انتهى شهر “رمضان الدامي”، من هذا العام 2016، بحصيلةٍ مرعبةٍ فيما يتعلّق بالرعب الجهادّي؛ فخلافًا لما كنّا نتأمّله، تابعت داعش –المسمّاة ضلالةً “الدولة الإسلاميّة”- حملتها العنيفة على مستوى المعمورة، طوال تمّوز/ يوليو 2016، وخصوصًا قيامها بهجومَين مرعبَين في فرنسا.
كشفت صحيفة اللوموند، خلال الشهر الماضي، أنّ داعش قد تجاوزت حاجز الثلاثة آلاف قتيل في العالم بأسره. لا شيء يُنبئ عن تراجع العنف الجهاديّ، وخصوصًا في النظر إلى أنّ حقيقة التقارب، بين سياسات واشنطن وموسكو في سورية، تصبّ في مصلحة داعش.
المسلمون ضحايا مُفضّلون
أنهى شهر رمضان أول أيّامه في شهر تمّوز/ يوليو 2016 بهجومين مدمّرين لداعش؛ أحدهما، في الثالث من تمّوز/ يوليو، بحصيلةٍ غير مسبوقة من القتلى بلغت 323 قتيلًا في بغداد، وكانت تلك أسوأ حصيلة تمّ توثيقها منذ سقوط صدّام حسين في عام 2003، أمّا الهجوم الآخر، والذي يُعدّ أيضًا غير مسبوق، فقد حدث في الرابع من تمّوز/ يوليو، حيث قُتل أربعة أشخاص بهجومٍ تمّ شنّه في المدينة السعوديّة “المدينة المنوّرة”، ثاني أكثر المدن الإسلاميّة قداسةً.
استمرّت داعش، على امتداد الشهر بأكمله، في ممارسة مستوىً عالٍ من الهلع؛ ففي العراق؛ قُتل نحو37 شخصًا في 7 تمّوز/ يوليو، و11 شخصًا في 12 تمّوز/ يوليو، وحصلت تلك الحادثتان في الضاحية الشماليّة لبغداد. أمّا في سورية، فقد استطاعت داعش ضرب الحصن الكرديّ في مدينة القامشلي، في تفجير أسفر عن مقتل نحو44 شخصًافي 27 تمّوز/ يوليو، كما قامت بارتكاب مجزرةٍ، في قريةٍ قريبةٍ من منبج، شهدت مقتل نحو 24 من أبنائها في 28 تمّوز/ يوليو، تمّ ذلك بهدف ردع أيّ ميل للانضمام إلى التحالف الذي يحاول، منذ عدّة أسابيع، السيطرة على تلك المدينة -سنعود إلى ذلك الموضوع لاحقًا- بالتوازي مع ذلك، قامت داعش بإثكال مدينة كابول بهجوم، في 23 تمّوز/ يوليو، على تجمّعٍ شيعيٍّ، راح ضحيّته 80 قتيلًا على أقلّ تقدير؛ وذلك على الرغم من أنّ فرعها المحلّي هناك، والمُسمّى “خراسان”، لا يتحكّم إلّا بجزءٍ صغير من أراضي إقليم “نانغارهار”.
لعلّ الجيش التركي، هو الوحيد الذي تخشى داعش التزامه ضدّها-إنّ إعلان أنقرة إعطاء الأولويّة، للنضال ضدّ الأكراد، قد نحّى حتّى هذه اللحظة داعش- كما أنّ إضعاف الجيش التركي بعد محاولة الانقلاب، التي تمّ إجهاضها في 15 تمّوز/ يوليو، كان مكسبًا كبيرًا لداعش، أمّا بالنسبة إلى “جيشي” الأسد والسلطة العراقيّة، فإنّ كونهما بمنزلة “حرس إمبراطوري”، إضافةً إلى طابعهما العدائيّ، متعدّد الأوجه، للسنّة جعل منهما وكيلي تجنيد فعّالين لداعش.
فرنسا، مرّة أخرى، أكثر من ألمانيا
كما كان الأمر بالنسبة إلى تعاقب هجمات بغداد-المدينة المنوّرة؛ فقد قامت داعش بتنفيذ هجمتين متتاليتين في فرنسا؛ مجزرة جماعيّة في مدينة نيس، أسفرت عن 84 قتيلًا في 14 تمّوز/ يوليو، وهجومٌ استهدف كنيسةً في إقليم النورماندي، وتمّ فيه اغتيال كاهن في 26 تمّوز/ يوليو.
كان في الإمكان الشعور بالأثر المشترك لتلك الهجمات، بشكلٍ عميق، في عنف النقاشات السياسيّة التي تلتها؛ كما في التساؤلات القَلِقة بشكلٍ متزايد من جانب الشعب، وذلك، على الرغم من فشل داعش في إثارة دوّامة من العنف العنصريّ، الأمر الذي لم يحصل، أيضًا، عند هجماتها في عام 2015.
كان لتلك الهجمات في فرنسا صدىً، رافقه هجومان انتحاريّان في ألمانيا، وعلى الرغم من أنّ حصيلة الضحايا فيهما، كانت محدودةً، نتج منه إصابة 3 أشخاص بجراح في فورتسبرغ 18 تمّوز/ يوليو، وفي الهجوم الآخر سقط 15 جريحًا في إنسباخ في 25 تمّوز/ يوليو، إلّا أنّ ذلك لا يُنقِص من أثرهما الرمزيّ؛ حيث نجحت داعش بإشراك لاجئَين، أفغانيّ وسوريّ، وذلك بعد أن حاولت أن “تلطّخ” لاجئين آخرين أو افتراضيّين في فرنسا، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015. إنّ خلق هوّة من الدم وعدم الفهم بين اللاجئين، الشرق أوسطيّين، وسكّان البلدان المضيفة؛ يصبّ في الحساب الميكافيلي ذاته، بالنسبة إلى داعش، لشنّ الهجمات على كنائس، ومؤسّسات يهوديّة.
يبدو جليًّا، أنّ داعش قد استثمرت في إستراتيجيّةٍ طويلة الأمد، تهدف إلى زرع التحريض على العصيان في أوروبا، وإمكانيّة قيام حرب أهليّة هناك. لكن، ولحسن الحظ؛ ففي إمكاننا أن نستنتج، فيما يتعلّق بهذا المنظور، عدم قدرة ذلك التنظيم الجهاديّ على التشويش على اليوم العالمي للشباب في كراكوف، ولا على منافسات بطولة أمم أوروبّا في فرنسا، الشهر الماضي.
التقارب بين واشنطن وموسكو لمصلحة داعش
أعلن أوباما، في منتهى الجديّة، خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي في فيلادلفيا، أنّه يجب على هيلاري كلينتون تفكيك داعش، بتحميله هذا العبء لوريثته المستقبليّة، يتصرّف أوباما، ولمرّة جديدةٍ، وبشكلٍ غير مسؤول، كسابقه جورج بوش. في هذه الأثناء، تقوم الولايات المتّحدة، بقصر دورها، على إحراز انتصارات وهميّة -بتكلفةٍ باهظةٍ- على السكّان المدنيّين “عرب وسنّة”، الأمر الذي يغذّي ادّعاءات داعش، والتجنيد في صفوفها.
كان الحال على ذلك، في شهر حزيران/ يونيو الماضي في المدينة العراقيّة “الفلّوجة”، وهو حال المدينة السوريّة “منبج” في يومنا هذا؛ حيث مات العشرات، لا بل مئات المدنيّين بسبب القصف الأميركيّ. إنّ استناد الولايات المتّحدة على ميليشيّات كرديّة في سورية، وعلى قوّات خاصّة شيعيّة في العراق، لن يؤدّي إلّا إلى تفاقم الاستياء لدى السنّة، وهذا الأمر، أيضًا، لمصلحة داعش.
يبدو أنّ واشنطن في طريقها للانضمام إلى أهداف الحرب الروسيّة في سورية، كما لو أنّ تلك السياسة لم تكن بكارثيّة! لم تتراجع إدراة بوتين أمام عديد اختبارات القوّة، التي تعرّضت لها على الأرض، حتّى إنّها قصفت مواقع أميركيّة، لتفرض رؤاها على البيت الأبيض. إنّ الإعلان الرسمي عن التعاون الروسيّ-الأميركيّ لن يكون له إلاّ أثرٌ محدودٌ على الصراع -قصير الأمد- مع داعش؛ لكنّه، وعلى العكس، سيكون كارثيًّا بالنسبة إلى القوى الثوريّة، كما في مدينة حلب، والتي سيكون ذلك بمكانة توجيه الأمر إليها بالانضمام إلى الجهاديّين، أو بالاستسلام للأسد، أو بالموت؛ إمّا في المعارك، أو الموت -بشكل خاصٍّ- تحت حصارٍ عديم الرحمة.
لنتذكّر أنّ ثوّار حلب، والمهدّدين اليوم بالتصفية، قاموا بأنفسهم بتحرير المدينة من سطوة داعش منذ كانون الأوّل/ ديسمبر 2014؛ لذلك، فإنّ هذا التقارب بين واشنطن وداعش يهدف، بشكلٍ عمليّ، إلى تدمير هذا الخيار الثالث فيما عدا الأسد وداعش، وذلك، سيصبّ في المصلحة العليا للتنظيم الجهاديّ.
طالما استمرّت واشنطن وموسكو معًا في سياستهما المسيئة؛ سيكون من الوهم بمكان لباريس، أن تدّعي امتلاكها “استراتيجيّة” ضد التهديد الجهاديّ، فكما كنت قد أشرت بعد مأساة الثالث عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 إلى “الوِحدة الرهيبة لفرنسا، في مواجهة داعش”؛ فإنّ تلك الوحدة، لم تتوقّف عن ازديادها سوءًا خلال الأشهر الماضية، في حين تتصاعد فيه الحملة الجهاديّة على الصعيد العالمي. ستستمرّ داعش، وعلى الأغلب، بإراقة الدماء في فرنسا، وأبعد من ذلك.
عنوان المادة الأصلي بالفرنسيّة | L’effrayante progression de la terreur djihadiste |
اسم الكاتب بالعربية والفرنسيّة | جان بيير فيلو Jean-Pierre Filiu |
مصدر المادة أو مكان نشرها الأصلي
| مدوّنة جريدة اللوموند |
تاريخ النشر
| 2 آب/ أغسطس 2016 |
رابط المادة
| http://filiu.blog.lemonde.fr /2016/08/02/leffrayante-progression-de-la-terreur-jihadiste-en-juillet-2016 |
اسم المترجم
| أنس عيسى |