تحقيقات وتقارير سياسية

القيادة الفلسطينية وإنهاء ملف اللاجئين في سورية

شكلت المعارك الأخيرة بين تنظيمي الدولة وجبهة النصرة (سابقاً)، في مخيم اليرموك (وفق العديد من الناشطين) المرحلة الأخيرة، قبل نفاذ مشروع المصالحة في المنطقة بشكل كامل، ولهذا الرأي، أو التحليل، كثير من المعطيات التي تدعمه؛ إذ من غير المفهوم -حتى اللحظة- انكماش فصائل المعارضة المسلحة داخل بلدات (يلدا، ببيلا، بيت سحم)، أمام ما يجري داخل المخيم دون أي حراك، باستثناء بعض التحركات الخجولة على مشارف تلك البلدات.

 

يقود التوصيف السابق باتجاه تساؤلات كبيرة، لها علاقة بمدى تغلغل المصالح الشخصية والعائلية داخل العديد من الفصائل، والتي أدت -نهايةً- إلى حد وصف مصادر من “جيش الإسلام”، في جنوب دمشق، بعض الفصائل المحسوبة على الثورة بـ”بميليشيات الجيش الوطني”، تعبيرًا عن مدى انخراطها في مشاريع النظام، تحت عناوين التهدئة والمصالحة الوطنية، وكان من أبرز مظاهرها خروج الشيخ صالح الخطيب، للمشاركة في “مؤتمر حميميم” المرعي من موسكو، وعودته إلى مناطق جنوب دمشق، على الرغم من عدم موافقة الفصائل العاملة هناك، بحسب بيانٍ صادرٍ عنها في حينه.

 

تلك المقدمات تجعل من التحليل القائل بأن ما يجري داخل المخيم، هو جزء لا يتجزأ من سيناريو استكمال تفتيت المنطقة، وتعويم مشاريع النظام من بوابات عديدة، منها المصالحة، أو عبر بعض الأدوات الفلسطينية، في ما يتعلق بمخيم اليرموك، ومن هنا ربما، يمكن فهم ما رشح، في الآونة الأخيرة، من معلومات عن مفاوضات بين النظام السوري وجبهة النصرة، عبر وسطاء من منظمة التحرير الفلسطينية؛ بهدف ترتيب انسحاب النصرة من المخيم، باتجاه معاقلها في إدلب شمالي البلاد، وهذا ما عدّه العديد من ناشطي اليرموك دليلًا إضافيًا على مدى تورط المنظمة، في هذه المرحلة من الصراع، والتي بدأت منذ نيسان/ أبريل من العام الماضي، ولا سيما إن أخذنا في الحسبان الدور الكبير للمنظمة، في إبرام اتفاق مع النظام السوري؛ لتريب خروج تنظيم الدولة من المنطقة، مطلع العام الحالي، لكنه لم يُنفذ لأسباب غير واضحة حتى الآن، لتَعقُب لحظةَ الإعلان عن تأجيل تنفيذه اندلاع الاشتباكات بين النصرة والتنظيم، في مخيم اليرموك وتستمر، وصولًا إلى قبول النصرة ما رفضته سابقًا (الخروج من المخيم).

 

أصبح انغماس منظمة التحرير الفلسطينية في الصراع -داخل مخيم اليرموك- سرًا مكشوفًا، وعلى الرغم من التأكيدات المستمرة، من الأخيرة، على أنها ليست جزءًا من النزاع، وكل ما تسعى إليه هو تحييد المخيمات؛ فإن العديد من المعطيات تشير إلى مدى التنسيق بين المنظمة وتنظيمي الدولة والنصرة، من جهة، وبين المنظمة والنظام، من جهةٍ أخرى.

 

تؤكد تلك المعطيات -بشكل أو بآخر- أن الصراع المتشظي داخل أزقة اليرموك، ارتبط -في جزء بسيط من تفصيلاته- بعوامل ذاتية فلسطينية، بمعنى أن مصالح ضيقة للمنظمة، مرتبطة بخلافات سياسية داخل البيت الفلسطيني، خاصةً مع حركة حماس، جعلت من الأولى تنخرط في تحالفات مُتبدلة؛ من أجل إنهاء وجود أكناف بيت المقدس، ذراع حماس داخل المخيم، وهو ما حدث في منتصف نيسان/ أبريل من العام الماضي، ومن جهةٍ ثانية، فإن تكتيكات حماس الناشئة من براغماتية مصلحيّة، مبنيّة على ثنائية الحفاظ على العلاقة مع طهران، دون خسارة العلاقات الوطيدة مع فصائل المعارضة المسلحة، قادت -نهايةً- إلى تداخلات متضاربة المصالح، عبرت عن نفسها في معارك طاحنة داخل اليرموك، كرد فعل على ممارسات سياسية غير مقبولة، ضمن معادلات الصراع القائمة في سورية.

 

وبنظرةٍ أوسع، يبدو الصراع -داخل مخيم اليرموك- انعكاسًا لتضاربات مصلحية معقدة، لقوى عديدة فاعلة ضمن الملف السوري، وجدت في المنظمة، وغيرها من الفصائل الفلسطينية، أدوات تنفيذية، يمكن الاستفادة منها في مشاريع إعادة صياغة مجمل قضايا المنطقة، التي يحضُر ضمنها ملف اللاجئين الفلسطينيين، كعنوان صغير، وليس جوهريًا أو أساسيًا، كما كان ضمن العقود الماضية، وهو -ربما- أقصى ما تطمح إليه القيادات الفلسطينية بشقيها، تماشيًا مع المشاريع المزمعة في المنطقة.

 

ما حدث -ويحدث- في مخيم اليرموك، أنهى -عمليًا- مشروعية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية، وفق المفهوم التقليدي أو التاريخي، وشرّع الأبواب أمام نقاشٍ عميق على صعيد قطاعات واسعة من الشباب الفلسطيني، على امتداد الوطن والشتات، وعناوينه الرئيسة إعادة تعريف الهوية الوطنية الفلسطينية، التي ظهرت هشاشتها أكثر من أي وقت مضى، والبحث عن مفردات وأدوات مشروع وطني جديد، مختلف جذريًا عن المشروع المطروح على مدى عقود من تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، والذي وصل إلى طريق مسدود؛ ما جعله في وجدان كثيرين بحكم الميت.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق