حين أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري في 26 تموز المنصرم، على أثر لقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف في لاوس، عن أمله في أن المحادثات التي كان أجراها قبل أسبوعين من ذلك مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمكن أن تؤدي إلى إيجابيات خلال الأسبوع المقبل أو في 10 أيام، كان بذلك يرد على تشكيك لوزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر، في مؤتمر صحافي عقده في البنتاغون، في إمكان الثقة بالروس في مسألة التعاون العسكري معهم في موضوع سوريا، خصوصًا أن موقف كيري أتى على أثر سيطرة النظام السوري وحلفائه وبدعم جوي روسي على طريق الكاستيلو التي قطعت طريق الإمداد للمعارضة السورية.
المهلة التي حددها كيري انتهت مبدئيًا في اليومين الماضيين، ولا هامش محتملًا لنجاحها في الأيام المقبلة تبعًا للمعارك الجارية في حلب والتي بدلت المعطيات عن اتفاق أميركي – روسي تم الدفع على أثره في اجتماع لمسؤولين روس وأميركيين في 26 الشهر الماضي في جنيف في اتجاه أن يُمهّد الموفد الدولي إلى سوريا ستيفان دو ميستورا لاستئناف المفاوضات في نهاية آب الجاري. ومع أن العمل الديبلوماسي لا ينطوي في الغالب أو في كل مرة على نجاح، بل هو سلسلة من المحاولات والمساعي، إلا أنه بالنسبة إلى متابعين كثر أن الانخراط الروسي في دعم خطة النظام في حصار حلب والإعلان عن ممرات آمنة تبنتها روسيا ووجهت رسالة بهذا المعنى للأمين العام للأمم المتحدة، في الوقت الذي بدا أن الممرات الآمنة قد تنطوي على تهجير إضافي لأهلي حلب، فضلًا عن استهداف الهاربين بالقنص والقتل، يفترض أن يربك السياسة أو الديبلوماسية الأميركية التي تبدو كأنها توافق على ما يجري، أو هي عاجزة عن التصدي له في أحسن الأحوال، وذلك ما لم تتصرف هذه السياسة بالأسلوب نفسه من خلال توفير الدعم غير المباشر للمعارضة من أجل الصمود وردع النظام عن السيطرة على حلب وفك الحصار الذي يسعى إلى فرضه عليها. وهذا ما يعتقده الموالون للنظام، على قاعدة أن المحور المواجه لهذا الأخير مع حلفائه من إيران إلى روسيا والتنظيمات والميليشيات التي تحارب من أجله هو المحور الآخر الذي يقول هؤلاء إن الولايات المتحدة تدعمه وتمنع انهياره، إلى جانب دول إقليمية وعربية.
تراجعت مؤشرات الاتفاق الأميركي – الروسي على وقع معركة حلب، كما تراجعت الروزنامة التي حددها كيري بحيث لا تبدو هناك قابلية لالتزامها، مما يعني تأخير موضوع البحث في الانتقال السياسي، في خضم محاولة نسف أسسه بناء على انتصار للنظام يسمح له برفضه أو عدم القبول به في أي حال. وهو كان أعلن قبل أشهر قليلة أن مطلع آب ليس موعدًا نهائيًا للانتقال السياسي، لكن التواريخ التي حددها حتى الآن تبعًا للمساعي التي أجراها مع روسيا في موضوع سوريا لم تنفذ، أو بدت تواريخ وهمية أكثر مما هي حقيقية. وهذا أثّر ولا يزال على صدقية التزام الولايات المتحدة عدم تسليم الموضوع السوري إلى روسيا بالكامل. وتبعا لذلك، تقول مصادر ديبلوماسية إن توقعات استئناف المفاوضات باتت ضعيفة جدًا إن لم تكن معدومة، على رغم سريان شائعات مفادها أن معركة حلب هي من أجل تعزيز أوراق النظام الذي أبدى استعداده للمفاوضات (!) فيما هي ليست من عادته، على أساس أنه يذهب إليها محصّنًا بورقة حلب بعد توجيه ضربة قاصمة للمعارضة في المدينة، مما يساهم في تراجع بنود الحل السياسي الذي يتوزع بين رأيين، أي حكومة انتقالية تحظى بغالبية الصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس السوري، وحكومة وطنية يطالب بها الرئيس بشار الأسد مع حلفائه الداعمين له، أي إيران وروسيا.
هذا الرهان حول حلب لا يزال قائمًا وفق ما تقول هذه المصادر، لكن الصعوبات حول التفاهم بين روسيا والولايات المتحدة باتت في نظرها أمرًا جديًا وحقيقيًا. فمن جهة أعاق إمكان الاتفاق الأميركي الروسي الذي كان يتم التحضير له، أي تدخل من أي جهة كانت، بما فيها من أعضاء مجلس الأمن الذين تركوا المجال لبلورة التفاهم الثنائي، فابتعدوا عن الإدلاء بأي موقف مما يجري في حلب لمدة تزيد على ثلاثة أسابيع، فيما تولى بعض أعضاء المجلس الدعوة إلى مشاورات غير رسمية أمس للبحث في موضوع الحصار على حلب وما تتعرض له بعدما ظهر تعثر الاتفاق الأميركي – الروسي. وتجزم هذه المصادر أن الحرب في حلب أطاحت فرصة القول إن أي تقدم ملموس لا يزال محتملًا، وهو ما قد يسمح باستئناف المفاوضات من جهة، كما أن التعاون العسكري المحتمل ضد (جبهة النصرة)، التي صنّفها مجلس الأمن الدولي تنظيمًا إرهابيًا وأعلنت ابتعادها عن القاعدة لاحقًا، قد أجهضه خلط الأوراق الذي حصل على هذا الصعيد من جهة أخرى.
وعلى رغم ذلك لا يزال ثمة من يعتقد أن جنيف 3 لا تزال ممكنة وإن كل المخاض العسكري الجاري حول حلب يرمي إلى هذه الغاية، وإن يكن ذلك ليس واضحًا كليًا على وقع غبار المعارك الجارية، انطلاقا من أنه لا يزال أمام إدارة الرئيس باراك أوباما ستة أشهر لكي يغادر البيت البيض، بما يعني أنه لا يزال قادرًا على التأثير في اتجاه أي مسعى إيجابي، خصوصًا إذا كانت كل الرهانات تبنى على ما قبل حصول الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني المقبل، والتي ستتضح على أثرها هوية الرئيس المقبل، هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب.