سورية الآن

إيران تنقلب مجددًا على التسويات

لا تتصرف إيران بوصفها دولة، فذلك يتطلب التزام التعهدات والمواقف المعلنة والاتفاقات المعقودة واحترام الذات والآخرين وحدًا أدنى من الثوابت. أما هي فأقرب إلى المرابين والسماسرة ووسطاء الصفقات الذين يعتمدون الخداع مبدأً والتحايل وسيلةً، ولا يهمهم سوى تحصيل أكبر ربح ممكن مهما كانت الكلفة الأخلاقية عالية، وحتى لو أضر ذلك بشركاء أو أتباع تستخدمهم لنصب المكائد.

 

وإذا نظرنا إلى سلوك نظامها منذ الانقلاب الديني في 1979، لعثرنا على خيط ناظم من المراوغة معتمد في مختلف مستويات السلطة، بدءاً من أزمة رهائن السفارة الأميركية وصولًا إلى الاتفاق مع الدول الغربية حول البرنامج النووي.

 

وكانت طهران دأبت طوال مرحلة التفاوض على الاتفاق الأخير على تأكيد التزامها تنفيذ ما يتم التوصل إليه، لا سيما الشق غير المعلن منه. وتوالت آنذاك تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي تؤكد أن الإفراج عن ودائعها المجمدة وعودتها إلى المجتمع الدولي وفك الطوق عن اقتصادها لن تجعلها تزيد من اندفاعاتها الإقليمية المسببة عدمَ الاستقرار، بل إنها مستعدة للتعاون والتنسيق بحثًا عن حلول وتسويات.
لكن تبين أن هذا كله كان جزءًا من شباك الخديعة التي نصبتها لإقناع مفاوضيها بوهم استعدادها للخروج من صف الدول المارقة وتغيير سلوكها التخريبي في المنطقة والعالم، إذ سرعان ما عادت إلى سياسة المماطلة والتراجع والتلطي خلف ذرائع وحجج تتفنن في ابتكارها، متفوقة على الإسرائيليين في تلبس دور الضحية الساعية إلى الإنصاف.

 

وبعدما تخلت طوال فترة التفاوض عن شعار “شيطنة أميركا” و”موت إسرائيل” الذي طالما استخدمته للمزايدة على العرب والمسلمين ولتبرير تدخلاتها في المنطقة تسليحًا وتمويلًا، وانتقلت إلى (مهادنة) واشنطن والإشادة بحكمة إدارتها، ووزع مسؤولوها ابتساماتهم المصطنعة على المصورين وهم يتحدثون عن فتح صفحة جديدة في كتاب التاريخ، هاهي إيران تنقلب مجددًا على ما سبق وأعلنته، طمعًا في المزيد من الربح، ولأن (تنازلاتها) لم تكن صادقة أصلًا وليست في صلب استراتيجيتها البعيدة الأمد الهادفة إلى مد النفوذ وبسط السيطرة.

 

هكذا، تعتبر اليوم أن إدارة أوباما التي لم يبق لها سوى شهور قليلة لم تصدق وعدها، وسقطت في (الاختبار) الذي خاضته معها، ممهدة لبدء مفاوضات جديدة مع الإدارة المقبلة أيًا تكن هويتها السياسية. فما حصلت عليه شكل الحد الأقصى الذي تستطيع الإدارة المنصرفة منحه، ولا بد من تحصيل المزيد من الآتي إلى البيت الأبيض إذا كان راغبًا في انتزاع تعهدات شفوية جديدة منها.

هكذا أيضًا، ينقلب أتباعها الحوثيون على التسوية اليمنية بعد ثلاثة أشهر من المفاوضات أبدى خلالها الوفد الحكومي حدًا أقصى من المرونة رغبة منه ومن الدول الخليجية الراعية في وضع حد للحرب في بلد يقف على شفير الانهيار.

 

وفي السياق نفسه، يُصعّد الإيرانيون بتلاوينهم المختلفة الحرب في سورية بمحاولتهم إسقاط حلب، وبدعم روسي انتهازي، ليس فقط لتحسين وضع حاكم دمشق التفاوضي، بل أيضًا لإحكام الطوق على لبنان المحتضر والمنتهَكة سيادته، فيما يبالغ تابعها (حزب الله) في تهجمه على العرب من أصدقاء هذا البلد، طمعًا في إبعادهم عنه نهائيًا.

 

هذه إيران التي لا يمكن الوثوق بها ولا الركون إلى وعودها وتعهداتها. لذا، لم تبالغ الرياض حين قالت إنها جربت معها كل الوسائل وأتاحت لها كل الفرص، لكن عبثًا، على رغم تصريحات ديبلوماسيي طهران المنمقة.

Author

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق