مقالات الرأي

رأس الأسد أم رأس (الأكراد) على طاولة بوتين – أردوغان؟

لم تنته حكاية حلب، بل المُرجّح أنها، الملف الأكثر سخونة على طاولة القمة، بين الرئيسين بوتين وأردوغان في بطرسبورغ الروسية.

كانت (ملحمة حلب الكبرى) مُنازلة سياسية إقليمية، أكثر منها عسكرية محلية، إذ لا تقتصر نتيجتها، على رسم سقف، ومسار الجولة القادمة من المفاوضات بين وفد الأسد ومعارضيه في جنيف، والتي تمت المماطلة بتحديد موعدها أصلاً، لحساب معركة حلب الفاصلة، على أمل تعويم، مقترح (حكومة الوحدة الوطنية)، أو فكرة (الأسد ونوابه الثلاثة)، إنما تنسحب أيضًا، على تحديد أحجام النفوذ، في المنطقة، وربما على خرائطها مُستقبلاً. لذا، لم يكن مُستغربًا، أن ينخرط جميع اللاعبين الإقليميين، فيما اعتبروه معركة (كسر عظم)، سواء بشكل مباشر (روسيا وإيران)، أو بشكل غير مباشر (تركيا، السعودية، قطر)، عبر زيادة التسليح، والضغط من أجل توحيد المعارضة المسلحة، ولولا هذا التوحد، لما تمكن مقاتلوها من قلب المعادلة بفك الحصار عن أحيائهم.

الواضح، أن أردوغان، المنهمك داخليًا، بتداعيات المحاولة الانقلابية، لم يتردد في اعتبار معركة حلب معركته، ذلك  لأنه يُدرك، أن حصاره في حلب، يشل فاعليته إقليميًا، وهو ما كان يأمل فيه بوتين، عشية استقباله أردوغان، قبل أن يجد نفسه مُحاصرًا، بإعلان جيش الفتح بدء المرحلة الثانية من (ملحمة حلب الكبرى) للسيطرة على كامل المدينة.

المفارقة أن هذه الرسائل الميدانية، بين الصديقين اللدودين، لا تُساعد على فتح صفحة جديدة بينهما، كما يرغب وصرح أردوغان، على عكس رسائل أخرى سياسية واقتصادية تبادلها الطرفان، بدءًا من اعتذار (الطيب) عن إسقاط الطائرة الروسية. مروراً، برفع فلاديمير السريع للعقوبات، خصوصًا (السياحة)، وصولًا إلى الموقف الروسي الواضح من إدانة محاولة الانقلاب، وما تبعها من اهتمام موسكو، بتفكيك مدارس ومؤسسات فتح الله غولن في عدة دول، منها كازاخستان وقيرغيزستان بصمت إعلامي، وبعيدًا عن التبني الروسي الرسمي، وخلافاً للموقف الأمريكي، وتعامله مع مطلب أنقرة، بتسلم غريمها السياسي.

لن يكون ثمة خلاف، يُسمم أجواء قمة بطرسبورغ، في ملف أسيا الوسطى والقوقاز وبحر قزوين، والمواقف من النزاع بين أذربيجان وأرمينيا، وقضية قبرص، وجميعها غير ملح حاليًا. في حين أن المصالح الاقتصادية المُتشابكة، تٌشكل عامل تقارب بين البلدين، حيث تُمثل تركيا، الشريك التجاري السابع لروسيا، والوجهة الأولى للسياح الروس، فيما يسعى الطرفان إلى زيادة التبادل التجاري بينهما، من 32 إلى 100 مليار دولار، وكذلك إلى استئناف مشروع مد خط أنابيب غاز (السيل التركي)، وهو مشروع استراتيجي لكليهما، إذ تسد تركيا نحو 60% من حاجتها للغاز عبر استيراده من روسيا، بينما يُساهم إنجاز (السيل التركي)، في تأمين احتياجات الغاز التركية المتنامية، وفي تعزيز إحكام قبضتي موسكو وأنقرة معًا، على عنق أوروبا، وحاجتها إلى الطاقة الروسية، كما يسحب منها ورقة أوكرانيا، كأداة ضغط على روسيا، كونها ستفقد أهميتها كمحطة عبور للغاز الروسي باتجاه القارة العجوز، وهو ما يُقلق الأوربيين، ويريح بوتين وأردوغان، الراغب بمعاقبة الأوربيين على مواقفهم من المحاولة الانقلابية ومن حزب العمال الكردستاني التركي، ويُمكّنه من امتلاك ورقة ضغط إضافية في مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

لكن، في الملف السوري (الأشد تعقيدًا)، يقترب موقف أردوغان من الغرب، الذي يعتقد باستحالة، إنهاء القضية السورية، بطريقة تُكرس بقاء الأسد ورموز سلطته، فضلًا عن صعوبة الانتصار في الحرب على الإرهاب بوجودهم في الساحة، وهو ما يتناقض مع موقف بوتين الحالي الُمعلن، وليس بالضرورة مع رؤيته وقناعته الضمنية، التي تميل إلى حتمية (الانتقال السياسي)، لكنه عاجز عن تسويقها لدى الإيرانيين، أو إقناع (الأسد) بقبولها، دون أن يعني ذلك سهولة تمرير (بقاء بشار) في حلق أردوغان، رغم إغراء الصفقة المفترضة، التي تنحصر في حال عقدها (برأس الأسد لقاء رؤوس الانفصاليين الأكراد المتمثلين في تركيا بحزب العمال، وفي سوريا بالاتحاد الديمقراطي)، وترجمتها تَخلّي الرعاة الإقليميين الروس والإيرانيين لهؤلاء عنهم، وبالتالي تقويض سعيهم لإقامة كيان انفصالي على الحدود الجنوبية لتركيا، مقابل تنازل أردوغان عن التطلع إلى إسقاط الأسد عسكريًا، أو سياسيًا.

تلك الصفقة، كانت ممكنة النقاش، لو استطاع بوتين وحلفاؤه الانتصار في حلب. بيد أن الهزيمة التي تلقوها، كشفت أن ورطة بوتين في سورية بدورها ليست صغيرة، وأنه غير قادر على الحسم عسكريًا، أو حتى عن فرض (تقسيم) نهائي دائم، يضمن للأسد (سوريته المفيدة)، عدا عن أن الطابع الإسلامي، الذي اتخذته (ملحمة حلب)، يرفع من احتمالات غرقه في مستنقع أفغاني جديد، يتحسب منه، ومن الدفع الأمريكي باتجاهه.

لا شك أن تركيا ما قبل محاولة الانقلاب، غير ما بعدها، وهو ما سارع بوتين إلى استثماره، لاستقطاب أنقرة، في محاولة لتعميق الشرخ داخل حلف (الناتو)، الذي تخلى عن الحليف التركي (علنًا) في واقعة الطائرة الروسية، و(مواربة) في اعتماده (البندقية الكردية) في مواجهة (داعش)، وترسيخها في سوريا على مقربة من حدود تركيا الجنوبية دون مراعاة أمنها القومي، وهو مستثنى، من التقلبات الداخلية، ومتفق عليه بين معظم الأحزاب، والقوى السياسية التركية، بما فيها مؤسسة الجيش، تمامًا مثل استمرارية،  التحالف الاستراتيجي مع واشنطن.

عمومًا، أقصى ما يستطيع أردوغان تقديمه لبوتين دوليًا، هو ميل أكثر نحو روسيا، يُزعج الولايات المتحدة ولا يؤذيها، في حين لن تتجاوز التفاهمات (سوريًا)، سقف زيادة التنسيق الأمني، وتبادل المعلومات، بشأن الحركات الجهادية، مع بقاء المواقف، من عقدة الأسد متباعدة، وعالقة في دوامة (الاستنزاف)، لحين انعقاد جلسة التسويات الإقليمية الكبرى، بحضور جميع الدول المتصارعة، على سوريا.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق