سورية الآن

حدود التقارب السعودي – التركي

شكلت انتفاضات الربيع العربي إحدى أبرز نقاط الخلاف بين الرياض وأنقرة، ففي حين رأت الثانية في الثورات العربية خاصةً في سورية ومصر فرصةً؛ لتعزيز حضورها في العالم العربي؛ ما يمنحها دورًا وثقلًا أكبر على المستوى الإقليمي، عدّتها السعودية تهديدًا كبيرًا، ليس بوصفها دولةً محافظة تعارض الفعل الثوري في المبدأ، وتخشى من ارتداداته، بل أيضًا لقناعات السعودية بوجود تفاهم أميركي – تركي يسمح، أو ألا يعارض، وصول تيارات إسلامية إلى السلطة في دول (الربيع العربي)، ما يعني منحها فرصةً للخروج من دوائر المعارضة، وتركيا النموذج الأوضح في هذا السياق، إلى جانب ما يمكن أن يُشكّله وجود مثل تلك التفاهمات على حاضر ومستقبل السعودية ضمن ملفات ومسارات المنطقة المتحركة.

 

ليس خافيًا أن الخلافات بين الدولتين بلغت ذروتها في مصر، إذ أيّدت السعودية بقوة الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم الرئيس محمد مرسي في شهر تموز/ يوليو 2013، وقدّمت له كلّ أشكال الدعم السياسي والاقتصادي الكفيلة بإنجاحه، أمّا تركيا، فقد عارضت الانقلاب، ليس  لأنّه أطاح نظامًا حليفًا لها جاء إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع فحسب، وإنّما أيضًا لأنّه حرّك مخاوف النخبة الحاكمة في تركيا، والتي طالما عانت من الانقلابات العسكرية، وآخرها المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز/ يوليو الفائت.

 

في سورية أيضًا، اختلفت دوافع كلٍ منهما في دعم الثورة، فالسعودية دعمت الثورة السورية للوقوف بوجه التمدد الإيراني، في حين أنّ تركيا بعد أن يئست من حثّ النظام على الإصلاح، دعمت قوى تعدّها قريبة منها في دولة ذات أهمية استراتيجية لها، وأدّى التنافس التركي – السعودي ودعم كلٍ منهما فصائل معارضة متنافسة، تسعى إلى إسقاط نظام حكم بشار الأسد، إلى تفتيت ساحة المعارضة السورية، وتبديد جهدها في معارك جانبية أطالت أمد المواجهة، وأسهمت في إزاحة الثورة عن مسارها الأصلي، بوصفها مشروع تحرر من الاستبداد والطغيان، إلى صراع معقد متعدد الأجندات والتحالفات.

مؤخرًا تصاعد الحديث -إعلاميًا على الأقل- عن تقارب سعودي – تركي إلا أن مؤشرات أو معطيات هذا التقارب ما تزال غير واضحة، ويبدو أن كثيرًا من الملفات ما تزال عالقة بين الطرفين من سورية إلى اليمن، وصولًا إلى مصر وحتى ليبيا، فعلى الرغم من التحليلات التي تذهب إلى أن الطرفين الآن على وفاق كامل فيما يخص الشأنين السوري والعراقي، تبدو الكثير من معالم الخلاف بادية، سواءً رغبة أنقرة في الحفاظ على علاقات جيدة مع طهران، وإعادة تطبيع العلاقات مع موسكو، الدولتان اللتان شهدت الرياض توترًا ملحوظًا في العلاقات الديبلوماسية معهما، إضافةً إلى أن الأخيرة تبدو أقل حماسًا من أنقرة في حسم الصراع عسكريًا في بعض مناطق سورية؛ الأمر الذي قد يغير من المعادلات السياسية، وهو ما تخشاه الرياض حتى اللحظة؛ لأن معظم القوى التي بإمكانها إحداث مثل هذا الحسم مُقرّبة من تركيا.

 

 

من جهتها حاولت السعودية مؤخرًا إعادة النظر في علاقاتها الخارجية، ولا سيما مع روسيا، وظهرت مؤشرات عديدة على تقارب سعودي – روسي، في محاولة لحل بعض ملفات المنطقة، وعلى رأسها الملف السوري، في خطوة متقدمة من الرياض لإعادة تموقعها في المنطقة كقوة إقليمية موازية لأنقرة وطهران، ولا سيما في ظل الغياب شبه الكامل للدور المصري عن ملفات المنطقة.

ترى بعض وجهات النظر أن مقومات التقارب السعودي – التركي كبيرة، وتحمل العديد من القواسم المشتركة، إذ إن الدولتين تسعيان لتحجيم الدور الإيراني المتصاعد في المنطقة، والذي بات يُشكّل تهديدًا وجوديًا لبعض الدول، ولا سيما العراق وسورية واليمن وحتى لبنان، إضافة إلى قناعة متنامية لدى البلدين بعدم رغبة الأميركيين في حل أي من الملفات، وقناعة واشنطن الواضحة بأهمية الدور الإيراني بشكله الراهن، إلى جانب رغبة كل من أنقرة والرياض التفاهم مع موسكو التي تحاول بدورها إعادة إنتاج ثقلها في المنطقة كضامن للكيانات الموحدة لدولها التي تشهد صراعات كبيرة.

 

إلا أن وجهات نظر أخرى ترى أن الوقت مازال باكرًا للحديث عن تفاهم وتناغم سعودي – تركي في ما يخص ملفات المنطقة لحسابات عديدة، أهمها رغبة تركيا الواضحة في الحضور من بوابات المشرق العربي كأحد أهم اللاعبين الإقليميين، والذي ترتبط به قوى قد تصل إلى الحكم وفق مسارات التغيير الحاصل، الأمر الذي تخشاه السعودية أكثر من أي شيء آخر لأنه لو تم، سيعني حكمًا بأن عجلة التغيير في المنطقة بدأت، ولن تتوقف وهو من أبرز الأخطار على شكل ومضمون الدولة في الخليج العربي بشكل عام.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق