شريان حياة للمدينة الخاضعة لسيطرة المعارضة، أُعيد فتحه، ولكن، هل سيجني الجهاديون المتشددون الثمار لقيادتهم هجومًا ناجحًا؟
أكاديمية عسكرية سورية في قلب حلب، جُعلت هدفًا جرئيًا، بل ومتهورًا، لقوى المعارضة في محاولة لكسر الحصار المدمر، إلا أن “الثوار” راهنوا على ميزة مزدوجة: المفاجأة، والانتحاريين.
سرعان ما تبادل “الثوار” على موقع تويتير صورًا للمدفعية المهجورة، وصورة محطمة للرئيس بشار الأسد، متباهين بدليل نصرهم؛ فالجيش اندحر، وقوات المعارضة على بعد بضع مئات من الأمتار من رفاقهم المحاصرين.
بعد ساعات من ذلك، كان الناس في شرق حلب يرقصون في الشارع، ما إن أكد “الثوار” والناشطون أن حصار المنطقة الذي دام شهرًا قد كُسر، ومصير المدينة الخاضعة لسيطرة “الثوار” دخل مجددًا في اللعبة. “المعنويات عالية جدًا الآن”، يقول الناشط والشاعر، محمود رشواني، الذي كان يعيش تحت الأرض عمومًا، لتجنب الضربات الجوية، مقتصدًا بمؤونته من المواد الغذائية المعلبة.
إنه نصر هش؛ فالمنطقة لا تزال منطقة نزاع، وقد يتطلب الأمر وقتًا قبل فتح ممر آمن للإمدادات الغذائية والطبية، كما أن النظام قد طلب تعزيزات. “نتوقع قصفًا انتقاميًا من النظام، وربما بأسلحة كيماوية أيضًا”، يقول زهير سحلول، طبيب أميركي من أصل سوري، ينسق عمليات المساعدة الطبية في المدينة.
ومع ذلك، فقد كان –بالنسبة إلى “الثوار”- نصرًا مهمًا على الرغم من الصعوبات؛ فبعد أشهر من التراجع تحت ضغط القوات الحكومية، والهجمات الجوية الروسية، لم يكسروا الحصار فحسب، بل إنهم اجتاحوا قاعدة رئيسة، كان النظام يستخدمها لتعزيز ضرباته، ومن الواضح أنهم استولوا على مخزون كبير من الأسلحة والمدفعية.
قبل أيام، بدا مستقبل المنطقة قاتمًا؛ سكانها المدنيون يواجهون أسابيع من الحرمان والخوف، وجماعات الإغاثة حذرت من كارثة إنسانية. أكثر من ربع مليون شخص كانوا محاصرين في بقايا الشوارع المدمرة، من جراء قصف مدافع جنود الأسد، وقوات النخبة الإيرانية، وطيف من الميليشيات الشيعية، وتغطية جوية من قبل الطائرات الروسية، وكان الثوار بتعداد أقل، وأسلحة أقل، والأهم من ذلك، دون سلاح جوي.
دعت جماعات المعارضة إلى هدنة موقتة بشأن خلافاتها، واستدعت مئات من قواتها المتمرسة في المعارك من جبهات أخرى، واستخدمت قنابل النفق والانتحاريين لضرب القاعدة العسكرية، في محاولة حصار مضاد لغربي حلب. وقد وضع الجانبان ثقلهما كله، في معركة السنوات الأربع للمدينة –معركة ستحدد الحرب الأهلية السورية، فكل من الطرفين يعتقد أن مصير حلب سيقرر نتيجة الصراع.
“إن نتيجة المعركة هذه، تتجاوز فتح طريق للناس المحاصرين؛ نتيجتها ستقلب موازين الصراع في بلاد الشام”، قال أبو محمد الجولاني، قائد فصيل جبهة النصرة، والذي كان حتى الشهر الماضي الوكيل الرسمي لتنظيم القاعدة في سورية.
