تحقيقات وتقارير سياسية

وسائل الإعلام السورية المطبوعة: بين إشكالية التمويل وضعف الكوادر

شهدت الساحة الإعلامية السورية -بعد الثورة- انتشارًا كبيرًا للمطبوعات الورقية، وتعددت تلك المشاريع الطموحة بين المنشورات البسيطة والصحف اليومية أو الأسبوعية، إضافة إلى المجلات الشهرية والفصلية، التي أخذت بالانتشار بشكل مطّرد، مع انضمام مدن وبلدات جديدة إلى الحراك؛ فأصبح لكل بلدة أو ناحية تنسيقية إعلامية خاصة بها، تنقل الأحداث من موقعها، ومع سقوط المشاريع الصغيرة، لم يبق -اليوم- سوى المجلات والصحف التي استطاعت تأمين مصدر تمويل ثابتًا نوعًا ما؛ لتغطية نفقاتها، في ظل صعوبات التوزيع، وانعدام فرص التمويل الذاتي من بيع وإعلانات.

 

تُشير إحصاءات موقع “أرشيف المطبوعات السورية”، الذي يختص بأرشفة ونشر الصحف السورية الجديدة، إلى أن العام 2011 شهد صدور 20 صحيفة (جريدة ومجلة)، بينما شهد العام 2012 صدور 111 صحيفة، ومثلها في العام 2013، بينما صدر في العام 2014، 35 واحدة فقط، ليتراجع العدد في العام 2015 إلى 15 صحيفة، أما في العام 2016، فلم تصدر حتى الآن سوى صحيفة واحدة جديدة، وصدرت تلك المطبوعات بدوريات مختلفة، 68 منها أسبوعية، و75 نصف شهرية، و83 شهرية. وبلغ مجموع الصحف -حتى أيار الحالي- 295 صحيفة، توقف معظمها وبقيت 55 منها فقط، تصدر حتى الآن بشكل منتظم.

 

القدرة على مواكبة الحدث

شكَّلَ عدم قدرة الصحف والمجلات السورية على مواكبة الحدث السوري نقطة ضعف واضحة؛ فلم تستطع أي من الدوريات الصدور بشكل يومي، وهو ما أفقدها القدرة على منافسة وسائل الإعلام الأخرى، كالقنوات التلفزيونية والمواقع الإخبارية الإلكترونية في مجال التغطية الإخبارية، كما شكَّلَ اعتماد هذه المطبوعات على كوادر من الناشطين، على حساب كُتّاب وكوادر صحافية محترفة، نقطة ضعف واضحة في مجال تحليل الأحداث، وعمق المعالجة التي تُعدّ أحد أهم ميزات الإعلام المطبوع، وهو ما يؤكده الصحافي السوري ورئيس تحرير صحيفة “صدى الشام”، عبسي سميسم، الذي قال لـ (جيرون): “أعتقد أن الإعلام المكتوب (الورقي) لم يتمكن من مواكبة الحدث السوري؛ فهو لم يُعطَ الفرصة بعد، ولم يتلق الدعم الكافي؛ ليتمكن من مواكبة معطيات الوضع السوري، فتم تصميم وسائل الإعلام المطبوع بالحد الأقصى، كوسائل أسبوعية، فيما الحدث السوري متحرك بشكل لحظي؛ وهذا يجعل من الاستحالة مواكبة هذا الحدث ورقيًا، إلا من خلال التحليل، وهو أمر غير متاح في معظم الصحف؛ بسبب غلاء أجور الكوادر الإعلامية المحترفة، القادرة على تحليل الحدث، بسبب اعتماد معظم وسائل الإعلام المطبوع على كوادر معظمهم من الناشطين الذين تم تطوير قدراتهم وتدريبهم على كتابة الأخبار والتقارير، الأمر الذي حوّل عمل كثير من الصحف إلى وسائل إعادة نشر أخبار مستهلكة ومنشورة، في جزء كبير من محتواها الإعلامي، كي تظهر أمام الداعم أنها تُنتج محتوىً، وبالمقابل هناك داعم لا يجيد قراءة العربية، وبالتالي؛ لا يستطيع التمييز بين محتوى مهني، وآخر غير مهني، وبين محتوى يقدم جديدًا للجمهور، ومحتوى يعيد إنتاج مواد خبرية، لا تصلح لصحيفة أسبوعية ورقية”.

 

التمويل وأهدافه

تنوعت مصادر تمويل الصحف والمجلات السورية، لكن تأتي المؤسسات الأوربية والأميركية في مقدمة الجهات الداعمة للعمل الإعلامي السوري المعارض بشكل عام، والمطبوعات بشكل خاص؛ بسبب غياب القدرة المجتمعية المدنية السورية عن القيام بهذا الدور، في ظل المأساة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها السوريون؛ ما ترك الكثير من الشكوك عند بعض السوريين، حول نية الجهات الداعمة، وخاصة ما يتعلق بدعم الأقليات، ومعاداة التيارات الإسلامية.

 

في هذا الصدد، قال الصحفي السوري، محمد منصور: “أعتقد أن المشكلة ليست في عشوائية التمويل بحد ذاتها، وإنما في غياب الحسبان المهني للتمويل. بمعنى أن التمويل كان يأتي من مؤسسات أوروبية وأميركية، أو حتى دول عربية أحيانًا، بناء على حسابات سياسية، بعضها -مثلًا- أن صاحب المشروع من الأقليات، أو معادٍ للتيارات الإسلامية، بغض النظر إن كانت لديه قدرات مهنية، يمكن أن تُسهم في إنجاح مشروعه الإعلامي، أو في جعله مؤثرًا في الشريحة التي يُفترض أن يتوجه إليها، وعندي اعتقاد أن الكثير من التمويل الخارجي، كان هدفه تقديم صورة معينة عن الثورة، يريدها الممول، ولم تكن دوافعه مساعدة السوريين الذين حُرموا من ممارسة مهنة الإعلام، خلال أكثر من نصف قرن على صناعة إعلام حر”.

 

في حين يرى “سميسم” أن هناك هدر كبير في الموارد المالية المخصصة لدعم المشاريع الإعلامية، وقال “إن معظم الجهات الداعمة لا تمتلك بنكا للمعلومات عن الصحف والمجلات التي تدعمها، كما لا تمتلك معلومات ولا بيانات عن الإعلام الناشئ، تُمكّنها من معرفة ما حاجات هذا الإعلام، وما الجوانب التي تحتاج إلى دعم فيه، كما أن عدم معرفة المنظمات اللغة العربية، يجعلها غير قادرة على التمييز بين المنتَج الجيد من المنتَج الرديء، وما المشاريع القابلة للاستمرار والمشاريع غير القادرة على ذلك، وبالتالي، تم هدر كميات كبيرة من الأموال على مشاريع فاشلة، والأهم أن معظم المبالغ التي خُصّصت لدعم الإعلام السوري كانت تدور – معظمها- على موظفي المنظمات الوسيطة بين الداعم والمشروع الإعلامي، ولا يصل -فعليًا- إلى المشروع أكثر من 40 إلى 50 بالمئة من قيمة الدعم المخصصة”.

 

هناك كثير من الثغرات التي شابت الصحافة السورية ما بعد قيام الثورة، خاصة أنها جاءت بعد أكثر من 50 عامًا من احتكار السلطة الاستبدادية للصحافة، لكن هذا لا يُبرر عدم قدرة الصحافة السورية على تلافي هذه الثغرات، بعد أكثر من خمس سنوات من انطلاق الثورة؛ لذلك، أصبح لزامًا إعادة تقييم أداء معظم المطبوعات السورية من قبل القائمين عليها؛ للوقوف على أهم المعوقات، وإيجاد حلول ملائمة لتطوير أداء هذه المطبوعات، خاصة ما يتعلق بكفاءة الكوادر وحل مشكلات التمويل.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق