صديقي أبو عجاج يائس من انفراج الأزمة السورية، كل يوم يأتني من صباح الله الباكر، أظن أنه يأتي لطلب حاجة ما، فأستقبله، وأنا أفرك عيني؛ وإذ به يبادرني:
ـ شو هالحكومة يا أستاذ! فأقول له:
ـ خير؟ ما بها الحكومة؟
ما بها الحكومة؟! كأنك لا تعيش في البلد.
ـ هات نورنا.
ـ مو معقول، ما في أحساس بأي مسؤولية تجاه المواطنين.
ـ لا يا أبا عجاج، أنت تتجنى على الناس، وأنت لم تزل على الريق.
كنت أطمع بحكايات أبي عجاج. فهو من ذلك الجيل الذي عجن الحياة وخبزها. وخرج من كل ذلك بالعبر؛ حتى تراه يأتيك بالحكاية تفصيلاً.
طمعت بحكايات أبي عجاج، وحاولت -جاهدًا- إقناعه أن الدنيا ما زالت بخير، ونحن -والحمد لله- ما زلنا قادرين على أن نتنفس، وهذه هي الحكومة الجديدة، برئاسة الرفيق عماد، تستعد لاستلام مهماتها، والعمل على تفعيل إلغاء قانون الطوارئ، وقانون السماح بالتظاهر وقانون الانتخابات، وغيرها من القوانين التي تنقلنا من الدولة الأمنية إلى الدولة المدنية، دولة المؤسسات، وربما أسفر ذلك عما يثلج صدورنا؛ فالرجل له خبرة واسعة في إدارة الأمور، وقد شغل -قبل استلامه رئاسة الحكومة- العديد من المناصب؛ آخرها وزيرًا للكهرباء. وقد انتقلت البلاد -في عهد وزارته- من الظلام إلى النور.
التفت إليًّ أبو عجاج، كعادته حينما لا تعجبه الآراء غير الواقعية، وقال:
ـ يعني بدك تطعميني بعقلي حلاوة أستاذ. ما سمعت المثل: يا طالب الدبس من…،
حكايتنا مع حكومتك الرشيدة مثل الذي ينتظر الفرج من يد عليا. قلت له مستغربًا:
ـ من عليا؟ قال:
ـ جارنا فقير الحال، يريد أن يوفر المستلزمات الضرورية للأسرة، دون أن يكون له القدرة على ذلك، فيصاب بالنكد والضيق، ويتحسر على ما هو عليه من فقر؛ الأولاد يريدون الذهاب إلى المدرسة، فلا دفاتر، لا أقلام، لا شنتات، لا ثياب مثل الخلق. وهو -بدوره- يحتاج إلى سروال؛ فقد أصبح في سرواله من الرقع ما غطى لون قماشه الأصلي، والأهم من كل ذلك، زوجته فريدة، قد تهرأ فستانها، وبان لحمها، وغير ذلك من أعباء الحياة، والناس تحكي، ولا تعذر.
شاهدته زوجته يتأوّه، فآلمها قلقه، وأرادت أن تهون عليه المصاب، فأخذت تضرب له الأمثال:
ـ بتفرج يا رجال، “ما في شدة بتدوم، لا شر دام، ولا خير على أهله دام.
وكل يوم بيجي فرجه معه، ومن عمود لعمود بيفرجها الرب المعبود، ما حدا بيموت من الجوع، هذي أختي عليا رايحة بكرة عَ الشام. وغير تحسب حسابي وحساب الولاد.
فقال لها زوجها:
ـ منتظرة عليا؟!
إذا متكّلة على عليا تتكسيكِ يا عري طرفك، وشماتة الناس فيكِ.
أغراني أبو عجاج كي أسمع مزيدًا من قصصه وطرائفه، فبادرته:
هذه الحكاية لا تنطبق على الحكومة الجديدة يا أبا عجاج. حتى الآن لم نعرف خيرها من شرها. فقال لي:
ـ المكتوب ينقرا من عنوانه، باين فالها من أطفالها، إذا كان طلع خير من الحكومة إللي قبلها، بيطلع خير منها، حكايتها مثل حكاية ابن جيراننا.
قلت، وأنا أستعد لحكاية جديدة:
ـ وما حكاية ابن جيرانكم بسلامته؟ قال:
ــ ولد مهبول، ما بيعرف غير ياكل، ويفوت على الحمام، وينام. رجع البارحة، يحمل جلاءه المدرسة، وهو يلوح فيه، طاير من الفرح، سأله والده:
ـ ها؟ بشّر يا ولد. فقال له:
ـ كله جيّدات. ما في غير ست “وسطات”، وأربعة “ضاعف جهودك”.