الحاجة إلى تأمين مقعد دراسي لعدد كبير من الطلاب السوريين، المنقطعين عن التعليم العالي، ووجود عدد لا بأس به من المنتقلين من المرحلة الثانوية إلى الجامعية، دفعت مجموعة من الأكاديميين السوريين إلى تأسيس جامعات عربية خاصة في تركيا، تُوفّر هذه الجامعات، إضافة إلى فرص الدراسة، فرص عمل للأساتذة الجامعيين الذين انقطعوا -هم أيضًا- عن عملهم.
لكن إحداث هذه الجامعات في بلد غريب ليس بالأمر السهل، وتعترضه عقبات كثيرة، تأتي في مقدمتها العراقيل القانونية، وضبابية الهوية، وصعوبة تأمين الكادر التعليمي المتنوع والكامل.
في هذا السياق، أفاد حسن جبران، وهو أستاذ جامعي سابق في جامعة “الزهراء” الخاصة في ولاية غازي عينتاب أن “مشروعًا تعليميًا ضخمًا ومهمًّا كالجامعة، احتمالات نجاحه في بلدان اللجوء قليلة؛ لأن الجامعة تحتاج إلى إمكانات مادية وكوادر تعليمية كبيرة، ليس من السهل توافرهما في المهجر، فمن الناحية المادية، لا نستطيع الاعتماد على رسوم الجامعات؛ لأن الطلاب بحالة مادية سيئة، والكوادر التعليمية -أيضًا- ليست متوافرة كما يجب؛ ففي تجربة جامعة الزهراء، كان هناك غزارة في اختصاصات معينة ونقصٌ في أخرى”.
إيجابيات يُبنى عليها
لا ضير من توفير فرص التعليم العالي لأعداد كبيرة من الطلاب السوريين المنقطعين، وبحسب دراسة تقريبية، صادرة عن وزارة التعليم العالي؛ فإن هناك أكثر من 150 ألف طالب، انقطعوا عن جامعاتهم، وتتجاوز أعداد الطلاب المتدفقين إلى الجامعة من الثانوية العامة، الـ 50 ألف طالب سنويًا، وجزء كبير منهم لا يحظَ بفرصة الانتساب لجامعات تركية، لصعوبة شروطها.
توفّر هذه الجامعات -أيضًا- فرص عمل للأكاديميين الذين تركوا عملهم في الجامعات السورية قسرًا، وأغلبهم لم يحظَ بفرص عمل تلائم مستواهم التعليمي، فامتهنوا مهنًا صعبة ومؤذية، لا تليق بهم على المستوى المادي والاجتماعي.
الإيجابية الأهم، وحسب جبران “تأسيس أكاديمية علميّة بروح جديدة في بيئة نظيفة، ليس فيها مكان لرقابة الأمن وأجهزة المخابرات، والتشوهات التي فرضها الحزب الواحد على السلك التعليمي”.
أخطاء لا يمكن تجاهلها
تُتّهم هذه الجامعات بالتحزّب وبالتلون الأيديولوجي والفساد؛ وبالتالي، لا تستقطب شريحة واسعة من الطلاب، ويُعدّ غياب الاعتراف العلمي من أهم المشكلات التي تعاني منها، فبعض هذه الجامعات ليست متعاقدة مع جامعات أخرى، وبعضها الآخر، حتى لو كانت حاصلة على الاعتراف العلمي من جامعات متفق عليها عالميًّا، فإن مستقبل الطلاب الذين يدرسون فيها بتركيا ليس على ما يرام، لأن الحكومة التركية تمنع خريجي هذه الجامعات من مزاولة المهنة.
وتقول ميسون. ب، وهي طالبة في جامعة الزهراء “وصل الاعتراف العلمي إلى جامعتنا، المُنشأة قبل نحو ثلاث سنوات، منذ خمسة أشهر فقط، ومع ذلك، كان هناك توافدٌ جيّد، وأعداد كبيرة من الطلاب المسجلين طوال الأعوام الثلاثة الماضية، وهناك عدد كبير من الطلاب حصلوا على منحة ودخلوا الجامعة”، وبحسب ميسون، فإن رسوم الجامعة “مقبولة وليست عالية، تصل إلى ألفي دولار أميركي في السنة، وكون التجربة لا تزال في بداياتها، فإن نتائجها إلى الآن جيدة”.
الهوية الإسلامية السائدة
من خلال محاولتنا التواصل مع مجموعة من الطالبات اللواتي التحقن بجامعات تركية خاصة، تبين عدم رغبتهن في الحديث، ورفضن بطريقة “متعصبة”، لا تعكس سلوك طالبات جامعيات واعيات، حتى أن واحدة منهن وصفت الجامعة التي تدرس فيها بـ “المجمّع”، وفي حديث مع قمر. م، وهي طالبة التحقت بجامعة طرابلس فرع (غازي عنتاب) لفصل واحد، أكدت أن “الفرع لا يوجد فيه تخصصات، المتوفر دراسات إسلامية فحسب، والهوية إسلامية بحتة، ولا يوجد فيها أي مجال للتنوع الفكري، أو استيعاب حالات غير مشابهة للخط العام”.
ووفقًا لشهادات بعض الطلاب، فإن الكادر التعليمي في أغلب هذه الجامعات جيد ومتعاون، ولكن المشكلة في الإدارة التي تفرض خطًا أيديولوجيًا، يسهم في تكريس أفكار خاطئة ومغلوطة، في مكان ينبغي أن يكون أكثر بعدًا عن التشنج والتعصب، لأي فكرة أو منهج، وتسمح الحكومة التركية بتأسيس جامعات سوريّة على أراضيها، دون الاعتراف بالشهادات الصادرة عنها علميًا، ولم تستطع كل جهات المعارضة، المقيمة في تركيا، التأثير في العملية التعليمية العالية إيجابًا، فكان موقفها أقرب إلى المشاهد والمحايد.
في الوقت الذي يتطلّع فيه السوريون إلى عملية تعليمية نظيفة، لا يُعكّر صفوها شيء، تُعوّضهم عما خسروه من تعليم في بلدهم، يواجهون الآن مؤسسات تعليمية عالية، تشوبها العيوب، وتشوش مهماتها التوجهات الأيديولوجية والتوجيهية التعبوية، التي ستؤثر -دون شك- على تكوين من يتخرج منها في السنوات المقبلة.