تُعدّ قضية الأحواز إحدى أكثر الملفات الشائكة في المنطقة، خاصة في ما يخص العلاقات العربية – الإيرانية، وعلى الرغم من الصمت العربي الطويل، تجاه الإقليم الذي تسيطر عليه طهران، وتحرمه من أبسط الحقوق الإنسانية، إلا أن التغيرات السياسية الجارية في المنطقة، عادت وطرحت ملف القضية الأحوازية، كأحد أوراق التسوية التي يمكن أن يستفيد منها العرب -على مستوى الإقليم- في محاولات الحد من تمدد النفوذ الإيراني، فهل يمكن القول -اليوم- إن الأوضاع نضجت، إلى حد قد نشهد فيه اعترافًا جماعيًا من الجامعة العربية؛ الأمر الذي يتيح نقل القضية إلى المحافل الدولية؟ أو على الأقل، تقدمًا في مواقف بعض الدول، الأكثر تضررًا من التدخل الإيراني في شؤون المنطقة؟
قضية الأحواز ومعطيات المنطقة السياسية
تخضع مسألة الاعتراف بالأحواز -كدولة تحت الاحتلال- لنقاشات عديدة، تنبع من وجهات نظر مختلفة، وتتأرجح بين من يرى أنّ قضية الاعتراف بالأحواز مرتبطة -أولًا- بتاريخ المنطقة والمعادلات السياسية التي أنتجت الشرق الأوسط، وفق التوازنات القائمة حاليًا، بمعنى أن أي توجه نحو دعم المعارضة الإيرانية بشكل عام، والتحركات الأحوازية الساعية للحصول على الاعتراف، كإقليم يخضع للاحتلال، مازال حتى اللحظة، يُعدّ من الخطوط الحمراء بالنسبة للقوى الكبرى، وبعض دول الإقليم التي لديها ملفات مشابهة؛ الأمر الذي يجعل من مسألة الذهاب بعيدًا في قضية الأحواز، سببًا إضافيًا للقلق من جهة المجتمع الدولي، نظرًا لكثرة القضايا المشتعلة في المنطقة.
في حين تعدّ وجهات نظر أخرى أن عدم اعتراف الجامعة العربية بالأحواز، كدولة أو إقليم يخضع للاحتلال، على الرغم من النضالات الطويلة من شعب الإقليم، يرجع -بالدرجة الأولى- إلى ضعف الجامعة العربية التي تبدو -اليوم- في أسوأ حالاتها، خاصةً في ظل موجة التغيير العاصفة بالمنطقة، وبالتالي -وفق رأيهم- فإن طبيعة النُظم، المشكلة لهيكيلية الجامعة، غير قادرة على المبادرة بخطوة في مثل هذا الاتجاه ، نظرًا لارتباط وجود تلك الأنظمة -أساسًا- بتوازنات الشرق الأوسط والتوافقات القائمة، التي لا يبدو أنها قد تتغير في المدى المنظور على الأقل، وبناءً عليه؛ فإنه من غير الممكن -حاليًا- المطالبة، أو التوقع من كيان (هش)، أن يقدِم على خطوة بهذا الحجم، على الرغم من أن العديد من أنظمة الدول العربية، ينظر إلى قضية الاعتراف بالأحواز، كدولة تحت الاحتلال، بوصفها قضية تصب في مصلحة الأمن القومي لدولهم، إلا أنه، وحتى اللحظة، ما تزال الحالة العربية -عمومًا- غير قادرة على فرض تغييرات -أيًا كان حجمها- في مضمون خرائط المنطقة.
لقد ذهبت بعض التحليلات إلى أن المجتمع الدولي، لا يمكن أن يسمح بوصول قضية الأحواز إلى المحافل الدولية؛ لأنها تمثل خطرًا على مصالحه في المنطقة، ولا سيما أن الإقليم هو المصدر الرئيس للنفط والغاز والمياه في إيران (حوالي 85بالمئة من إنتاج النفط الإيراني يأتي من الإقليم)، بالتالي؛ فالمجتمع الدولي حريص على بقاء الوضع مستقرًا في إيران؛ للحفاظ -حاليًا- على مصادر النفط والطاقة، ويبدو النظام في طهران أنموذجًا مقبولًا، وربما الأفضل، في مثل هذه الحالات، إضافةً إلى الحسابات السياسية المرتبطة بملفات المنطقة ككل.
الموقف العربي واحتمالات التغيير
لم تحظَ قضية الأحواز خلال عقود القرن الماضي، وبداية القرن الحالي، باهتمام كبير من جامعة الدول العربية، تماشيًا مع التوازنات الدولية والإقليمية المرتبطة بالشرق الأوسط؛ ما ترك أهالي الإقليم يعايشون “الغطرسة” الإيرانية، والعنصرية التي لا تبدأ بمحاولات محو اللغة العربية، ولا تنتهي بإجراءات التغيير الديمغرافي في الإقليم؛ ما جعل احتمال أي اختراق سياسي يخص القضية الأحوازية، يُعدّ أشبه بالمستحيل، حتى أنه يمكن القول أن كثيرًا من العرب، لم يك يعرف -ربّما- من هم الأحوازيون. أما اليوم، ومع موجة الانتفاضات والتغيير في الدول العربية، فقد شعر الأحوازيون بأن التغيير ممكن، فأعادوا إنتاج حراكهم المُطالب بالاعتراف بحقوقهم، اعتمادًا على الاحتمالات المرتبطة، بطريقة أو بأخرى، بمجريات الانتفاضات العربية، والدور الإيراني الذي بات خطرًا حقيقيًا يهدد الأمن القومي العربي، من العراق مرورًا بسورية، وصولًا إلى لبنان، وحتى الحدود السعودية عبر اليمن.
إنّ التغيرات في المنطقة، عادت وفرضت القضية الأحوازية، كواحدة من الملفات التي قد تعدّها بعض الدول العربية جزءًا أساسيًا من أي تسوية على مستوى الإقليم، ولا سيما أن ملف الأحواز أصبح يشكل اليوم ضغطًا متصاعدًا على دول مجلس التعاون الخليجي، وأدى إلى حالة من الانقسام، ناتجة عن رغبة بعض دول الخليج في طرح وفرض قضية الأحواز، كورقة ضغط بمواجهة الصفقة الغربية مع إيران، وتسوية الملفات عبر تفويض واشنطن والشراكة معها، حيث ترى السعودية، وبناءً على المعطيات الحالية، أنه لا بد من صناعة مشروع واضح، كبديل في التعامل مع المشروع الإيراني، لا يصل إلى حد الحرب، لكنه، على الأقل، يتجه نحو تحريك الجمود العربي، وملء الفراغ الذي استغلته طهران طويلًا .