سورية الآن

قمة أردوغان – بوتين.. أين جلست سورية؟

احتلت زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى روسيا، ولقاؤه بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، واجهة الأحداث السياسية الدولية أخيرًا، ففي 9 آب/ أغسطس، احتضنت مدينة سان بطرسبورغ الروسية تلك القمّة، التي لو جرت قبل عشرة أشهر ، أي قبل اليوم الذي تم فيه إسقاط تركيا مقاتلة روسية على الحدود التركية السورية، في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2015، لمرّ خبرها ضمن الأخبار المتداولة بشكل اعتيادي.

 

جاء الاهتمام بهذه الزيارة كونها أول زيارة خارجية للرئيس التركي، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في 15 تموز/ يوليو الفائت، وما تلاها من توتر في العلاقات التركية – الأميركية؛ بسبب مطالبة تركيا السلطات الأميركية، بتسليمها الداعية التركي، عبد الله غولن، الموجود في الولايات المتحدة، وأيضًا بسبب التوتر التركي – الأوروبي؛ لأسباب تتعلق بأثر المحاولة الانقلابية على الاتفاقات التركية – الأوروبية، خاصة أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي.

 

نقلت وكالة الأناضول للأنباء أن الرئيس التركي أعرب، خلال لقائه ببوتين، عن ثقته بأن تضامن تركيا وروسيا، سيساعد على حل المشكلات في المنطقة، وأن العلاقات الروسية – التركية دخلت في مرحلة إيجابية جديدة، حُددت لها أهداف كبيرة، ونقلت عنه -أيضًا- قوله – للرئيس بوتين: “أؤمن بأن العلاقات الروسية – التركية ستدخل مرحلة مختلفة، وأن اتصالكم بنا عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة، أسعد شعبنا”، ومن جهته، قال الرئيس الروسي: “إن العلاقات الثنائية بين البلدين مرت بمراحل مختلفة، لكن منطق الاحترام المتبادل كان يتغلب دائمًا”، وأضاف: إن موسكو وأنقرة ستوليان الاهتمام الخاص بزيادة الاستثمارات، والتبادل التجاري، مؤكدًا أن الحكومتين تتمتعان بدعم أوساط الأعمال في هذا الاتجاه”.

 

القمة والعلاقات الاقتصادية المشتركة

من المرجّح أن يكون لهذه الزيارة أبعاد مستقبلية عدّة، خاصة على الصعيد الإقليمي، فإن كان الموضوع السياسي طغى على إطارها العام، فلا شك في أن الموضوع الاقتصادي سيكون من الأولويات، وهذا ما رآه العديد من المحللين والمتابعين، فقد أُوقف العمل بعدة اتفاقات ثنائية بين البلدين، عقب إسقاط الطائرة الروسية، حيث توترت العلاقات بشكلٍ واضح بينهما، وربما كانت أهم المشاريع التي توقفت خط الغاز الروسي، المسمّى بـ “السيل التركي”، والذي سينقل الغاز الروسي عبر تركيا إلى أوروبا، علاوة على قطاع السياحة، والاستثمار في المشاريع المشتركة في هذا القطاع بين البلدين، وكذلك المشاريع التجارية، ومن أهمها التبادل الزراعي الذي وصل -وحده- إلى أكثر من ستة مليارات دولار سنويًا، وأيضًا مشروع بناء المحطة النووية في تركيا، والتي قُدّرت تكلفته بـ 25 مليار دولار، وكان حجم التبادل التجاري بين البلدين قد بلغ، في العام 2014، نحو 31 مليار دولار.

 

يُشار إلى أن أردوغان كان قد توقّع زيادة حجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا؛ ليصل إلى 100 مليار دولار عام 2023، وكان هذا في لقائه بالرئيس الروسي بوتين، عقب افتتاح جامع موسكو الكبير في 23 أيلول/ سبتمبر 2015، قبل أن تتوتر العلاقات بين البلدين.

