قضايا المجتمع

السوريون وقانون الطوارئ التركي

بلا مقدّمات، وجد الأتراك أنفسَهم أمام واقعٍ جديد، ومعطيات جديدة، فُرضت عليهم عشيّة انقلابٍ فاشل؛ إذ تبدّلت بعض ملامح الحياة العامة، بما فيها الحركة اليومية، وانعكس هذا أيضًا على السوريين الذين لجؤوا إلى هذا البلد.

 

عاش السوريون ليلة الانقلاب، وما تلاها، حالة ترقّب وقلقٍ، بدت واضحة على الوجوه هنا، في تركيا، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، لكن، وبعد فشل الانقلاب، بدت واضحة حالة الارتياح العامة لديهم، واطمأنوا على أن شيئًا مما تعودوا عليه، لن يتغير، بما فيها الأمور القانونية التي تعنيهم.

 

أما وقد أعلنت الحكومة التركية، في 20 تموز/ يوليو 2016، حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، لمدة ثلاثة أشهر، جرى سريانها بدءًا من الساعة الواحدة من صباح الخميس، في 21 من الشهر نفسه؛ فإن السؤال الذي يطرح نفسه، هل سيتأثر السوريون، والبالغ عددهم قرابة ثلاثة ملايين لاجئ، بهذا القانون.

 

بداية، لا بد من توضيح أن الدستور التركي، لا يمنح الحكومة الحق في أن يتجاوز قرار إعلان حالة الطوارئ 6 أشهر، بينما يمكن للبرلمان أن يمدد هذه المدة 4 أشهر إضافيّة، إذا تقدمت الحكومة بهذا الطلب، وذكرت وكالة الأناضول أن المادة 119 من الدستور التركي تقول: إنه “يمكن إعلان حالة الطوارئ عند حدوث كارثة طبيعية، أو أزمة اقتصادية قوية، أو لدى انتشار حالات عنف، ووقوع اضطرابات خطيرة في النظام العام”، وهكذا، فإن إعلان حالة الطوارئ يشير إلى أن البلاد في حالة استثنائية، وعادة فإن قانون الطوارئ يعلن في الدول لمواجهة أخطار داهمة، يتم من خلال هذا القانون تجميد العمل بالقوانين المدنية العامة، أو التخفيف منها، وتوضع تحت تصرف السلطة الحاكمة، والتي بدورها تضع ما تراه ملائمًا من تلك القوانين بيد السلطة التنفيذية، مع صلاحيات واسعة لها، تتعلق بتوقيف الأفراد، والمداهمات، وأوامر التفتيش، وطرق التحقيق، وأيضًا التجوّل، والتجمّعات الشعبية والمظاهرات، ونشاط الأسواق وأوقاته، بما فيها الرقابة العامة الصارمة على المجتمع، بكل الوسائل المتاحة، وحتى الرقابة المالية، وحركة البنوك، وما إلى ذلك، وهذا يستمر حتى عودة الاستقرار إلى البلاد، وزوال الخطر.

 

وما يخص السوريين في تركيا، فإن وضعهم -بالأساس- استثنائي، وبقوانين وبطاقات تعريف استثنائية، وهي بطاقة “الكيملك”، والتي تُعد بطاقة التعريف عن اللاجئ، ما عدا من استطاع من السوريين الحصول على إقامة من نوع آخر، كالإقامة السياحية فرَضًا، وهي تُمنح لكل الأجانب الراغبين في البقاء أكثر من المدة القانونية التي تتيحها تأشيرة الدخول، وبالتأكيد من يملك إقامة سياحية، يستطيع التنقل بين الولايات والأقاليم التركية عبر المطارات، وفي البر بلا أي عقبات بشكل عام، وبذلك ينطبق عليه ما ينطبق على المواطنين الأتراك، في تنقّلهم من سماح أو منع، أما من يملك بطاقة “الكيملك”، فإن حاملها ومنذ أشهر عديدة، لا يستطيع السفر بين الولايات أو المحافظات، إلا بموجب موافقة أمنية، وللحصول على هذه الموافقة عليه أن يقدم طلبًا للأمن التركي صباحًا، إما أن يحصل عليها بعد ظهر اليوم نفسه، أو بعد مدّة، وهذا يتبع لأحوال كل ولاية، وبدأ العمل بهذا القانون، منذ انطلاق التفاوض التركي الأوروبي الأخير حول الدخول إلى الاتحاد الأوروبي، وينظر السوريون -هنا- إلى أن هذا القانون هو لمراقبة تحركهم، والتضييق عليه بما يشبه حالة الطوارئ، يضاف إليها أنه من يحصل على بطاقة اللاجئ (الكيملك) من مدينة محددة، لايمكنه العمل أو التداوي في المستشفيات، أو تعليم أبنائه وتسجيلهم في محافظة أخرى؛ وبذلك، فإن تطبيق قانون الطوارئ الأخير، لن يغير من واقع حال السوريين شيئًا.

 

السوريون الذين حُرموا من حريّاتهم العامة، ومن الديمقراطية في بلدهم، لعقود مديدة، في ظل قانون الطوارئ الذي حُكمت به سورية، ولا تزال، منذ 1963، تعودوا -هنا- على الحياة العامة المريحة في دولة ديمقراطية مثل تركيا، حيث إنهم قبل تطبيق قرار الموافقة الأمنية لتنقلهم، كانوا يجولون تركيا كلّها، دون أن يُوقفهم أحد، أو أن تُطلب منهم بطاقة، والقانون هنا يحكم الجميع دون تمييز، كما أنهم -من جانب آخر- اعتادوا على السّهر في الأماكن المفتوحة، وهي طبيعة السوريين بشكل عام، وقد وجدوا في عديد الحدائق التركية العامة ، وأيضًا، في الشواطئ الطويلة بكل خدماتها ليلًا نهارًا، متنفسًا لهم ولأولادهم، وهذا الموضوع لم يتغير عليه شيء حتى الآن.

 

ما يهمّ السوريين هنا، من غير التنقل والتجوال، هو العمل، وهذا لن يُمسّ؛ لأنه لا علاقة له بقانون الطوارئ، أما مسألة التجمعات، والتي هي -بالأساس- تتم تضامنًا مع ما يمر على بلدهم سورية، وهي دعوات تقوم بها منظمات سورية، فهي لا تتم بلا طلب موافقة من الولاية التي يقام فيها التجمّع، أي أن الحال سيبقى مستمرًا في إعطاء، أو حجب الموافقة لحسابات أمنيّة.

لا شك في أن قانون الطوارئ سيطبّق ليس على الأتراك فحسب، بل على المقيمين على الأرض التركية كافة، ومنهم السوريون، وهذا سيشمل مؤسساتهم العاملة بكل أنواعها، سواء أكانت خدميّة أم سياسية أم إعلامية وغيرها، وعلى هذه المؤسسات التزام القانون التركي والتعليمات الصادرة بهذا الشأن.

 

من الواضح أنه، ومنذ تطبيق قانون الطوارئ حتى الآن، لم يتغيّر شيء على يوميّات السوريين، وأن الحياة العامة في تركيا، وهي التي تمسّهم أيضًا، لم يحدث فيها تبدّل، ولذلك يمكن القول بشكل عام: من المستبعد أن يتغيّر شيء بشكل ملموس على حياة اللاجئين السوريين هنا، ومن المهم للاجئين أن يتقيّدوا ببعض النصائح العامة، والمعروفة سلفًا؛ لتجنب أي إشكال، ويمكن إيجازها بجمل بسيطة، وهي أن لا يخرج السوري من بيته بلا بطاقةٍ أو أوراق تثبت شخصيّته، وأيضًا عدم المشاركة في التجمّعات أو الاحتجاجات الأهلية والسياسية، وما إلى ذلك؛ كونها تخص شؤون مجتمع لا علاقة له بها، بما فيها عدم التجمهر لأي سبب يخصّ سورية، دون الحصول على الموافقة المطلوبة، إضافة إلى ضرورة عدم التأخر في الحدائق والمتنزهات، وعدم التجوّل إلى ساعات متأخرة من الليل، والتعاون مع السلطات التركية، بما يضمن السلامة العامة للأفراد، بحسب القوانين المرعيّة، مع ضرورة الاطلاع الدائم على ما يستجد من قوانين وتعليمات والتقيّد بها، وهذا -بالذات- ما يجب على المؤسسات السورية متابعته وترجمته، وجعله في متناول السوريين؛ كونهم -بغالبيتهم- يجهلون لغة البلد.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق