لم تقف أثمان اللجوء السوري في لبنان عند أن يدفع السوري ثمن خيمته التي سيقيم فيها، أو يبحث -عبثًا- عن عمل، دون أن تراه عيون الحكومة اللبنانية التي عقّدت قوانين عمل السوري على أراضيها فحسب، بل وصلت معاناة السوري في لبنان إلى نقطة، بات يضطر فيها للسكوت عن اعتداءات عليه، اتسمت بالعنصرية والاستغلال.
وكي لا يُفهم سياق التقرير على أنه انتقاد للبنانيين كافة، وجب التنويه إلى أن المقصود من التقرير هو إضاءة معاناة السوريين عمومًا، من تصرفات شريحةٍ من اللبنانيين، والذين وصفهم السوريون بأنهم يؤججون نَفَس الخلاف بين الشعب اللبناني والشعب السوري، وأنهم عبارة عن استغلاليين لمأساة السوري.
أحمد، ناشط سياسي مقيم في لبنان، أكد لـ (جيرون) أن “أوضاع السوريين في لبنان تسوء يومًا بعد يوم، وذلك من جراء قرارات الحكومة اللبنانية من جهة، والتصرفات الفردية من المجتمع المحلي اللبناني نحو السوريين من جهة أخرى”، مستدركًا “هنا لا يجوز التعميم، حيث توجد فئة جيدة من اللبنانيين، تناهض هذه التصرفات وتقف في وجهها”.
في العاصمة بيروت
يقول عدي، لاجئ سوري في بيروت، إن كثيرين من أصدقائه يعانون بشدة من تصرفات بعض اللبنانيين، ومن بينهم عناصر في الشرطة والأمن العام، بحقهم، مؤكدًا أنه في بعض الأحيان يُهاجَم السوري لأنه سوري فحسب، وليس لأنه قد خالف شرطًا من شروط إقامته في لبنان.
ويشرح في حديث لـ (جيرون) كيف أنه في أحد الأيام من عام 2015، كان ينتظر صديقته في شارع قريب من منطقة (الحمرا) وسط بيروت، و”أتى أحد عناصر الشرطة على دراجة نارية، وسألني عن سبب وقوفي في ذلك الشارع، قلت له أنني أنتظر صديقتي، وأنني أمام البناء الذي تسكن فيه، لكن الشرطي من لهجتي عرف أنني سوري، فطلب مني جواز سفري”.
وتابع “عندما أعطيته جواز سفري، قال لي بلهجة تهكمية (ألا تعلم أن السوريين لا يمكنهم مغادرة منازلهم بعد الساعة الثامنة)، أجبته أن الساعة مازالت مبكرة، وأنني سأعود إلى المنزل، وطلبت منه بلطافة أن يعطيني جواز سفري”، لكن الشرطي رفع صوته “صرخ بي قائلًا أنت تسمع فحسب، ولا تتحدث، تغادر حين أقول لك غادر، وإلى حينها لا تتفوه إلا بما أسمح لك به”.
في ذات السياق، قال أحمد: إنه تعرض لموقف -هو الآخر- في منطقة (الأشرفية) وسط بيروت، حيث تعرض له ثلاثة أشخاص في حي (الأشرفية- جعيتاوي) “قالوا لي: إنهم من الأمن العام اللبناني، ويقومون بدوريات تفتيش عن السوريين المخالفين، سألوني عن أوراقي فأخبرتهم أنها في المنزل القريب جدًا من المكان، أرغموني على ركوب السيارة، وبدؤوا يطلقون في وجهي كلمات الوعيد والتهديد، لأنني سوري فحسب، علمًا أن أوراقي كلها مطابقة للقانون، ولدي إقامة رسمية في لبنان”.
وتابع قائلًا: “وبعد ساعة تقريبًا، وهم يقودون السيارة من شارع إلى شارع، قالوا لي حسنًا. سنذهب بك إلى المنزل كي نتأكد من أوراقك، وعندما وصلنا المنزل أعطيتهم حافظتي ليروا الإقامة، تأكدوا منها، وأخذوا 100 دولار أميركي وتركوني”.
وأوضح لـ (جيرون) أنه ذهب إلى مركز الشرطة؛ ليشتكي الأشخاص الثلاثة، إلا أن الشرطة لم تستجب له بالطريقة القانونية، و”بدأ عناصر الشرطة بالتحقيق معي، وكأنني أنا المتهم، اضطررت -بعدها- إلى توكيل محامٍ لبناني ليتابع القضية، وما زلنا ننتظر”.
ويُرجِّح أن “المساحة الجغرافية الصغيرة للبلاد، والحالة الاقتصادية المتردية، واختلاف اللبنانيين بين بعضهم في القضايا المحلية والدولية، فضلًا عن الحالة التراكمية التاريخية بين السوريين واللبنانيين، كلها عوامل أدت إلى انعكاسٍ سلبيٍ للفترة الحالية على السوريين”.
بدوره، قال خالد الذي يعمل محاسبًا في إحدى الشركات في بيروت: إنه بينما كان في طريقه إلى منطقة (برمانة) القريبة من بيروت، أوقفه حاجز للجيش اللبناني، ومعه سائق سيارة الأجرة، وطلب منه الأوراق، وأضاف: “أوراقي لم تكن كاملة، فقد سُرق جواز سفري قبل فترة، ولا أملك إلا ورقة ضبط الشرطة اللبنانية، والتي تُعدّ بديل الجواز إلى حين استصدار واحد جديد، لكن العسكري رفض الاعتراف بها، وقال لي إنني مخالف. أخبرته أن الحكومة اللبنانية هي التي أعطتني الورقة، إلا أنه طلب مني الصمت”.
وأضاف خالد: “طلب مني العسكري أن أترجل من سيارة الأجرة وأحاسب السائق، ثم نادى زميله وقال له: ضعه في السيارة. مرت ساعة ونصف وأنا في السيارة، نزلت منها وطلبت منه أن يسمح لي بمتابعة طريقي في حال لم تكن هناك مشكلة، صرخ بوجهي وطلب مني العودة إلى السيارة قائلًا: (يكفي أنك سوري، فتلك لوحدها مشكلة)”، وأكّد أنه “لولا تدخل الشركة التي أعمل فيها، وأحد معارفي في لبنان، لا أدري أين أكون الآن”.
على الرغم من ذلك، أوضح عددٌ ممن التقتهم (جيرون) أن الشعب اللبناني ليس عنصريًا كله، وأنهم لو كان جميعهم هكذا؛ لبات السوريون عمومًا خارج البلاد. وقال سامر، لاجئ سوري مقيم في بيروت، “الشعب اللبناني هو الذي وقف مع السوريين أنفسهم في مواجهة العنصرية التي يسلكها بعض اللبنانيين، ومن دون تلك المساعدة، كنا سنغدوا لقمة سائغة في فم كل لبناني عنصري”.
في القرى والمخيمات قصص أخرى
إياد، ناشط إنساني في منطقة (دير الأحمر) بقضاء (بعلبك)، قال لـ (جيرون): إن التفجيرات التي هزت بلدة القاع اللبنانية في حزيران/ يونيو 2016، على الحدود السورية، أثرت كثيرًا على الوجود السوري في لبنان، حيث أن كثيرًا من اللبنانيين بدؤوا بأخذ دور الشرطي والمحقق والسجان.
وأضاف: إن البلدة تحتضن نحو 850 عائلة سورية نازحة، وأغلب السوريين هناك يعملون في مجال الزراعة، في حين أن بعضهم الآخر يعمل في مجال التجارة والبناء، موضحًا أن أغلب “بلديات لبنان فرضت قانون منع التجول ليلًا، من الساعة ٨ مساءً إلى الساعة ٦ صباحًا، إلا أنه وبعد تفجيرات القاع أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا”.
وأكد أن قانون منع التجول “بدأ تنفيذه من قبل شرطة البلدية التي أخذت صلاحيات واسعة من البلدية، فكانت تطبق القانون وأكثر، نتيجة اجتهادات بعض عناصر شرطة البلدية الشخصية، وفي ليلة تفجيرات القاع بدأت حالة الطوارئ عند شرطة البلدية وبعض أهالي القرية وشبابها الذين أخذوا على عاتقهم الانتقام من السوريين اللاجئين، وذلك في منظورهم لأن الذين قاموا بالتفجيرات هم سوريون”.
وأضاف: “بدؤوا السير بسياراتهم داخل المخيمات، بين الخيم، وسببوا حالة من الخوف والرعب بين سكان المخيمات، في الحقيقة كانت ليلة بألف ليلة؛ أسلحة وسيارات تستخدم أضواء قوية، و”زُعران” يأخذون أي شاب سوري يخرج رأسه من خيمته، وفي الصباح، قامت المخابرات اللبنانية بالتدخل، وأعادت السوريين الذين تم اعتقالهم من قبل اللبنانيين، وقال لي كثير من هؤلاء الشباب: إنهم تعرضوا لشتى أنواع الضرب وإهانة الكرامة”، وأشار -كذلك- إلى أن بعض اللبنانيين “قاموا باتخاذ إجراءات أكثر تعسفًا، حيث بدأنا نسمع أن لاجئًا ضُرب وسط السوق؛ لأنه ممنوع على السوري السير وسط الأسواق أو الطرقات العامة، وآخر كادت تدهسه سيارة؛ لأنه كان يسير في الطريق العام”.
وتابع: “بعد تفجيرات القاع، داهم الجيش اللبناني بالجنود المدججين بالسلاح والعتاد منازل السوريين، اعتقل الجنود الشباب وضربوهم، واحتجزوا سياراتهم ودراجاتهم النارية، كما أهانوا النساء اللواتي يقفن في وجوههم يسألن عن حال أزواجهن المعتقلين”، مضيفًا: أن “سوريين اجتمعوا وقرّروا نيابة عن المخيمات بعد أخذ موافقتهم والتنسيق معهم على الإضراب عن العمل، وهذا الاحتجاج حق مكفول في جميع دساتير العالم، بدأ الإضراب يأخذ مفعوله، وفي اليوم الثاني استمر الإضراب فشلّ الحركة الاقتصادية في البلدة، والتزم 90 بالمئة من السوريين بالإضراب، فجن جنون البلدية وأهالي القرية، وبدأت تصريحاتهم العنصرية، وقال رئيس البلدية وبعض الأهالي (نحن لسنا بلدًا للسياحة، ومن لا يعمل لن يبقى في البلدة وسيُرحّل خلال 48 ساعة)، وفي اليوم الثالث للإضراب تدخلت مخابرات الجيش، وتواصلت مع بعض اللاجئين في المخيمات، وتوصّلوا إلى حل بعد أن تعهد الضابط المسؤول بحل الموضوع مع الأهالي والبلدية، شرط إنهاء الإضراب الذي شلّ اقتصاد البلدة، وتم إلغاء الإضراب ومازلنا ننتظر”، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، أكد أن “عددًا من أهالي بلدة دير الأحمر، لم يكونوا راضين عن هذه الإجراءات التعسفية بحق اللاجئين، لكنهم كانوا يقولون لنا إنه ليس في اليد حيلة”.
لبنانيون في وجه العنصرية
قبل سنتين لم تسكت أصوات لبنانية عديدة عمّا يتعرض له السوريون من انتهاكات وإهانات، فانطلقت حملة (لا للعنصرية) وقَوِيت في عام 2014، ونزل لبنانيون إلى الشوارع حاملين لافتات كُتب عليها (أهلا باللاجئين والعمال السوريين في لبنان)، و(عذرًا على ما يفعله العنصريون منا).
وقالت آمال، وهي ناشطة إنسانية لبنانية لـ (جيرون): إن “ما يقوم به بعضنا لا يمثل سلوك اللبنانيين كلهم بحق السوريين، نحن نرحب بالشعب السوري، ونعدّهم أهلنا”. مضيفة أن “اللبنانيين سيستمرون بالنزول إلى الشوارع، كلما تصرف أحدنا بعنصرية تجاه السوريين”، كما قال اللاجئ السوري سليم: “كلما تعرضتُ لمشكلة، اتصلت بأصدقائي اللبنانيين، هم دائما يقومون بحلها، وهذا الحال ليس خاصًا بي وحدي، فكثير منا يستعين باللبنانيين أنفسهم لحل أي معضلة تواجهه. أعتقد أن وصم اللبنانيين بالعنصرية إساءة لهذا الشعب الذي قدم كثيرًا لمساعدتنا، وتحمل كثيرًا من انتهاكات نظام الأسد لسيادة لبنان وشعبه”.
وتجدر الإشارة إلى أن لبنان يستقبل أكثر من مليون لاجئ سوري مسجل رسميًا في قوائم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، في الوقت الذي تقول فيه مصادر رسمية لبنانية إن العدد الفعلي يفوق 1.5 مليون لاجئ.