تركيا، البلد الذي توجهت أنظار العالم إليه في الفترة الماضية، بعد أن أفشل الشعب التركي انقلابًا عسكريًا على الحكومة والرئيس، ليلة 15 تموز/يوليو الفائت، بنزوله إلى الشوارع، والميادين، ومجابهته المجموعات الانقلابية، من الجيش التركي.
وسيطرت أخبار المشهد التركي، على عناوين شاشات الإعلام العالمي، تبعتها تحليلات ومتابعات، خصوصًا أن تركيا اليوم أحد أبرز اللاعبين الإقليميين، في الشرق الأوسط.
السوريون في تركيا -والبالغ عددهم نحو مليوني سوري، بحسب إحصاءات الحكومة التركية، والذين فروا من الحرب، وبطش القصف، والقتل، والدمار، على يد النظام السوري، وتنظيم داعش في سوريا- عبّروا بقوة عن الأحداث في تركيا، ونزلوا إلى ميادين التظاهرات والاحتفالات إلى جانب الشعب التركي، معبرين عن فرحهم بفشل الانقلاب العسكري.
كما أصيب الشاب السوري “عمر درويشة” برصاص الانقلابيين ليلة الخامس عشر من تموز، في أثناء وجوده في أحد ميادين التظاهرات، الرافضة للانقلاب في اسطنبول، ومن ثم أسعف إلى إحدى المشافي الحكومية التركية.
لم يخف على أحد، من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ومتابعي مسار القضية السورية، فرح مختلف أطياف الشعب السوري، بفشل الانقلاب في تركيا، ليلة 15 تموز/يوليو، كما عبر جزء كبير من الجالية السورية في تركيا، عن احتفالها مع الشعب التركي، برفع العلم التركي في التظاهرات.
اختلفت ردود الفعل، من أبناء المجتمع السوري نفسه، بين مؤيد لمشاعر السوريين، المحتفين بفشل الانقلاب، وشاجبٍ لها، إضافة إلى شريحة أخرى، لم تعِرْ هذا الحدث اهتمامًا، على الرغم من أنّه أخذ حيزًا كبيرًا، في الإعلام العالمي، والعربي، والمحلي.
فئة من السوريين المتضامنين مع الأتراك، في فشل الانقلاب على الحكومة، والرئيس المنتخب، بررت فرحتها بأن الأتراك، فتحوا حدودهم أمام اللاجئين السوريين، واستضافوهم في بلادهم، بعد هروبهم من ويلات الحرب؛ فهم يرون أنّ من الواجب، الوقوف إلى جانبهم في هذه الأزمة، ومن ثم الاحتفال معهم.
ويقول أبو محمد، الذي يعمل في ورشة صناعية في إسطنبول: “إنني وعائلتي، شعرنا بالخوف الشديد، في أثناء متابعة الأخبار، ليلة حدوث الانقلاب، وزاد خوفنا أصوات الطيران الحربي، والرصاص، ما أعاد لذاكرتنا، ما عشناه في سوريا”، مضيفًا: أنه نزل إلى ميادين الاحتفال، بعد فشل الانقلاب، ليعبر عن فرحته وتضامنه، مع الشعب التركي الذي استضاف السوريين.
.
تذهب فئة أخرى من المتضامنين، إلى رأي مختلف، حيث عدّت أن الوقوف في وجه الانقلاب العسكري هو واجب على كل إنسان مؤمن بالحريات، وضرورة سيادة الديموقراطية، وترى أن السوريين عاشوا ويلات القمع، والقتل ودمار، بلادهم؛ لأنهم طالبوا بالحرية، لذلك هم يدركون تمامًا، مآلات نجاح الانقلاب.
عبد الناصر القادري، مدوّن سوري يعيش في إسطنبول، يقول: ” إن الوقوف في وجه الانقلاب ليس شأن تركيا فحسب، بل هو قضية إسلام، ودين، ونخوة، وشهامة، واستمرار حتى النصر”، مضيفًا “نزلت إلى ميادين التظاهرات لأنه لا خيار لنا غير هذا الخيار، وأن تركيا هي القلعة الأخيرة للسوريين، وإن ذهبت فلا بديل لنا”، بحسب تعبيره.
كما يؤكد القادري، أن مستقبل السوريين بعد فشل الانقلاب في تركيا، عاد إلى وضعه الطبيعي والمستقر، لكنه، إلى الآن، غير قانوني، أو لا يوجد له وضع قانونيّ ثابت ، بسبب العدد الكبير، لافتًا؛ أن الجنسية التركية، التي شغلت المجتمع السوري في تركيا، في الآونة الأخيرة، بدأ التسجيل عليها في بعض الولايات، مثل أنطاكيا جنوبي تركيا.
وعلى النقيض تمامًا؛ ففي مناطق سيطرة النظام بسوريا، احتفل عناصر الأمن والمخابرات وميليشيا الشبيحة، عند سماعهم أخبار المحاولة الانقلابية في تركيا، عبر إطلاق الرصاص العشوائي في الهواء، والذي أدى إلى مقتل طفل برصاصة طائشة في دمشق، غير أن فرحة مؤيدي النظام وشبيحته، لم تكتمل، بسبب فشل الانقلاب، وعودة الشرعية في تركيا.
إطلاق الرصاص المكثف، والعشوائي، الذي طال أحياء دمشق، واللاذقية، وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام، أثار الرعب وسط المدنيين هناك، إذ تؤكد الطالبة الجامعية مريم.م التي تعيش مع عائلتها في دمشق، أن أصوات الرصاص سببت لهم حالة هلع شديدة، وبدا لهم كما لو أن الحرب انتهت لصالح النظام، مؤكدة، أن إطلاق الرصاص، ترافق مع شتائم طالت الذات الإلهية، والمقاتلين ضد النظام.
إضافة إلى مظاهر الفرح، التي قام بها مؤيدو النظام وجنوده، فقد ظهرت حالة من التخبط، على شاشات الإعلام الرسمي، التابعة للنظام، وبدا التخبط من خلال اختراع تحليلات حول الأحداث في تركيا، كان أبرزها أن “الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هو من ابتدع المحاولة الانقلابية، ودبّر لها، من أجل تمرير مصالحه في البلاد”، دون الاستناد إلى أدلة، أو وقائع.
كذلك، أشاد المجتمع التركي، بصفة عامة، بمشاركة السوريين إخوتهم الأتراك فرحتهم، وبنزولهم معهم في التظاهرات، والمسيرات الاحتفالية، وحمل المتظاهرون مع العلم التركي، علم الثورة السورية، وهتفوا ببعض الهتافات، التي تشيد بـ”إخوة الدين والإنسانية”.
السوري في تركيا، والذي وقف إلى جانب الأتراك في وجه الانقلاب، وهتف معهم وهنأهم وشاركهم فرحهم، يقف حائرًا متأملًا؛ فهل سنعيش في سوريا عرسًا كهذا، بعد الانتصار على النظام والميليشيات التي احتلت بلاده، من كل حدب وصوب؟، وهل سيسمح المجتمع الدولي المشارك في الجريمة، بوقف جريان أنهار الدم التي تراق كل يوم، لأنه طالب يومًا ما بحقه في الحرية والعيش بكرامة؟