ترجمات

مركز أبحاث أميركي يعترف بمخطط “الملاذات الآمنة” الأميركي في سورية

منذ بداية الحرب في سورية، أوضحت مراكز أبحاث ممولة من شركات كبرى، تخطط السياسة الخارجية الأميركية والأوروبية، أن إقامة منطقة حظر طيران، أو “ملاذات آمنة”، في سورية، من شأنه أن يكون خطوة إضافية، نحو تحقيق تغيير النظام، وزيادة تقسيم البلاد وتدميرها، كما فعل صُنَّاع السياسة الأميركية في أفغانستان، والعراق، وليبيا، مسبقًا.

وعلى وجه التحديد، قام معهد بروكينغز –ولسنوات حتى اليوم- بنشر بحث تلو البحث، بشأن إقامة مثل هذه “الملاذات الآمنة” في سورية، تحت مسميات متنوعة من الحيل الجيوسياسية، والإستراتيجية، والتكتيكية.

 

وفي أوائل عام 2012، وفي بحث لمعهد بروكينغز، بعنوان “تقييم خيارات تغيير النظام”، طرح راسمو السياسة فيه أن:

بديل المساعي الدبلوماسية، هو التركيز –أولًا- على كيفية إنهاء العنف، وكيفية الوصول إلى مدخل إنساني، كما يجري في ظل قيادة عنان. وقد يؤدي ذلك إلى خلق ملاذات آمنة، وممرات إنسانية، والتي يجب أن تكون مدعومة بقوة عسكرية محدودة. وقد لا يرقى ذلك –بالطبع- إلى أهداف الولايات المتحدة في سورية، ويمكن أن يؤدي لإبقاء الأسد في السلطة. ومع ذلك، ومن هذا المنطلق، فمن الممكن لتحالف واسع، مع تفويض دولي ملائم، أن يضيف مزيدًا من الإجراءات القسرية إلى هذه المساعي.

 

وقد كان معهد بروكينغز يأمل أن توفر الممرات، والملاذات الآمنة، موطئ قدم، يمكن من خلاله ممارسة القوة العسكرية الغربية، السرية والعلنية، لإسقاط حكومة دمشق في النهاية، والإبقاء على سورية، دولًة مقسمًة ومدمرًة دومًا، وغير قادرة على عرقلة الطموحات الإقليمية الغربية، في المستقبل المنظور.

 

وابتداء من عام 2012، أخذ مفهوم الملاذات الآمنة، المنبثق من مراكز الأبحاث الممولة من الشركات الكبرى، بالتصاعد عبر وسائل الإعلام الغربية، محاولًا شق طريقه إلى السياسة الخارجية الأميركية، أكان في قاعات الكونغرس، أم في البيت الأبيض، فضلًا عن أرض المعركة نفسها، في سورية. ولكن من الواضح، وعلى الرغم من المساعي الحثيثة طوال السنوات الخمس الفائتة، لإقامة ملاذات آمنة كهذه، أن أيًا منها لم يتجسد على الأرض، باعتراف الجميع. ونرى هذا في آخر تقييم ذاتي لمعهد بروكينغز، لسياسته الفاشلة –أو لنكن أكثر دقة- لسياسته المُحبطة.

 

إعادة النظر في مناطق حظر الطيران

على مدونة “نظام من الفوضى”، التابعة لمعهد بروكينغز، بحث بعنوان، “ما العمل عند الإخفاق في احتواء الأزمة السورية”. ويطرح البحث إعادة النظر في مناطق حظر الطيران، كما “الملاذات الآمنة”. في ما يتعلق بمناطق حظر الطيران، يقول البحث:

يجب علينا أن نكون أذكياء –أيضًا- في استخدام خيارات مختلفة بالنسبة إلى مناطق حظر الطيران: فلا يمكننا إسقاط طائرة دون معرفة إن كانت سورية أو روسية، لكن يمكننا تحديد تلك الطائرات بعد وقوع الحدث، وتدمير الطائرات السورية على الأرض، إذا تبيَّن أنها كانت تقصف أحد الأحياء بالبراميل المتفجرة، على سبيل المثال. ولا شك أن هذا النوع من العمليات معقد، ولا سيما مع وجود الطائرات الروسية في المنطقة، ولكنني أعتقد أننا ارتكبنا خطأ في قلقنا وارتباكنا حول هذه القضية، ما دام هناك خيارات يمكننا بحثها.

 

ومن الجدير بالذكر أنه، وبينما يبدو معهد بروكينغز غير مهتم -صراحة- بإسقاط الطائرات الروسية، يهتم غيره من ساسة أميركا، ومؤسساتها السياسية بذلك، ومن بينهم السيناتور الأميركي جون ماكين، الذي دعا –صراحة- إلى تسليح إرهابيين بصواريخ مضادة للطائرات، لإسقاط الطائرات الحربية الروسية.

 

ويقول ماكين في مقابلة على فوكس نيوز، عام 2015:

كنت سأفعل ما فعلناه في أفغانستان منذ سنوات عديدة، بإعطاء أولئك الرجال القدرة لإسقاط تلك الطائرات؛ تلك المعدات متوافرة.

وعندما طُلب منه توضيح تصريحه، حول من سيقوم بإسقاط الطائرات، أجاب ماكين:

الجيش السوري الحر، تمامًا كما كان الأفغان يسقطون الروس.

 

وفي الحقيقة؛ فقد استخدم الإرهابيون، ومن بينهم “الدولة الإسلامية” المزعومة، صواريخ مضادة للطائرات، أميركية الصنع، لإسقاط المروحية الروسية. وقد نقلت اليابان تايمز في مقالة لها بعنوان، “صواريخ أميركية تسقط مروحية روسية في سورية: تقرير”، أن:

طيارين روسيين قُتلا في سورية يوم الجمعة، بإسقاط طائرتهما بأسلحة أميركية، بحسب وكالة أنترفاكس الروسية للأنباء، نقلًا عن مصدر عسكري روسي.

ونقلت الوكالة أن، متمردين من جماعة الدولة الإسلامية، ضربوا مروحية هجومية من طراز Mi-25، بصواريخ أميركية الصنع، من طراز تاو الثقيلة المضادة للدبابات، وهو سلاح يتم توجيهه من محطة أرضية.

 

وسواءٌ؛ أكانت مصادفة استثنائية، أم فعل غدر يفوق التوقع، فإن النتيجة واحدة؛ فليس من مناطق حظر للطيران يجري العمل عليها تدريجًا، في أجزاء معينة من سورية – على الأقل، في ما يتعلق بالطائرات المروحية- ويعود ذلك كله إلى الأسلحة الأميركية، التي تنتهي “خطأً” في أيدي بعض الجماعات الإرهابية. حلم السيناتور ماكين بـ “رجال” –من الدولة الإسلامية- يسقطون الطائرات الروسية، تمامًا كما فعلت القاعدة في أفغانستان، قد أصبح واقعًا جزئيًا. ويبدو أن معهد بروكينغز يرغب بالتوسع في هذا الواقع.

 

خطة الملاذات الآمنة

في ما يتعلق بإقامة ملاذات آمنة، يزعم معهد بروكينغز في بحثه الأخير أنّه:

… يجب علينا دفع النقاش، حول ما تعنيه إقامة ملاذات آمنة حقًا. ولا أعتقد أنه ينبغي علينا البدء بإعلان إقامة ملاذات آمنة، وإنما محاولة المساعدة في إقامتها؛ حيث يحقق الأكراد مكاسب في شمال شرقي سورية، على سبيل المثال، وكذلك بعض القوى على الجبهة الجنوبية، لذلك، وإذا ما قامت الولايات المتحدة، بالتعاون مع حلفائها، بتسريع مشاركتها وتكثيفها على الأرض في تلك المناطق، يمكن ظهور ملاذات آمنة بصورة خاصة. والميزة المهمة لهذا النهج، أنه لا يتطلب وضع مصداقية أميركا على المحك، ولكنه يساعد الحلفاء المحليين لتحقيق النجاح، وتعزيزه، على الأرض.

 

وتجدر الإشارة هنا، إلى أنه، ولسنوات عدة حتى الآن، كشفت الولايات المتحدة –تدريجًا- النطاق الذي كانت القوات الأميركية تعمل فيه على الأرض في سورية، حتى إن معهد بروكينغز –نفسه- يلمح إلى حقيقة، أن القوات الأميركية موجودة على الأرض بالفعل، ويقترح “تكثيف وتصعيد” نشاطها، حتى يتم “إنشاء” الملاذات الآمنة المنشودة ببساطة.

 

وبطبيعة الحال، كان هذا ما حذَّر منه –لسنوات- محللون وحكومات، يعارضون التدخل الغربي في سورية، مع كشف صنَّاع السياسة الغربية –أخيرًا- الحقيقة الكاملة وراء وجود القوات الأميركية في سورية. فقد تم التحذير لسنوات من أن الجماعات الإرهابية، كتنظيم القاعدة، و”الدولة الإسلامية” المزعومة، ليسوا إلا ذريعة للتدخل الأميركي المباشر  -تدخل أميركي يختلق حربه ضد “الإرهاب”، ويقوم –بدلًا منها- بتقسيم الأراضي السورية، في سعي لإسقاط الحكومة، وتدمير البلاد، كما حدث في ليبيا.

 

وربما كانت مخططات معهد بروكينغز، وغيره من المراكز المروجة للسياسة الأميركية، لتنجح، لولا القرار الروسي بالتدخل المباشر، لمساعدة الحكومة المنهكة في سورية؛ فإن وجود الطائرات الروسية في الأجواء السورية، والقوات الروسية على الأرض، وتوسع النشاط الروسي في البلاد، لم يترك مجالًا كبيرًا لتقوم الولايات المتحدة بإقامة “ملاذاتها الآمنة”.

 

وبقدر مأسوية خسائر روسيا، في مواجهة إرهابيي الولايات المتحدة المسلحين، الذي يستخدمون صواريخ مضادة للدبابات لإسقاط المروحيات، لا يزال كم العمليات الروسية الموجهة في سورية، يدلِّل على هزيمة الطموحات الأميركية بتغيير النظام، إضافة إلى أن خلق دولة فاشلة يعني تغيير هذا النظام.

 

توني كارتالوشي، كاتب وباحث جيوسياسي، مقيم في بانكوك، خاص بـ New Eastern Outlook.

عنوان المادة الأصلي بالإنكليزية

 

US Think Tank Admits US Carving Out “Safe Havens” in Syria
اسم الكاتب بالعربية والإنكليزية

 

توني كارتالوشي

Tony Cartalucci

مصدر المادة أو مكان نشرها الأصلي

 

New Eastern Outlook
تاريخ النشر

 

8 آب/أغسطس

2016

رابط المادة

 

http://journal-neo.org/2016/08/08/us-think-tank-admits-us-carving-out-safe-havens-in-syria/
اسم المترجمفاتن شمس

Author

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق