البراغماتية أو (Progma): تعني بحسب مصدرها اللاتيني، (عمل) أو (مسألة عملية)، أمّا الرومان؛ فقد استخدموا عبارة (Progmaticus) التي تعني (المتمرّس)، واستُعملت بشكل خاص لوصف من أصبح له خبرة في المسائل القانونية.
المصطلح ذاته استُعمل أيضًا للإشارة إلى الحركة الفلسفية التي ظهرت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والتي ارتبطت بأسماء الفلاسفة الأميركيين، بيرس ووليام جيمس وجون ديوي، وتعني تلك الحركة الفلسفية أنه لا يمكن التوصل إلى معاني الأفكار؛ إلا بالنظر إلى النتائج المترتبة عليها، أي أن الحقيقة تُعد ثانوية إذا ما قورنت بالممارسة العملية، حيث أن الحقيقة، وفقًا للنظرية البراغماتية، هي الحل العملي والممكن لمشكلة معينة.
يُستخدم هذا المُصطلح بشكل أوسع للإشارة إلى ما يمكن عمله -حقيقةً- على أرض الواقع، دون النظر إلى عالم المثاليات، ولذلك، فإن البراغماتية تقودنا إلى عدم التركيز على مقدّمات الأفكار، بل على النتائج المترتّبة عن تلك الأفكار، أي: إنها لا تكترث بالسؤال عن ماهية الشيء أو أصله، وإنما تذهب إلى النتائج الملموسة، فتدفع الفكر نحو الحركة ونحو المستقبل.
يتناقل السياسيون كثيرًا هذا المصطلح فيقولون: فلان براغماتي، والحركة الفلانية حركة براغماتية، أو ذلك المقترح أو الحل هو براغماتي، وهكذا، وفي أغلب الأحوال يُقصد به من يُغلِّب الجانب العملي على النظري، كما أن بعضهم قد ينظر إليه على أنه من يُرجِّح الجانب النفعي على جانب المبادئ.
يعدّ البعض أن البراغماتية جاءت ردَّ فعل دفاعيًا للمفكرين الأميركيين تجاه الفكر الأوروبي، هذا الفكر الغارق في اللاهوتية والنظر إلى ما وراء الطبيعة، وهو المذهب الميتافيزيقي، ولكن -بشكل عام- لم يُوضع تعريف شامل لمذهب البراغماتية؛ بسبب تعدد الاتجاهات التي أنتجت هذا الفكر، فهنالك من يرى أن جذورها تعود إلى كانط الذي اعتمد على فكرة (العقل العملي)، وآخرون رأوا أنها تعود إلى فكرة داروين حول البقاء للأصلح، وبعضهم يراها تُعبّر عن طبيعة المجتمع الأميركي الجديد.
ومن المرجّح أنه لم يتم الاتفاق على المعنى الحقيقي لهذا المصطلح الفلسفي، أو على تعريف دقيق له، كونه يُستعمل في مجالات مختلفة، كعلم الاجتماع والأدب والقانون والعلوم الطبيعية، وكذلك السياسة، وكل مجال من هذه المجالات يمكن أن يفسّرها بحسب خبرته ومنطلقه.
أمّا في السياسة؛ فيمكن القول: إن المفكرين المتأثرين بالبراغماتية يرفضون -على سبيل المثال- الفصل بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة، ويرفضون التسلّطية والشموليّة، بحيث يُمجِّدون إرادة الإنسان وحريته النابعة من قدرته على التحكم في مصيره، دونما تدخل من قوى أخرى.