سورية الآن

التدخل الروسي في سورية دوافع واحتمالات

شكّل التدخل الروسي في سورية فارقًا نوعيًا، في ما يتعلق بمعطيات ومعادلات الصراع بأبعاده الإقليمية والدولية؛ إذ إنه حدَّ -إلى مدى بعيد- من دور الدول الداعمة للمعارضة السورية، كقطر والسعودية وتركيا، في حين أنه منح دفعةً كبيرة للنفوذ الإيراني، وعلى الرغم من تعدد الآراء المتعلقة بالأسباب الدافعة لروسيا إلى تدخلها العسكري في سورية، بين من يرى أنها تدخلت للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، والاحتفاظ بقاعدتها الأخيرة على المياه الدافئة في طرطوس، أو من يرى أنه جاء ضمن إعادة ترسيم مناطق المصالح والنفوذ في المنطقة، وما يعنيه من إعادة إنتاج تفاهمات دولية كبرى، بإمكانها استيعاب التغيرات التي حدثت وتحدث شرق المتوسط.

أسباب ودوافع التدخل

بعض وجهات النظر رأت أن أهم دوافع التدخل الروسي في سورية، هي الانهيارات المتلاحقة للنظام، من جنوب البلاد إلى شمالها؛ الأمر الذي يشكل تهديدًا حقيقيًا للمصالح الروسية على شواطئ المتوسط، بينما ترى وجهات نظر أخرى أن التدخل الروسي جاء وفق تفاهمات دولية، ولا سيّما مع الأميركيين، انطلاقًا من التغييرات المحتملة جيوسياسيًا على مستوى المنطقة، بمعنى أن النفوذ الإيراني المتمدد في الشرق الأوسط، بات يشكل أحد أهم التحديات للأمن الإقليمي، ولا بد من “ترشيده” على الأقل، وهو ما لا تستطيع دول الإقليم فعله ضمن المعطيات الراهنة، وما لا ترغب الولايات المتحدة القيام به؛ حمايةً لمشروعها في العراق.

التدخل الروسي (وفق العديد من المعطيات الميدانية والسياسية)، يتجاوز حدود الملف السوري بالمعنى الاستراتيجي، حيث جاء في إطار وحسابات استراتيجية روسية، تتعلق بملفات حيوية بالنسبة لموسكو؛ فمنذ الأزمة الجورجية في 2008، وبعد أن استطاع بوتين -جزئيًا- إعادة التماسك السياسي والاقتصادي للدولة الروسية، عدّت موسكو أن من حقها أن تكون شريكًا في القرار الدولي، وهو ما لم تمنحه لها الولايات المتحدة، لا في سنوات إدارة بوش/ الابن الأخيرة، ولا طوال السنوات السبع الماضية من إدارة أوباما، سواء ما يتعلق بنشر الدرع الصاروخية في أوروبا، أم في الأزمة الأوكرانية، بالتالي؛ وجدت موسكو -عبر البوابة السورية- مدخلًا؛ لاستعادة مكانتها ووزنها الدوليين.

وعلى الرغم من أن مآلات التدخل الروسي في سورية، لم تُحسم أو تتضح بعد، إلا أن المراقب لوجهة نظر المعارضة السورية، سيجد أنها -في معظمها- تَرى هذا التدخل منصةً متقدمة لتقسيم سورية، ومساعدة النظام في دمشق على إقامة كيان علوي، يمتد من معاقل الأسد في الساحل، وصولاً إلى العاصمة، عبر ممرات في المنطقة الوسطى (حمص، حماه) والقلمون بريف دمشق.

وبعيدًا عن الاختلاف في التحليلات، وقراءة أسباب وأبعاد التدخل الروسي، يمكن القول -الآن- إن روسيا نجحت في تغيير موازين القوى في سورية، وأجبرت الدول المؤيدة للثورة السورية على التفاوض على حلٍّ سياسي، أقرب إلى وجهة النظر الروسية والإيرانية، مستفيدةً من غياب أي ضغط أميركي حقيقي، لجهة دعم وجهة نظر المعارضة في الحل، والقائمة على رحيل الأسد، وهو ما سيكون له الأثر الملموس على تغيير طبيعة التعامل الأميركي والغربي مع روسيا، ليس في الشرق الأوسط وحسب، بل في أزمات أخرى في العالم كذلك، أما ما يخص الملف السوري تحديدًا، فإن مآلات التدخل الروسي، بحسب بعض التحليلات الإعلامية، يمكن حصرها في اتجاهين:

الأول، أن يساعد هذا التدخل في إيجاد حل سياسي، بناءً على قناعة القوى الاقليمية والدولية في أن قواعد ومعادلات الصراع قد اختلفت، مقابل تطور الموقف الروسي إلى التنازل عن شخص بشار الأسد، وهو مابات يرشح من بعض التصريحات الصادرة عن مسؤولين روس.

أما الاتجاه الثاني، فهو أن يزيد التدخل الروسي من تعقيدات الملف السوري؛ بما يؤدي إلى تأجيج الصراع على أسس طائفية، بكل ما يحمله من مخاطر تغييرات ديمغرافية كبيرة، قد لا تقف تأثيراتها عند الحدود السورية، وقد تتعداها إلى دول الإقليم؛ ما يجعل كل الاحتمالات الممنوعة ممكنة، وقد تحدث.

الآفاق المحتملة للتدخل

من المبكر -ربما- وضع تصور لمستقبل التدخل الروسي وتأثيراته على مجريات ومآلات الصراع الدائر، إلا أن بعض الأبحاث المنشورة في مراكز دراسات عربية (كمركز الجزيرة)، تحدثت عن ثلاثة احتمالات:

الأول، استمرار هذا التدخل العسكري، في المدى المنظور على الأقل، وهو ما سيزيد من تعقيد المعطيات المرتبطة بالصراع، ولا سيما على صعيد الدول الأكثر اهتمامًا بما يحدث في سورية: (أميركا، إيران، تركيا، إسرائيل)؛ لأن موسكو تدعم الأسد حتى اللحظة، عكس رغبة العديد من القوى الإقليمية والدولية؛ الأمر الذي سيزيد من الانقسام في الشرق الأوسط، وهو ما سيساعد القوى الأكثر تطرفًا على التمدد.

الثاني، انسحاب القوات الروسية من سورية، وهو ما لن يحدث، إلا إذا شعرت روسيا بأنها ستخسر الكثير من مواردها البشرية والعسكرية والاقتصادية، دون أن تدرك ما تخطط له، أو في حال التوصل إلى حل للأزمة السورية، بعيدًا عن روسيا، وذلك عبر إرادة أميركية مفاجئة، بضرورة الانتقال من إدارة الأزمة، إلى إيجاد حل لها، وهي غير متوافرة إلى الآن.

الثالث: أن يحدث تفاهم أميركي – روسي، بشأن الأزمة السورية، يضمن مصالح موسكو في المنطقة، وعلى (حدودها القومية) ؛ ما يعني إمكانية التوصل إلى حل، أو وفاق سياسي، ينهي حالة الصراع على غرار ما حدث في ليبيا، سواء تضمن ذلك الحل رحيل الأسد، أو بقاءه، أو مشاركته في المرحلة الانتقالية، ويتوقف ذلك على مدى قناعة الأطراف المحلية والإقليمية بالحل المطروح.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق