حصد ديوان “الموت لا يُغوي السُّكارى” للشاعر السوري المقيم في باريس عمر يوسف سليمان، جائزة الكاتبة إميلي مورا، لهذا العام، وذلك في مدينة “كليرمون- فيران” الفرنسية؛ حيثُ أعلنت لجنة التحكيم عن فوز الديوان بتصويت ثمانية من أصل عشرة كتاب فرنسيين.
صدر ديوان “الموت لا يغوي السكارى” باللغتين العربية والفرنسية، عن دار “لوراي دو لو” في باريس، (الترجمة الفرنسيّة أنجزها كل من المُترجم الفرنسي ليونيل دوناديو، والشاعرين: المغربي طاهر البكري، والسوريّة عائشة أرناؤوط). وجاء في 106 صفحات من القطع المتوسط، متضمنًا أربعًا وعشرين قصيدة متفاوتة الطول، مكتوبةً بين عامي 2012- 2013م.
– سيرةُ المكان الأوّل
ثمّة رائحة ترابٍ ممزوجٍ بالدمِّ نشتمّها من قصائد الشاعر السوري، عمر يوسف سليمان؛ قصائدهُ القادمة من مكانٍ ليس ببعيدٍ، ولم يعد سريًّا في زمن النار والبارود.
في هذا الديوان، تبدو القصيدةُ أقلّ صخبًا وأكثر حميميّة في تدوينها لسيرة المكان الأوّل، حيثُ الطفولةُ والقسوةُ -على أشدّهما- في درفةٍ واحدة.
من جهةٍ أخرى، نجد القصائد بتحرّرها من براثن الأوزان، “أقفاص الفراهيدي الستة عشر للشِعر” على حد تعبير الراحل نزار قبّاني، تَميلُ أكثر إلى الحكمةِ والتأمّلِ، في مُحاولةٍ دؤوبة من الشاعر للنزوح نحو الجديد والمُبتكر من الأفكار والرؤى، والتأسيس لمعجم شِعري مختلف وخاصّ به.
في قصيدة بعنوان (جماليّات)، يقول: “أجمل البلادِ/ تلك التي لا تُذكرُ في نشراتِ الأخبارْ/ أجمل المُدُنِ لا تُلمعُ فيها أوسمةُ النصرِ/ لأنها لم تستقلَّ/ لأنها لم تُحتَلْ/ أجمل القرى:/ الخالية من السائحينَ والبترولِ والدِّيَكة/ أجملُ شمسٍ لا تشرقُ أو تغربُ على أحَدْ”.
– محاورة الواقع المؤلم
يأتي الديوان في أربعة أقسام هي: (في كل شيءٍ لكنه لا يجيء، لم أزلْ هوَ، القذيفةُ سمكةٌ خانها البحر، وسرُّ الغواية)؛ ولعلّ الثيمة الرئيسة للقصائد تكمن في محاورتها للواقع السوريّ المؤلم، وما آلتْ إليه من مأساة يصعب وصفها، وعلى الرغم من محاولة الشاعر في عدم الانزلاق إلى اللغة السطحيّة المباشرة في تناول اليوميّ من مشاهد العنف والدمار، إلا أنّ الديوان، ومنذ القصيدة الأولى، يذخر بمفردات، غدتْ الأكثر تداولًا وغايةً في القساوة، من مثل: الذبح، “القذيفة، الموت، البنادق، الاشتباك، الرصاص، المجزرة، البارود، “المشنقة…إلخ”. في قصيدة بعنوان (لم أعدْ أحدًا)، يقول: “هذه قريتي/ إنما أينَ الحجارةُ المغسولةُ بالدخانِ؟/ وأينَ رائحةُ البارودِ القريبة؟/ أينَ أخي وقد كنا واقفَين على الشرفةِ بانتظارِ الذبحْ؟/ أينَ أصابعُ الأطفالِ الممزقةِ؟/ هل أخطأتِ القذيفةُ دربها اليومَ؟/ أم أن رصاصةَ قناصٍ أصابتْ ذاكرتي؟”.
– الجائزة المفاجأة
وقال سليمان في حديثٍ خاص لشبكة جيرون الإعلاميّة بهذه المناسبة: الجائزة كانت مفاجئة لي، فقد راسلني مدير مركز ثقافي في مدينة “كليرمون- فيران” طالبًا ثلاث نسخ من ديواني، ولم تكن هناك معرفة بيننا، وبعد شهرين -أي في مايو/ أيار- أخبرني بأن لجنة تحكيم جائزة أميلي مورا قررت منحي الجائزة، وهي تتألف من عشرة كتاب فرنسيين، صوت ثمانية منهم على اختيار “الموت لا يُغوي السكارى”.
وتابع سليمان: أسعدني الخبر، وسط الدمار السوري، وبعدنا عن بلادنا المنكوبة، يبقى الإبداع ملجأً من كل هذا الألم، وللجائزة قيمة أدبية أولًا؛ فهي تُمنح سنويًا لديوان شعر بالفرنسية، وهي المرة الأولى التي يحصل عليها شاعر سوري، كما أن لها قيمة مادية.
– أميلي مورا
جديرٌ بالذكر أنَّ إميلي مورا (1988-1940) شاعرة وروائية فرنسية، من أعمالها الروائية: (إلهي الوحش والبيت السعيد ووردة بيضاء) والشعرية: (العاطفة وعشية التنهد)، أما الجائزة فقد تم إطلاقها منذ عام 1953 من قبل أصدقاء الراحلة، وتُمنح لديوان شِعري سنويًا.
والشاعر سليمان، من مواليد ريف دمشق 1987، نال جوائز شعرية داخل سورية وخارجها، وشارك في مهرجان (شعراء في باريس) عام 2013. صدرت له عدّة دواوين شعرية: (ترانيم الفصول، أغمضُ عينيَّ وأمشي، لا ينبغي أن يموتوا، والطفل المنسيّ). إضافةً إلى كتاب سرديّ بعنوان (انسَ دمشق).