خلط إعلان زعيم جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، فك ارتباط تنظيمه بالقاعدة، وتأسيس تنظيم جديد باسم (جبهة فتح الشام)، الأوراق على الساحة السورية، وبذلك يتخلى تنظيم القاعدة عن ذراعه العسكري الأكثر قوة وفعالية على الساحة السورية، ما يحول (النصرة) من فرع لتنظيم دولي إلى تنظيم محلي سوري بأبعاد إسلامية.
عزا الجولاني، الذي ظهر كاشفًا عن وجهه للمرة الأولى، في كلمة متلفزة، هذه الخطوة لأسباب داخلية وخارجية، وقال: إن الإعلان جاء “نزولًا عند رغبة أهل الشام، لدفع ذرائع المجتمع الدولي، وخاصة روسيا والولايات المتحدة وتجنب ضرباتها، ولتقريب المسافات بين الفصائل”، وشدد على أنّ “التشكيل الجديد غير مرتبط بأي جهة خارجية، ويسعى لـ “تحقيق العمل على إقامة دين الله، وتحقيق العدل، والتوحد مع الفصائل لتحرير الشام، والقضاء على النظام وأعوانه”.
وكان نائب زعيم تنظيم (القاعدة)، أحمد أبو الخير، دعا (جبهة النصرة) في تسجيل صوتي للتوحد مع الفصائل السورية الأخرى “لأن ذلك أهم من الروابط التنظيمية”، وطالبها “باتخاذ الخطوات الملائمة، لضمان الجهاد الشامي والعمل على التوحد مع الفصائل لإقامة حكومة إسلامية راشدة”، في إشارة إلى موافقة تنظيم القاعدة على فك جبهة النصرة ارتباطها به.
لم تتأخر ردود الفعل على إعلان الجولاني، داخليًا وخارجيًا، وسارعت فصائل عسكرية عدّة، إلى الترحيب بإعلان (النصرة)، بينها حركة (أحرار الشام) الإسلامية، التي دعت (جبهة فتح الشام) وجميع الفصائل الثورية “للمسارعة بإعداد خطوات جدية لتحقيق مشروع جامع، يوحد شمل الفصائل في جسم واحد”، ووصف الناطق باسم (جيش المجاهدين) في حلب، أمين ملحيس، خطاب الجولاني بـ “الممتاز بجدارة”، وأعرب عن أمله في أن “يُقرّب وجهات النظر بين الفصائل في خطوة باتجاه توحيدها”، ورأى أن المجتمع الدولي “لم يعجبه هذا الخطاب وهو مُصرّ على ضرب هذا التشكيل الجديد”، مضيفًا: “إذا استمر التحالف في قصف تشكيل جبهة فتح الشام، فهو ضرب للثورة، وفصائلها”، ولفت إلى أنه في حال قصف التحالف (جبهة فتح الشام)، فإنه يصبح “عدو الثورة الأول”، وقال: “الآن سقطت هذه الحجة ولم يعد هناك من مُبرر لقصف التشكيل الجديد الذي أعلنه الجولاني”.
وأعرب كذلك عن قناعته بأنه “سيأتي يوم يبدأ فيه التحالف الدولي بضرب فصائل الجيش السوري الحر بحجة أنها ليست مع الديمقراطية، من أجل إجبارها على الانضواء تحت راية قوات سورية الديمقراطية”، وأشار إلى أن واشنطن كانت تعد (حزب العمال الكردستاني) منظمة إرهابية، مضيفًا “لكننا اليوم نشهد تعاونًا عسكريًا معه في سورية من خلال ذراعه حزب الاتحاد الديمقراطي، وتبني قاعدة عسكرية قرب منطقة رميلان في محافظة الحسكة السورية”.
وعدّ، رائد عليوي، أحد قادة الجيش السوري الحر في ريف حماة، إعلان الجولاني فك الارتباط مع (القاعدة) “خطوة في الاتجاه الصحيح”، مشيرًا إلى أنه “لم تعد هناك ذريعة للقتل، والتدمير بسورية”، موضحًا بأن فك الارتباط “كان مطلبًا شعبيًا”.
من جانبه أبدى (جيش الإسلام)، ترحيبًا مشوبًا بالشك، وقال المتحدث الرسمي باسمه إسلام علوش “لا شك في أن فك جبهة النصرة ارتباطها بتنظيم القاعدة يصب في مصلحة الشعب السوري وثورته وحقن دمائه، لكن هذه الخطوة غير كافية للاقتراب من الشعب السوري”. ويُعد (جيش الإسلام) أقوى فصائل المعارضة السورية، خصوصًا في ريف دمشق.
وعن دعوة الجولاني لتوحيد الفصائل العسكرية، قال علوش “للأسف يقف أمام هذه الخطوة الكثير من المعوقات الداخلية والخارجية وعلى كافة الأصعدة”، ورأى أن “فك الارتباط سيؤثر على المدرسة العسكرية المنتهجة من قبل مقاتلي جبهة فتح الشام، وسننتظر ونراقب سلوك التشكيل ذي الاسم الجديد، حتى نستطيع أن نحكم حكمًا عادلًا عليه”.
كما رحبت المعارضة السياسية بقرار الجبهة، لكنها شدّدت في بيان نشرته على أن “تكون سورية دولة بعيدة عن “التطرف” مستقبلًا، وطالبت (فتح الشام) بالاندماج في المشروع الوطني الحقيقي الذي يجمع كلّ السوريين تحت راية واحدة تنتقل بالبلاد إلى مرحلة خالية من الظلم والاستبداد”.
من جهته قال المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية، رياض نعسان آغا، إنه لا يتوقع أن يكون لإعلان الجولاني “أي انعكاس إيجابي… لأن خطاب فك الارتباط مع تنظيم القاعدة لم يلق قبولا دوليًا”. وأشار في الوقت ذاته، إلى أن خطاب الجولاني “لم يُشر إلى تغيير في البنية، أو الأهداف”.
دوليًا أعلنت الولايات المتحدة، وعلى لسان أكثر من مسؤول أن (جبهة النصرة) ما زالت هدفًا للقصف، مُعبّرة عن قلقها من الخطر الذي تشكله على الرغم من تغيير اسمها. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش أرنست للصحفيين: “ما زالت لدينا مخاوف متزايدة من قدرة جبهة النصرة المتنامية على شن عمليات خارجية، قد تهدد الولايات المتحدة وأوروبا”. فيما قالت وزارة الخارجية الأميركية: إن (جبهة النصرة) ما زالت هدفًا للطائرات الأميركية والروسية في سورية، على الرغم من قرارها قطع العلاقات مع تنظيم (القاعدة)، وتغيير اسمها إلى (جبهة فتح الشام).
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، جون كيربي” إن إعلان (جبهة النصرة) يمكن أن يكون ببساطة مجرد تغيير للمسميات، وإن الولايات المتحدة ستحكم عليها من تصرفاتها وأهدافها وعقيدتها. وسارع قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي، الجنرال لويد أوستن، إلى القول: إن “جبهة النصرة ستظل جزءًا من تنظيم القاعدة حتى لو غيرت اسمها.
وكان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، قد كشف في التاسع عشر من الشهر الجاري، عن وجود تفاهم وتوافق مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، حول محاربة جبهة (النصرة) وتنظيم (الدولة الإسلامية).
وتتعرض (جبهة النصرة) إلى مشروع استهداف مباشر، تم التوافق عليه بين الولايات المتحدة وروسيا، وتُصنّف على أنها تنظيم “إرهابي”، بسبب تبعيتها لـ (تنظيم القاعدة) العالمي. وكان (التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب) استهدف مقارّ الجبهة في معظم الأراضي السورية، واغتال قيادات لها، آخرهم أبو فراس السوري في ريف إدلب.
يذكر أنه تم تشكيل (جبهة النصرة) أواخر العام 2011، وفي ديسمبر/ كانون الأول 2012 قامت الحكومة الأميركية بتصنيفها كجماعة (إرهابية).