تواجه الحكومة السورية الموقتة، المُشكّلة حديثًا برئاسة د. جواد أبو حطب، تركةً ثقيلة من الملفات المعقدة على الصعيد الداخلي، من نظيرتها السابقة، والتي تعرّضت لسيلٍ من الانتقادات، إضافة إلى طبيعة المهمات التي من المفترض أن تتصدى لها الحكومة الجديدة على صعيد الداخل السوري، الذي يواجه أوضاعًا صعبة جدَّا، سواءً ما يتعلق بحاجات المناطق المحاصرة، أم ما تحتاجه معظم المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، من جنوب البلاد إلى شمالها، من خدمات على صعيد البنى التحتية أو الفوقية، ولا سيما قطاعات الصحة والزراعة والتعليم وغيرها، لإنقاذ ما تبقى من موارد في سورية، دأب النظام -ومايزال- على تدميرها، في إطار سياسة اغتيال إمكانات الحياة داخل تلك المناطق.
في هذا الجانب، أكد الدكتور جواد أبو حطب، رئيس الحكومة السورية الموقتة، في حديث خاص لـ (جيرون)، أن العمل جارٍ ضمن أطر الحكومة على تحديد الأولويات، في ما يخص الداخل السوري من الجنوب إلى الشمال، وقال: “بدأت الحكومة خلال الأسابيع القليلة الماضية، بعد نيلها الثقة، العمل على تأسيس وهيكلة مقرات الرئاسة والأمانة العامة والوزارات داخل الوطن، من درعا إلى حلب، تزامنًا مع العمل لتأمين الموازنات اللازمة لعمل الحكومة في المناطق كافة، خلال الفترة القريبة المقبلة”.
حكومة خدمات أم حكومة بصلاحيات سياسية؟
كثيرًا ما شكل عدّ الحكومة بوصفها حكومة خدمات، لا علاقة لها بالشأن السياسي، موضع خلاف، أو جدل، داخل أطر الحكومة نفسها، أو مؤسسات المعارضة بشكلٍ عام، وجعلها تتعرض لبعض الانتقادات؛ لتدخلها في الشؤون السياسية التي تُعدّ خارج نطاق اختصاصاتها، ولا سيما بعد البيان الصادر عن رئيسها، المتعلق بمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، وحول هذا الموضوع، قال أبو حطب: “المقصود بحكومة الخدمات، أنها جهة تُدير وتُقدم الخدمات في مختلف القطاعات (التعليمية والصحية والكهرباء وغيرها من حاجات الحياة الأساسية)، إضافةً إلى سعيها المستمر لضمان استمرار عمل مؤسسات مهمة، (الزراعية) مثلًا، وبالفعل قدمت الحكومة -خلال الفترات السابقة- خدمات كثيرة، في هذا النطاق، لمختلف المناطق المحررة، على الرغم من كل الصعوبات، وهنا لا بد من التنويه إلى أن أهم ما تعمل عليه الحكومة حاليًا، توحيد الصفوف وإعادة الهيكلة وفق منظومة دولة، بالمعنى الحرفي للكلمة، وتوجيه بوصلة الثورة في الاتجاه الصحيح الذي يضمن كرامة الإنسان، ويحقق العدالة الاجتماعية للجميع، ويقود نحو محاسبة كل من تعدى على السوريين”، أما في خصوص الانتقادات الموجهة إلى الحكومة على خلفية البيان، عشية المحاولة الانقلابية في تركيا، والذي عدّه بعضهم تدخلًا سياسيًا سافرًا، ليس من اختصاصات الحكومة، قال: “بالتأكيد هذه حكومة خدمات، مهمتها تقديم الدعم للمجتمع السوري، بما يضمن تعزيز صمود السوريين على أرضهم وإنجاح ثورتهم، ومن هنا بالذات، كان لا بد أن يكون لنا موقف يدعم الشرعية في تركيا؛ لأن ذلك ينسجم مع ثورتنا، فشعبنا تعرض للقتل والتهجير بفعل سياسات العصابة الحاكمة، والميلشيات المساندة لها وروسيا، وعانى من نفاق دولي واضح، فكيف نرى الإخوة في تركيا يتعرضون لما تعرضنا له ونصمت، بهذا المعنى كان لا بد للحكومة من موقف في وقتٍ غابت فيه مواقف الآخرين”.
مهمات الحكومة الموقتة
أكد أبو حطب أن أولويات الحكومة بناء المؤسسات والهياكل اللازمة خلال مرحلة انتقالية، تقود نحو الانتقال إلى مرحلة الدولة، وفق خططٍ استراتيجية خلال السنوات العشر المقبلة، وأوضح: “من المهمات التي نعمل عليها أيضًا إعداد وبناء الكوادر المؤهلة لبناء الدولة، وفي هذا الجانب نحن بحاجة إلى آلاف العاملين، في مختلف المجالات الطبية والفنية والأكاديمية، كذلك نحتاج إلى ضباط الشرطة والجيش وغيرهم؛ للمساهمة في إعداد كوادر داخل الوطن، مهمتها إعادة إعمار سورية من جديد”.
وعن المشاريع التي تسعى الحكومة لتنفيذها خلال العام الحالي، قال أبو حطب: “تسعى الحكومة لتنفيذ العديد من المشاريع، إضافةً إلى إعادة هيكلة المؤسسات، منها دعم جامعة حلب وتوسيع فروعها، وإنشاء بعض المؤسسات كمعهد القضاء، ومجلس التعليم العالي، ومعهدًا لإعداد الكوادر، إلى جانب دعم القطاع الزراعي، وإنشاء وتفعيل وحدة البحث الزراعي، وإنشاء كليات باختصاصات مختلفة في الجنوب، والبدء بإنشاء السجل المدني، إضافة إلى تأسيس ودعم المخابر الصحية على الحدود؛ لمراقبة المواد الطبية والأدوية الزراعية الداخلة إلى البلاد، وإنشاء مجلس قوى الأمن الداخلي، وأخيرًا إنشاء إدارة قضائية؛ لضبط وثائق الوكالات والولادات والوفيات وحصر الإرث، وكذلك إنشاء معهد الطب الشرعي والنيابة العامة؛ لتنظيم وضبط وثائق الزواج”.
علاقة الحكومة بالفصائل
أكد أبو حطب -كذلك- أن الحكومة “تعمل على الأرض ضمن مسار الحياة اليومية، وبالتالي، فالخدمات الصحية والتعليمية يستفيد منها الجميع، وليست بحاجة إلى محددات؛ لأنها خدمية، والجميع يُرحب بها ويحتاجها، وبالطبع، فإن الفصائل العسكرية في السياق ذاته؛ لأن كوادر تلك الفصائل لها أسر وأطفال، وهي مثل غيرها، تستفيد من الخدمات التي تقدمها الحكومة؛ لأنها جزء من المجتمع السوري، وخدماتنا للجميع وليست لطرفٍ دون أخر”، واختتم بالقول: “إن مؤسساتنا موجودة على الأرض كالمجالس المحلية وشركائنا في منظمات المجتمع المدني، ويمارسون دورهم بشكلٍ متقدم، ولا سيما بعد تنظيم وضبط العلاقة مع الحكومة الموقتة، وكان للحكومة مشاركة لفك الحصار عن حلب، بعد إطباق الحصار على أحيائها الشرقية، نهاية الشهر الماضي، من خلال بعض الوزراء الموجودين على الأرض، ويقدمون الخدمات بشكلٍ طبيعي كالمعتاد، وهو عمل دائم ومستمر على الأرضي السورية كافة”.