبرر، وفي بعض الأحيان يكون التقصير مقصودًا من كثير من الجهات المتحدثة إنسانيًا باسمهم “وفق العديد من الناشطين”؛ الأمر الذي يجعل الكثير من الأسئلة تطفو على السطح، وتتعلق بمن يتحمل مسؤولية ما وصلت إليه الأمور في تلك الأحياء والمناطق، التي قدمت -ومازالت- صورةً ناصعة للعمل المدني الأهلي، بجهود أبنائها منذ بداية الثورة في سورية.