ترجمات

سورية: لا “تجميد للوضع”

في حادثة محلية، في شمالي سورية، أوائل تموز/يوليو، عام 2016، اختطفت جبهة النصرة محمد الأحمد، الملقب بـ “محمد الغابي”، قائد جيش التحرير؛ وجيش التحرير، هو أكبر وحدات الجبهة الشمالية التابعة للجيش السوري الحر، حليف الولايات المتحدة، والذي تعدّه أميركا، البديل المحلي الشرعي لنظام بشار الأسد. وقد كانت مفاجأة –بالفعل- أن أطلقت جبهة النصرة سراح الغابي، بعد توصله إلى تسوية معها؛ يبدو أن جوهر التفاهم -إذ لم يتم الكشف عن تفاصيل الاتفاق-، هو تعاون التنظيمين في مناطق العمليات المشتركة، ضد القوات الداعمة للأسد، بهدف مشترك يتمثل بالإطاحة بنظام الأسد. وقد أثار هذا التحالف انتقادات داخلية، من قادة في جيش التحرير، سارع الغابي –على إثرها- إلى عزل اثنين من قادة المناصب الأولى في الجيش، أما الولايات المتحدة، من جانبها؛ فقد وجدت صعوبة في تفهم حقيقة، أن الفصيل الرئيس للجيش السوري الحر في الشمال، قد أقام تحالفًا مع تنظيم جهادي سلفي يمثِّل القاعدة.

 

 

 

ظاهريًا؛ يبدو هذا الأمر حدثًا مقصورًا على فئة معينة، في حرب مطوَّلة وعاصفة، إلا أنه –واقعيًا- يدل بوضوح على حقيقة أنه يدفع –تدريجيًا- تغييرًا في سياسة الولايات المتحدة، من خلال فهم أن الخطوط الفاصلة بين كثير من الفاعلين السُّنَّة، العاملين في سورية، غامضة ومضللة. وربما تقف إدارة أوباما –اليوم- عند نقطة تحول، في تقييمها للوضع؛ لإدراكها أنه ليس ثمة قوى معتدلة –حقًا- في سورية، يمكنها أن تكون بديلًا لنظام الأسد، وأنه في نهاية المطاف، ستتعاون الجماعات السُّنِّية كلها، سواء أكانت سلفية أم غير ذلك، مع تنظيم القاعدة، أو مع أي تنظيم آخر، يمكنه مساعدتهم في تشكيل جبهة موحدة، في صراعهم ضد الأسد. ويشكل هذا الفهم أساس مبادرة الولايات المتحدة، من خلال وزير خارجيتها، جون كيري، لصوغ سياسة مشتركة مع روسيا، في ما يتعلق بالانخراط في القتال في سورية.

 

وفي الإطار الذي يجري صوغه، تهدف القوتان إلى “تجميد” الوضع في سورية، وتقسيم البلاد إلى ثلاثة مناطق: المنطقة (أ)، التي تخضع لسيطرة مشددة من جانب نظام الأسد وحلفائه؛ والمنطقة (ب)، التي شهدت نشاطًا من القوى المقاتلة كافة، بمن فيها قوات الأسد، ولكن باستثناء الدولة الإسلامية، والمنطقة (ج)، التي تخضع لسيطرة حصرية من الدولة الإسلامية. في الوقت الراهن، الوضع في المنطقة (أ) أكثر استقرارًا، وتخلو -في معظمها- من القتال، بينما في المنطقة (ج)، لا يقف أحد في طريق أولئك الذين يريدون مهاجمة الدولة الإسلامية، حتى وإن كان ثمة تساؤلات، حول مَنْ سيسيطر على الأراضي المحررة، من الدولة الإسلامية، أما المناطق الإشكالية فتقع في المنطقة (ب)، ولا سيما في قسمين كبيرين منها –منطقة محيط مدينة حلب في شمال سورية، ومنطقة جنوب دمشق في جنوب سورية (إلى جانب عدد من المناطق الأصغر، حول مدينة حمص وإدلب، على سبيل المثال).

 

وبالتالي، فقد شدد المبدأ الذي صاغه، ونفذه، الرئيس أوباما، على مكافحة الدولة الإسلامية أولًا، وقبل كل شيء –”داعش أولًا. ومع ذلك، فإن نهجًا تنافسيًا يعني أنه يجب التعامل مع الدولة الإسلامية، في أثناء العمل على إنهاء نظام الأسد القمعي؛ وهذا ما أعربت عنه –مؤخرًا- رسالة من خبراء في وزارة الخارجية [الأميركية]، الذين يرون أن العمل المتزامن، هو الطريق الوحيد لتمكين الشعب السوري من اختيار وصوغ مستقبله. لم يقبل وزير الخارجية بهذه التوصيات، واختار، في هذه المرحلة، وإلى جانب مهاجمة الدولة الإسلامية، ودفعها للخروج من الأراضي الأساسية التي تسيطر عليها، التركيز على مهاجمة جبهة النصرة؛ فعلى الرغم مما راكمته جبهة النصرة من قوة وهيمنة بين تنظيمات “الثورة”، إلا أنها أغضبت الولايات المتحدة –أيضًا- عندما شنت عمليات قتل مستهدفة، ضد فصائل “الثورة” المدعومة أمريكيًا، وربما يشعر كيري بالقلق حتى من انضمام مجموعات إضافية من “الثوار” إلى جبهة النصرة.

 

وقد شملت الاتصالات بين الولايات المتحدة وروسيا، اتفاقًا على تشكيل مجموعة تنفيذ مشتركة [JIG)، من أجل تعزيز الهدف الاستراتيجي المشترك في هزيمة قوات تنظيمي، النصرة والدولة الإسلامية، وينضوي هذا الاتفاق تحت مظلة القرارات الدولية، التي تهدف إلى تعزيز وقف الأعمال القتالية في سورية، ودعم عملية انتقال سياسي وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254. وستمكِّن مجموعة التنفيذ المشتركة تنسيق القتال ضد جبهة النصرة، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخبارية، والمعلومات العملياتية، وتسعى آلية العمل المرسومة إلى ضمان تنسيق الطرائق العملياتية بين الطرفين، في حال مشاركة أحدهما معلومات حول أهداف لمهاجمة جبهة النصرة؛ وعلى أساس المعلومات الاستخبارية المشتركة هذه، سيتم وضع قائمة استهدافات لجبهة النصرة، وطريقة تنسيق العمليات الاستهدافية، مع وضع آلية تنسيقية، لمنع المواجهات بين القوات المهاجمة. ومن خلال إيجاد آلية تنسيق، تسعى الولايات المتحدة –أيضًا- للحيلولة دون، أو على الأقل، الحد من الأضرار، التي تلحقها القوات المتحالفة، الروسية والموالية للأسد، بالتنظيمات الثورية من غير السلفية، مثل الجيش السوري الحر.

 

في أثناء المحادثات بين روسيا والولايات المتحدة، يفترض أن عددا ًمن الأسئلة المحورية قد طُرحت، بما فيها:

أولًا، كيف يمكن للجانبين أن يحددا مواقع استهدافات جبهة النصرة الدقيقة، بينما تتداخل النصرة مع غيرها من الفصائل الثورية، في خليط فسيفسائي معقد، يتغير بصورة متكررة؟

ثانيًا، هل سيمنع الاتفاق روسيا من مهاجمة أهداف غير منسقة، في إطار مجموعة التنفيذ المشتركة، وهل ستتمتع الولايات المتحدة بحق الفيتو ضد مهاجمة أهداف للثوار من غير النصرة؟

ثالثًا، كيف يمكن الاتفاق على الأهداف التي لا يجوز مهاجمتها، كالمستشفيات والمدارس، ووضع خطط دقيقة حولها (في الشهور الخمسة منذ إعلان وقف إطلاق النار، قُتل نحو 1850 مدنيّاً في سورية)، مع الأخذ في الحسبان تجربة روسيا المريرة، في هجماتها على أهداف مدنية، مفترضةً احتمال احتلال المنطقة من جانب “الإرهابيين”؟

وبالتزامن مع اتفاق القوتين، على مهاجمة قوات النصرة، وإظهار قدرتهما على العمل معًا، عندما يرغبان في ذلك، تواصل قائد جبهة النصرة، محمد الجولاني، مع قادة تنظيم القاعدة، طالبًا الموافقة على فك ارتباط تنظيمه عن تنظيم القاعدة الأم، وانضمام جماعات سلفية إضافية لتنظيمه، وأعلن الجولاني في بيان صدر في 28 تموز/يوليو 2016، فك ارتباط جبهة النصرة بالقاعدة، وإعادة تشكيلها باسم “جبهة فتح الشام”. وفي مواكبة ذلك، نشرت جبهة النصرة رسالة صوتية للقيادي البارز في تنظيم القاعدة، أحمد حسن (أبو الخير)، يبارك فيه –فعليًا- إعلان الجولاني الوشيك.

 

وذكر إعلان تأسيس الجماعة الجديدة المشتركة، أن هدفها الأسمى إسقاط حكم الأسد الطاغية، وارتكاز قوتها على القوى السورية، وليس الخارجية، وتمثيل المواطنين في سورية، كما ذكر –أيضًا- أنه بعد تحرير سورية، سيتم تأليف حكومة إسلامية، مستقلة، وعادلة، توفر الأمن والاستقرار لسكان سورية، وعندها يتوقف نشاط جبهة النصرة العملياتي تمامًا.

 

ومن المفترض أن يعبِّر الفصل التنظيمي هذا، عن منطق نفعي موقّت، وليس عن تغيِّر أيديولوجي؛ كي يكون قوة مؤثرة على الساحة السورية الداخلية، وكي ينتج –على المدى الطويل- بديلًا لنظام الأسد، فإن خيارًا استراتيجيًا قد اتخذ –على الأرجح- لتغيير تركيبة التنظيم، من خلال تجنيد المزيد من الفصائل السورية، والمقاتلين، والناشطين، فضلًا عن تقليل المظهر الإشكالي للتدخل الخارجي، ولا سيما من جهة القاعدة. وإضافة إلى ذلك، وفي أعقاب الاتفاق الروسي-الأميركي للهجمات المنسقة على التنظيم؛ فقد أصبح هدف قادة النصرة تفكيك قوات الجبهة الشمالية، المدعومة أميركيًا، من الداخل، والتحالف معها، ما يجعل التمييز بين الفصائل والتنظيم صعبًا على روسيا وأميركا. وتتمتع جبهة النصرة بحضور مهم في مناطق حلب، وإدلب، وشمال حماة، وحتى في شمال اللاذقية، واندماجها مع القوى المحلية في هذه المناطق، يجعل من الصعب جدًا على القوى الخارجية مهاجمتها وحدها، إلى درجة أنه من المستحيل –تقريبًا- استهدافها بالطيران، من دون إصابة المدنيين وغيرهم. وبالفعل، ومباشرة بعد الإعلان عن قيام جبهة فتح الشام، أعلنت نحو عشرين جماعة من “الثوار”، انضمامها للتنظيم الجديد.

 

وفي الوضع المعقد هذا، أصبح واضحًا أن الوقت مبكر جدًا كي نؤبِّن الدولة الإسلامية، بعد سقوط الفلوجة في شمال العراق، وتقدم القوات الكردية باتجاه منطقة منبج -جيب للدولة الإسلامية، على الحدود بين سورية وتركيا- ومحاولة السيطرة على الرقة، عاصمة الدولة الإسلامية في سورية؛ فالمساعي الأخيرة هذه، توقفت عند هذا الحد. وعلاوة على ذلك؛ فإنه كلما زاد الضغط على الدولة الإسلامية، تحولت إلى سلاحها الفتاك، الإرهاب الممتد، بما ينضوي تحته من عشوائية، وهجمات انتحارية، تودي بحياة عدد كبير من الضحايا، في سورية، والعراق، وعالميًا، ملهمة أتباعها ممن يعملون فرديًا بنمط “الذئب الوحيد”، للاستيقاظ والتحرك.

 

وهكذا، يصبح واضحًا أن “تجميد الوضع” مع الحرب الأهلية، وحرب الوكالة، في سورية، هدف طموح، وذلك لأسباب عدة؛ فصعوبة تنفيذ أي نوع من “التجميد”، تتجلى في عدم القدرة على ترسيخ وقف إطلاق النار، وفي الفراغ غير المحتمل؛ إذ أن أي منطقة يتم تحريرها من الدولة الإسلامية، يتم الاستيلاء عليها من جماعة مختلفة، لا تقل تطرفًا عن سابقتها، أحيانًا. وحتى إن تمت هزيمة الدولة الإسلامية عسكريًا، فإن أيديولوجيتها وأفكارها لن تزول، بل ستصحو –في الواقع- من جديد، الأمر الذي يعود –جزئيًا- إلى المقاومة المستمرة لحكم الأسد، التي تعزز دافع الجماعات المتطرفة –وداعميها من الدول والأفراد- في الاستمرار في إثارة الفوضى في سورية ومحيطها.

 

وتتكيف جماعات “الثورة” بسرعة مع الأوضاع الجديدة، متوحدة أو منفصلة، في ظل أطر التعاون، وحتى في ظل التغيرات التنظيمية تمر بها. وفي ضوء سياسة الولايات المتحدة بعدم مهاجمة قوات الأسد، أو القوات المتحالفة الموالية للأسد، وبتسمية المنطقة (أ)، الخاضعة لسيطرة النظام، منطقة مستقرة، “تُدفع” التنظيمات السُّنِّية إلى التحالف مع العناصر الجهادية السلفية، وأي تغيير في استراتيجية القوى العملياتية يؤدي إلى تغيير في الخطط العملياتية، لجبهة النصرة والدولة الإسلامية؛ وهذه التطورات مهمة، بسبب شعور القوى بالارتباك مع انهيار إستراتيجياتها، وإخفاقها في إيجاد وصفة ناجعة لتنفيذ “التجميد”، من أجل استقرار الوضع في سورية.

 

أما بالنسبة إلى إسرائيل، فإن وجود جبهة النصرة محدود في جنوب سورية، ومرتفعات الجولان، بعد نقل مركز نشاطها إلى شمال سورية، وقد أحجمت جبهة النصرة عن التحرك ضد إسرائيل، حتى إنّه ثمة ادّعاءات بأن إسرائيل، قدمت المعالجة الطبية لمقاتلي الجبهة، الذين أصيبوا في القتال جنوب سورية. وأما انفصال الجبهة عن تنظيم القاعدة، وارتباطها بتنظيمات أخرى، لا يخلق إلا فرصًا محدودة لإسرائيل، لوضع قواعد لعبة التنسيق الهادئ، مع مختلف سماسرة السلطة في جنوب سورية، ما داموا -التنظيم وارتباطاته الجديدة- يحجمون عن مهاجمة إسرائيل. وقد تبنت إسرائيل سياسة مسؤولة، حيث تحجم عن التدخل والتأثير في توازن القوى في سورية، ما لم تواجه تهديدًا ملموسًا، وبما أنه لا تغيير في مستوى التهديد الذي تواجهه إسرائيل، وبما أنه من المبكر جدًا تسمية إجراءات جبهة النصرة انفصالًا حقيقيًا عن القاعدة، فإنه من المبكر جدًا تخمين سياسة إسرائيلية جديدة في هذا السياق.

عنوان المادة الأصلي بالإنكليزيةSyria: No “Situation Freeze”
اسم الكاتب بالعربية والإنكليزيةأودي ديكل Udi Dekel أوريت بيرلوف Orit Perlov
مصدر المادة أو مكان نشرها الأصليThe Institute for National Security Studies

 

تاريخ النشر  3 آب/أغسطس2016
رابط المادة 
اسم المترجمفاتن شمس

Author

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق