يعاني قطاع التعليم في سورية أضرارًا كبيرة، نتيجة استهداف النظام السوري المدارس والمنشآت التعليمية داخل المناطق الخارجة عن سيطرته، بكافة أنواع الأسلحة؛ ما أدى لحرمان أجيالٍ بأكملها من حقها في التعليم، أولًا، بسبب سياسة العقاب الجماعي ضد معارضيه، وثانيًا، بفعل ما نتج عن تلك السياسة من تهجير ونزوح، طال نحو نصف سكان البلاد، سواء نزوحًا داخليًا أم خارجيًا، وفي هذا السياق، لا توجد أرقام أو إحصاءات دقيقة لكمّ الدمار الذي طال البنية التحتية لقطاع التعليم السوري، ففي محافظة درعا يؤكد مدير مكتب التربية والتعليم، في منظمة “غصن الزيتون”، أن نسبة المدارس المدمرة بشكل كامل في المحافظة تجاوز 2 بالمئة، في حين أن نسبة المدارس المدمرة بشكل جزئي نحو 20 بالمئة.
هذا الواقع فرض العديد من التحديات على الجهات الأهلية والمدنية في المحافظة الجنوبية، المعروفة بأنها صاحبة أعلى نسبة تعليم في سورية، للبحث عن البدائل ومحاولة دفع عجلة التعليم بجهود أهلية، وهنا يؤكد محمد جهماني، مدير التربية في درعا لـ (جيرون) أن عدد ما تم تجهيزه من مدارس ضمن مناطق المدينة وريفها الخارجة عن سيطرة النظام السوري بلغ 600 ومدرستين، منها 377 مدرسة ابتدائية، و144 مدرسة لمرحلة التعليم الإعدادي، و81 مدرسة للمرحلة الثانوية، مضيفًا أن عدد الطلاب الملتحقين بمراحل التعليم الأساسي بلغ 153386 طالبًا وطالبة، في حين يبقى ما يقارب 5 آلاف طالب محرومين من التعليم؛ بسبب أحوال النزوح والحرب المستمرة، في حين أن إحصاءات منظمة “غصن الزيتون” تؤشر إلى أن عدد الطلاب الملتحقين بالتعليم الأساسي لا يتجاوز 85 ألفًا، ونسبة الطلاب المحرومين من التعليم في المحافظة أكثر من 10 بالمئة، لمن هم في سن التعليم الأساسي.
مشكلات القطاع التعليمي في درعا
أكد الجهماني أن هناك ثلاثة مستويات للمشكلات والصعوبات في هذا المجال، الأول، على مستوى الكادر التعليمي، والثاني على مستوى الطلبة، والثالث على مستوى البنية التحتية، وفي ما يتعلق بالأول، قال الجهماني: “فصل النظام أكثر من 500 كادر تعليمي، بسبب مواقفهم الداعمة للثورة، نزوح العديد من الكوادر التعليمية، ومزاولة العديد منها لمهن، لا تتناسب مع وضعهم الاجتماعي والفكري، بسبب غلاء المعيشة؛ الأمر الذي أدى إلى ضعف العملية التعليمية، وأثر سلبًا على مستوى الطلبة”، ويضيف: بالنسبة للمستوى الثاني “تسرب أعداد كبيرة من الطلاب بسبب النزوح، ورفض الأهالي إرسال أطفالهم إلى المدارس؛ بسبب القصف المتواصل والممنهج للمنشآت التعليمية، وإمعان النظام في ممارساته الوحشية؛ ما أدى إلى العديد من المشكلات النفسية لدى الأطفال أهمها (تبول لا إرادي وتأخر النطق)، والعديد من الصدمات النفسية، وكذلك إصابة العديد ممن هم في سن التعليم، وحاجتهم للعلاج في الخارج لفترات طويلة، أثر على تحصيلهم التعليمي، إضافةً إلى ميل الكثير من الطلبة في المرحلة الثانوية نحو حمل السلاح، والاضطرار للعمل؛ بسبب تغيب رب الأسرة”. أما على صعيد البنى التحتية، فيقول الجهماني: “دمار الكثير من المدارس والمنشآت التعليمية، إضافةً إلى النقص في التجهيزات، من مناهج وحواسيب، وتوافر شبكة الأنترنت وغيرها”.
من جهته أكد مدير التربية والتعليم، في منظمة “غصن الزيتون”، أن أهم المشاكل التي يعاني منها قطاع التعليم يمكن حصرها بـ “طبيعة العمل ضمن الأوضاع الأمنية الصعبة، بالإضافة إلى نقص الدعم والمشاريع المقدمة، وغياب التوحيد في ما يتعلق بمنهجية العمل بين الجهات العاملة في هذا الملف”، مضيفًا: ” لتجاوز هذه الصعوبات المطلوب -دائمً-ا زيادة تفعيل المشاريع التعليمية، وتقديم التمويل الكافي لها”.
التداعيات الاجتماعية عن الحرمان من التعليم
يتفق الجميع اليوم على أن آثارًا اجتماعية عديدة، ستظهر -على المدى البعيد والمتوسط- لدى أجيال محرومة من حقها في التعلم؛ بفعل أحوال قاهرة، فرضتها سياسة الحرب الممنهجة، المتبعة من النظام السوري وحلفائه، دون أي قرار دولي يحمي الإنسانية في سورية، هذا الأمر، يؤكده سامر الخبي، مشرف مركز “بذرة نماء” التعليمي في حديثه لـ (جيرون)، بالقول: “الأخطار المترتبة على حرمان أعداد كبيرة من حقها في التعليم كثيرة، ولعل أهمها سقوط من هم في سن التعليم، في العديد من الجنح والأمراض الاجتماعية، في ظل الأوضاع المعروفة وضعف السلطات الرقابية، وكذلك نشوء جيل أمي، بعيد عن الهدف السامي للأمم، المتمثل بالتطور والارتقاء، وله انعكاس على العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع؛ فشتان ما بين مجتمع متعلم واعٍ، ومجتمع متخلف أمي”. وهو ما أكد عليه مدير التربية والتعليم في “غصن الزيتون” عادًّا أن أهم الأخطار المترتبة على التسرب من التعليم، أن الأطفال يصبحون عرضةً للانحراف، إضافة إلى انتشار ظاهرة عمالة الأطفال، واستغلالهم في الصراع المتواصل، إضافة إلى هجرة المعلمين؛ بسبب إيقافهم عن العمل.
المطلوب للارتقاء بواقع التعليم
لا يمكن اليوم البدء بإجراءات، من شأنها الارتقاء بقطاع التعليم وتفعيله في سورية، دون وقف آلة النظام العسكرية التي قتلت كل شيء في البلاد، وهو ما يؤيده مدير التربية والتعليم في منظمة “غصن الزيتون” بالقول: ” الارتقاء بالتعليم يحتاج إلى قرار دولي، يبدأ بحماية المؤسسات التعليمية في مناطق الصراع، إضافة إلى دعم التعليم بالوسائل والمعدات، ورفده بورشات تدريب متخصصة، وحل مشكلات المدرسين الخارجين عن الخدمة بقرار النظام، من خلال تأمين فرص العمل لهم، عبر ملف التعليم البديل”، في حين أكد الخبي، أن المطلوب لتحسين واقع التعليم، هو ” الانتقال الى التعليم الافتراضي، والتواصل عبر الإنترنت، وهو ما يعتبره بعضهم مكلفًا، ولكن الواقع يؤكد أن ما يُصرف على المناهج يعادل -تقريبًا- تكلفة متطلبات التعليم الافتراضي، إضافةً إلى وجود مؤسسة، تشرف على سير العملية، وفق خططٍ مدروسة وبرامج موحدة”.
واقع التعليم العالي
لا تتوقف الصعوبات المرتبطة بقطاع التعليم على مراحل التعليم الأساسي؛ إذ يعاني التعليم العالي العديد من المشكلات؛ لأسباب متعددة، منها: عدم وجود كليات أو معاهد تغطي كافة الاختصاصات، إضافةً إلى انقطاع أعداد كبيرة عن جامعاتهم، خوفًا من الاعتقال على حواجز النظام الأمنية والعسكرية، في هذا السياق، أكد جمال الصالح، رئيس مكتب التربية في مجلس محافظة درعا، لـ (جيرون) أن صعوبات التعليم العالي، تتجسد في عدم وجود جامعات، بإمكانها استيعاب العدد للكبير للطلاب، أو تغطية الاختصاصات كافة، إضافةً إلى الازدياد المستمر في أعداد الطلاب المنقطعين؛ لأنهم مطلوبون للنظام، مضيفًا: “هناك محاولات عديدة لتذليل هذه الصعوبات؛ فقد تم -أخيرًا- افتتاح معهدين في مناطق درعا “المحررة”، أحدهما في مدينة نوى، والآخر في مدينة المسيفرة، كل منهما يضم ستة اختصاصات، هي: الآداب (عربي وانكليزي)، ومعلم الصف، والعلوم الشرعية، والعلوم العامة، والرياضيات، إلا أن هذه الخطوات تبقى -حتى اللحظة- دون المستوى المطلوب، وبحاجة لجهود أكبر، وحاليًا، هناك بعض الخطط التي يتم العمل عليها؛ لافتتاح عدد من الكليات باختصاصات مختلفة، لكن ضعف التمويل، وعدم وجود منظمات أو هيئات تتبنى الموضوع، يجعل التنفيذ يتأخر كثيرًا”.
من جهته أكد مدير التربية والتعليم في “غصن الزيتون” أن مسألة التعليم الجامعي تتم متابعتها مع مجلس محافظة درعا؛ لتنسيق الجهود المتعلقة بإنشاء المعاهد والكليات، والعمل على تأمين فرص التعليم الافتراضي، منوهًا إلى أن معظم الهيئات العاملة في القطاع التعليمي، تضع العديد من الخطط المستقبلية؛ لرفع سوية التعليم الجامعي، ورفده بالمشاريع اللازمة من خلال التواصل مع منظمات مانحة، وكذلك دراسة مشاريع مستقبلية؛ لإنشاء جامعات ومعاهد، باختصاصات متعددة، وإعداد قاعدة بيانات لحملة الشهادات العليا.