في الشهر الماضي، فك الفصيل ارتباطه بتنظيم القاعدة، وبدَّل اسمه إلى “جبهة فتح الشام”، وتخلى عن الجهاد العالمي، على الرغم من قول مراقبين إنه لا دلائل على تحوَّل موازٍ، يُذكر في أيديولوجيته، وعلى العكس، يظن خبراء أن هذه الخطوة –ربما- تهدف إلى إخراج الفصيل من قائمة الأهداف الجوية الأميركية، وتسهيل التحالف مع فصائل أخرى. وقد وضع الشكل الجديد الفصيلَ في موقف قوي، للاستفادة من حملة الأسابيع الماضية، لا سيما أن كان قادرًا على تحقيق نصر، يضفي عليه صفة بطل المدنيين المعذبين في حلب.
“نحث شعبنا في حلب ليبقى صامدًا”، يضيف الجولاني في تسجيل صوتي، نُشر يوم الجمعة، “لن يخذلكم المجاهدون”.
وقد حذَّر محللون من هذا التباين مع القوى الغربية، التي أدانت الحصار ولكنها صرحت بعجزها عن وقفه؛ تباين من غير المرجح ألا يراه السوريون. وقد علَّق المحلل كايل أورتن، من جمعية هنري كسنجر، على توتير قائلًا: “تخلى العالم عن حلب، وأتى الجهاديون لينقذوها؛ لم يكن شكل تنظيم القاعدة الجديد ليطلب أكثر من ذلك”.
إن مدينة حلب مهمة من الناحيتين، الاستراتيجية والرمزية؛ فقد تكون دمشق هي العاصمة، ولكن قبل اندلاع القتال، كانت المدينة الشمالية أكبر المراكز السكانية، والصناعية –مركزًا ثقافيًا، حيويًا، ومتنوعًا، بتاريخ يعود إلى آلاف السنين. وقد تأخرت حلب في انضمامها إلى لانتفاضة ضد الأسد، ولم تقدم على الاحتجاجات الواسعة، ولا العنف الدموي الذي اجتاح مدنًا أخرى، في السنة الأولى من الحرب الأهلية، ولكن ما إن اقتحمتها المعارضة عام 2012، حتى أصبحت ساحة معركة حاسمة.
وقد تم تقسيم حلب على الفور –تقريبًا- إلى مناطق سيطرة حكومية، وأخرى “للثوار”، وعلى طول الخطوط التي بقيت –في معظمها- ثابتة منذ ذلك الحين: جمود لم تحركه محاولات متكررة، وعنيفة على الأغلب، لإزاحة الجانب الآخر. وقد جعلت سنوات القتال الدموي من حلب رمزًا للمعاناة السورية، فقد جمعت في مكان واحد، شجاعة مدنييها، وتعقيد الحرب المروعة التي وضعت بشكل مقلق، وحتى قبل ظهور الدولة الإسلامية، جماعات المعارضة المتطرفة في مواجهة حكومة وحشية، أكثر من أي وقت مضى.
وقد قاوم النصف الشرقي من المدينة، على الرغم من الحملة الجوية الوحشية لنظام الأسد، والتي سحقت براميلها المتفجرة كثيرًا من آثارها، ونشر “الثوار” “مدافع جهنم” –سلاح مدفعية بدائية، باستخدام اسطوانات الغاز- والتي سميت أيضًا بـ “العشوائية”. واليوم، فإن حلب هي آخر المراكز المدينية الرئيسة، التي يمتلك “الثوار” فيها موطئ قدم، وقد يحمل النجاح في كسر الحصار أهمية نفسية كبيرة، ويعكس زخم أشهر النكسات التي أحدثتها الحملة الجوية الروسية المكثفة لدعم الأسد.
تدخلت موسكو في السنة الماضية في وقت عصيب للأسد، حيث كان قد خسر محافظة إدلب كلها في هجوم مشترك “للثوار”، وقد كانت المرة الأولى التي يتضافر فيها ائتلاف كبير من مقاتلي المعارضة لمقاتلة الحكومة، حيث تحدث محللون عن احتمال سقوط حلب في أيدي المعارضة، إلا أن حملة الكرملين أنهت هذه الآمال؛ ضربت “الثوار”، واستعادت ما كسبوه من تقدم، وتركت الأسد آمنًا في معاقله. وحوَّل الأسد تركيزه عن على مقاتلي المعارضة، ليصبه على الدفع من أجل حلب، الأمر الذي بلغ ذروته في بداية شهر تموز/ يوليو، بحصار يُخشى من طول مدته.
بعد أقل من شهر من محاصرتها، كانت الحياة في حلب قد تباطأت تمامًا إلى ما يقارب التوقف؛ الأسواق فارغة، والمدارس مغلقة، والمستشفيات ودور الأيتام نقلت تحت الأرض، ويستيقظ السكان مع أول غارة في اليوم، وقد خزَّن أولئك الذين بقوا في حلب، احتياطًا من المؤن، لعلمهم بأن النظام وداعميه، سيحاولون حصارهم.
وكان الجيش السوري قد صقل استخدامه لحرب الحصار لتركيع المدن، وإخضاعها بعد ذلك لسيطرة الحكومة –ومن بينها مدينة حمص، موطن “الثورة”، والتي كانت يومًا عاصمتها، التي تخلى عنها مقاتلو المعارضة في العام الماضي. ويسمح الحصار للأسد تجنب إرسال الجيش السوري، المستنفذ والمحبط، إلى قتال مباشر مع قوات المعارضة التي تمتلك دافعًا أكثر قوة؛ فقد انخفضت قوة الجيش السوري إلى ثلث ما كانت عليه قبل الحرب، وأصبح يعتمد على القوات البرية من الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، وخليط من الميليشيات الإقليمية الأخرى.
وكما المعارضة، فإن الأسد، وداعميه، مقتنعون بأن الاستيلاء على حلب سينهي الحرب الأهلية فعليًا، ويكسر الروح المعنوية للمعارضة، ويحكم عليها بوجود هامشي، في صورة تمرد ريفي، لم يعد يمكنه الادعاء بتمثيل قطاعات واسعة من المجتمع السوري. كما أن إخضاع جميع المدن الرئيسة في البلاد لسيطرته، قد يزيل التهديد بأن يدفع منتقدي الأسد الدوليين، كما فعلوا في السابق، نحو تسوية سورية جديدة، لا تشمله رئيسًا.
وتعبر المعارضة المعتدلة السورية في المنفى، عن خوفها ليس على سكان حلب فحسب، وإنما على الدولة، وهي قضيتها الأوسع، وتعتقد أن الحصار لا يهدف إلى إخضاع المدينة فحسب، وإنما إلى استقطاب حرب أوسع، لطالما وصفها الأسد بمعركة بينه وبين المتطرفين. في حلب، ليس لداعش وجود كبير، وفي عام 2014، خسرت جماعات المعارضة أكثر من ألف رجل، في محاولة لدفع الجهاديين للتراجع إلى بقعة صغيرة قرب بلدة منبج، التي تخضع الآن لهجوم منسق من قبل الأكراد المدعومين أميركيًا، والمقاتلين العرب، لكن العديد من الجماعات المقاتلة هناك، هم من الإسلامويين المتشددين، ولرد هذا الهجوم، تخشى المعارضة المعتدلة أن تلتف تلك الجماعات حول جماعة الجولاني.
لقد حشدت جبهة النصرة دعمًا ماليًا، وقاعدة قوة، في الوقت الذي انقسم فيه منافسوها، ونجاحها في حلب قد يزيد من ترسيخها، وبحسب بسمة قضماني، عضو فريق الهيئة العليا للمفاوضات لمحادثات السلام، فإنه “لو لم يطبق النظام، والروس، وغيرهم من الداعمين، حصارهم على حلب، لكنا تجنبنا تحالف النصرة مع غيرها من الجماعات التي انضمت للقتال، الأكثر تطرفًا بقي في القتال؛ وهذه النتيجة الأخطر للسماح بحصار حلب. إن الافتقار إلى قليل من الالتزام الموثوق من قبل المجتمع الدولي، ترك المعارضة ترحب بهجوم شنته النصرة، لأنه الطريق الوحيد لكسب بعض النفوذ، ولممارسة قليلًا من الضغط على روسيا والنظام؛ هذا أمر مؤسف حقًا”.
وبدوره، أكد رشواني أن الإغاثة على الأرض في حلب، تعني أنه لا اهتمام يُذكر بمن يقوم بالقتال، “لا يفكر أحد الآن بالنصرة أو بأحرار الشام. نحن نرى مجموعة من “الثوار” يبذلون قصارى جهدهم لكسر هذا الحصار”، وأضاف، “لقد كنت واحدًا من أولئك الذين بدؤوا هذه الثورة؛ لذا أعتقد أننا سننتصر يومًا، وأريد أن أكون هنا في تلك اللحظة”.
الفـصـائـل الأسد وحلفائه
قــوات النظـام
بلغ تعداد الجيش السوري 300.000 قبل الحرب، ولكن بعد خمس سنوات من الحرب، لا يكاد يصل إلى ثلث ذلك العدد.
حزب الله
بدأ حزب الله بدعم الأسد سرًا، بعد وقت قصير من اندلاع العنف، وفي عام 2013، صرَّح زعيمه –علنًا- انضمام الحزب للحرب، ويُعتقد أنه خسر مئات من المقاتلين، بينهم قائد عسكري كبير.
الحرس الثوري الإيراني
تدعم إيران الأسد بقوة، إذ تعدّه حليفًا رئيسًا في صراع القوة الإقليمي، وتمده بالأسلحة، والوقود، ومئات من الجنود، وفي السنة الماضية، نشرت صورًا لأكثر قادتها شهرة على الأرض في سورية.
الميليشيات الشيعية
تقاتل القوات الإيرانية إلى جانب ميلشيات شيعية، وبالتنسيق معها، وقد تم تجنيد هذه الميليشيات من مختلف أنحاء المنطقة، بما فيها العراق، وأفغانستان، وحتى باكستان.
سلاح الجو الروسي
كانت الحملة الجوية الروسية، في الخريف الماضي، محورية في تحويل مجرى الحرب لصالح الأسد؛ فطائراتها تستطيع الطيران في الطقس الذي يمنع القوة الجوية السورية من الطيران، إضافة إلى ما لديها من أسلحة أقوى، وأكثر ودقة.
القوات المناهضة للأسد في حلب
الجيش السوري الحر
يتألف الجيش السوري الحر المعتدل من العديد من المجموعات الصغيرة، وقد كان القوة المعارضة المهيمنة في السنتين الأوليتين من الحرب، ودُعم في البداية من الدول العربية، وحصل على دعم حذرٍ من الولايات المتحدة، ولكن بعد سنوات من الانقسام وتعثر التقدم، تقلص نفوذه وأماكن سيطرته، بينما كبرت الجماعات الإسلامية وتوسعت.
جيش الفتح
تحالف واسع النطاق من الفصائل الإسلامية، التي تحالفت لمحاربة الأسد في السنة الماضية، عندما أجبر تقدمه روسيا إلى الإسراع لمساعدة الأسد. وقد كان جيش الفتح في قلب الحملة لكسر الحصار عن حلب، وأما المجموعتين الأكثر نفوذًا، فهما:
جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقًا)
وكيلة تنظيم القاعدة المُعاد تشكيلها، تخلت عن علاقاتها بمجموعة الإرهاب العالمي، في الشهر الماضي، وبدَّلت اسمها، لكن عددًا قليلًا ًمن المراقبين، يعتقدون أنه لا يكاد أي تغيير أن يطال أيديولوجيتها.
أحرار الشام
حركة شكلها متشددون، يتمتعون بصلات مع جماعة الإخوان المسلمين، التي تهدف إلى إقامة دولة دينية سُنِّية في سورية، وقد حاربت حركة أحرار الشام مع جبهة النصرة، عندما كانت لا تزال جزءًا من تنظيم القاعدة، إلا أنها رفضت الجهاد العالمي بحد ذاته، وتمتلك الحركة قاعدة دعم قوية في سورية.
عنوان المادة الأصلي بالإنكليزية | Syria’s rebels unite to break Assad’s siege Aleppo |
اسم الكاتب بالعربية والإنكليزية | إيما غراهام هاريسون Emma Graham-Harrison كريم شاهين Kareem Shaheen |
مصدر المادة أو مكان نشرها الأصلي | The guardian |
تاريخ النشر | 06/آب -أغسطس 2016 |
رابط المادة | |
اسم المترجم | فاتن شمس |