 

سورية الحاضرة في القمة

لا شك في أن الأوضاع في سورية، تبقى لها الصدارة في أي اتفاقات، قد تُعقد بين روسيا وتركيا، أيًا كان طابعها، وذلك لانخراط البلدين في ما يجري على الأرض السورية، بشكل أو بآخر، فتركيا التي استقبلت قرابة 3 ملايين لاجئ، تربطها مع سورية حدود طويلة مشتركة، إذ إن الجغرافيا تفرض نفسها، كونها واقعًا لا يمكن تغييره، كما تُعدّ تركيا إحدى أهم الدول الداعمة لثورة السوريين ضد النظام، ويوجد على أرضها أغلب مؤسسات المعارضة السياسية، وهي -أيضًا- أعربت عن قلقها من تحرك بعض الأحزاب الكرديّة العاملة في الشمال السوري، وطموحها في تشكيل كيان كردي يهدد أمنها، بينما أنشأت روسيا قواعد عسكرية لها على الأرض السورية، وهي تُقاتل -بشكل مباشر- مع النظام السوري، وطيرانها يقصف -بشكل مكثف- في شمال البلاد، وخاصة في محافظة حلب، وهذا الأمر أشار إليه الرئيس أردوغان بقوله: “من دون مشاركة روسيا، من المستحيل إيجاد حل للمشكلة السورية” وفق وكالة تاس الروسية.

ربما توجّه هذه الزيارة رسائل تركية – روسية مشتركة، من البلدين إلى أوروبا وأميركا، وأيضًا رسائل تعني كل بلد بما يخص علاقته مع أوروبا وأميركا، إن كان اقتصاديًا أم سياسيًا أم عسكريًا، لكن، يظل السوريون اللاعب الأهم الذي حضر في كواليس المحادثات، فالثورة تفرض نفسها إقليميًا ودوليًا، ومصالح البلدين أصبحت ترتبط -مباشرة- بما يجري في بسورية، إن كان لجهة الحرب المعلنة على الإرهاب، وطبيعة تلك الحرب، أم لجهة الملفات المختلفة، والتي تتعلق بالموقع الجيوسياسي لسورية.

 

الهدنة التي لم تحترمها روسيا

يترقب السوريون نتائج هذه القمة على أرض الواقع وليس بالبيانات المشتركة، فروسيا الداعمة لنظام الأسد بكل ثقلها السياسي والعسكري، ما زالت لا تشكل في قناعاتهم شريكًا يطمئنون إليه بصنع انتقال سياسي، فالروس، ومنذ الإعلان عن محادثات جنيف، وعدّ أنفسهم رعاة مفاوضات مع أميركا؛ لأجل التوصل إلى مرحلة انتقالية في سورية، متوازية مع تثبيت هدنة على الأرض، كان من المفترض أن تبدأ منذ 27 شباط/ فبراير الماضي، كانوا طرفًا في خرق تلك الهدنة، ولم يحصل السوريون -منذ ذلك التاريخ- على أي نتائج، يمكن البناء عليها، أو أي بادرة نية روسية طيبة، بل ازدادت وتيرة العدوان الروسي على المدن والمناطق السورية، وبات السوريون في مواجهة غير متكافئة، مع النظام والميليشيات الطائفية والقوى الدولية الداعمة له، ولم يُمنح المدنيون أي حماية من المجتمع الدولي، حتى الآن، وعلى هذا؛ فإن قياس نتائج الزيارة على الأرض، بالنسبة للسوريين، ما زال من المبكر تلمسه، لكن تقدّم الثوار في حلب، ورفع الحصار عن المناطق المحررة، وكذلك تحرير كليات ومدارس عسكرية مهمة، كانت تعد نقاطًا استراتيجية مهمة للنظام، سيكون له أثره في أي ملفات يمكن فتحها، أو العمل عليها، خاصّة بعد الإعلان عن اجتماعات رفيعة المستوى، ستتم بين قيادات أمنية وعسكرية من البلدين، خلال الأيام اللاحقة، لكن من المرجّح أن ما قبل هذه القمة، ليس كما بعدها، إن كان سوريًا أو ربما إقليميًا.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق