تحقيقات وتقارير سياسية

المحاصصة: خيار مُدمّر للدولة والمجتمع يُخشى تمريره

مع دخول الثورة السورية عامها الخامس، وتراجع احتمالات فرص الحسم العسكري، خاصة في ظل السعي الدولي إلى إيجاد حل سياسي برعاية أممية، بدأ التفكير بالسيناريوهات المحتملة لشكل ومضمون الحل السياسي، ومن أخطر السيناريوهات التي تم تداولها استناد الحل السياسي إلى نظام المحاصصة الطائفية والعرقية، وهو أنموذج اعتُمد -بشكل أو بآخر- لتهدئة بعض بؤر التوتر في المنطقة، كلبنان والعراق وأفغانستان، وحتى في البوسنة والهرسك، وحظي -في كثير من الأحيان- بتأييد وتغطية إقليمية وأممية، على الرغم مما يحمله هذا الحل من بذور تفسخ كيان هذه الدول وهويتها الوطنية.

النظام السوري ليس بعيدًا عن المحاصصة
على الرغم من أن النظام السوري، طوال فترة حكم الأسد الأب والابن، كان نظامًا شموليًا، لكنه كان يمارس صيغ المحاصصة بشكلٍ أو بآخر، دون أن يكون هناك نص دستوري، يدعو صراحةً لهذه المحاصصة.

وفي هذا السياق يقول الصحافي السوري، محمد أمين، في تصريح لـ (جيرون): ” منذ استيلاء حافظ الأسد على السلطة، إثر انقلابه العسكري في عام 1970، أدخل إلى الدولة السورية مفهوم المحاصصة الطائفية والمناطقية بشكلٍ صارخ، على الرغم من الشعارات المزيفة التي كان يطلقها، حيث كان النظام -ولا يزال- يراعي مسألة المحاصصة الظاهرية من خلال المناصب الحكومية؛ إذ كان يعطي رئاسة السلطة التشريعية (مجلس الشعب)، والتنفيذية (مجلس الوزراء)، لشخصيات من السنّة، ويقوم بتوزيع الحقائب الوزارية بناءً على حساباتٍ مذهبية، وطائفية، وعرقية، مع إعطاء الطائفة العلوية، والتي تتراوح نسبتها بين 5 و10بالمئة من عدد السكان، نصيبًا أكبر من حجمها في الوزارات والمؤسسات الحكومية والنقابات”.

هذا على الصعيد الحكومي، أما على الصعيد العسكري والأمني (وهو الأهم والمتحكم بكل شيء)، كان لأبناء الطائفة العلوية المقربين من عائلة الأسد النصيب الأكبر من المناصب الحساسة والمفصلية، حيث لم يراع الأسد -هنا- مسألة المحاصصة؛ مخافة الانقلاب على حكمه، وخلاصة القول أن نظام الأسد قام على محاصصة في المناصب الحكومية، من خلال تعويم شخصيات هزيلة من طوائف وعرقيات سورية، وإمساك مطلق بالجانبين العسكري والأمني من خلال ضباط، ينتمون إلى الطائفة العلوية”.

احتمالات تطبيق نظام المحاصصة الطائفية في سورية
مع تطور المشهد العسكري في سورية، وظهور لاعب جديد على الساحة العسكرية، والمتمثل بميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية، الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، والذي استطاع خلال الفترة الماضية السيطرة على مناطق واسعة في الشمال السوري، بمساعدة طيران التحالف الدولي، بحجة الحرب ضد تنظيم داعش، إضافة إلى ما أعلنه بشار الأسد عما أسماه بـ “سورية المفيدة” الذي رأى فيه كثير من المراقبين صيغة لإقامة كانتون علوي، في حال فُرضت أي تسوية سياسية في سورية، بات الحديث عن إقامة نظام سياسي قائم على مفهوم المحاصصة أكثر خطورة، خاصة أنه تزامن مع انطلاق مباحثات جنيف.

وفي هذا الخصوص، قال عبد الله تركماني لـ (جيرون): ” من حيث المبدأ هناك عدة سيناريوهات للمسألة السورية، وأحد هذه السيناريوهات المحاصصة الطائفية والعرقية، ولكن هذا السيناريو مرهون بالتوافق الدولي والإقليمي، وغير مرتبط بإرادة القوى على الأرض، فما يحدث في سورية -الآن- هو في طور إدارة الأزمة، بانتظار نتائج الانتخابات الأميركية”، وأضاف: “إن إيران هي أكثر من سيستفيد من هذا الحل، وهي من تدعم مشروع ما يسمى “سورية المفيدة”؛ للمحافظة على مصالحها”.
أما رياض نعسان أغا، المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات، فقد نفى لـ (جيرون) وجود أي طرح للمحاصصة الطائفية من أي جهةٍ كانت في مفاوضات جنيف، منوهًا في الوقت ذاته “أن بيان مؤتمر الرياض واضح بهذا الخصوص، وأن الكلام عن مشروع الشرق الأوسط الجديد فيه كثير من المبالغة”.

في حين يتفق الصحفي السوري محمد أمين مع هذا الرأي؛ حيث يستبعد إمكانية تطبيق المحاصصة الطائفية والعرقية في سورية؛ لأن أغلب المجتمع السوري -في رأيه- “يرفض هذه الفكرة، فالتركيبة السكانية في سورية لا تتلاءم مع هذا الطرح، لأن العرب السنة يشكلون أغلبية السكان في سورية، عكس بقية الدول التي طُبّق فيها نظام المحاصصة كالعراق ولبنان، والتي تتقارب فيها -إلى حد كبير- نسب الطوائف والعرقيات”، وأضاف محمد أمين: “ليس الثوار وحدهم من يرفضون فكرة المحاصصة، فالنظام أيضًا يرفض هذا الشكل من المحاصصة، القائم على تقاسم السلطة، وممارساته على الأرض تؤكد ذلك، فمازال النظام إلى اليوم يقاتل في معظم المحافظات السورية، فهو إن كان يمارس صيغة من المحاصصة، لكن تحت سقف السلطة المطلقة للحكم العائلي لبيت الأسد، كما أنه يخشى فقدان ما تبقى له من مؤيدين؛ لأنه سيظهر بمظهر المؤيد لتقسيم البلاد، وهو لا يزال يدعي أنه الضامن لوحدتها”.

يرى بعضهم أن الكلام عن إمكانية فرض نظام المحاصصة، كأحد الصيغ لـ “الحل” في سورية مبكرًا، ويرى بعض آخر أنه صعب، وربما مستحيل، لكن التجارب المريرة السابقة مع نظام المحاصصة الطائفية والعرقية، والذي فُرضَ في أكثر من دولة في المنطقة، تجعل من الخطأ تجاهل إمكانية فرضه بتوافق إقليمي ودولي، بل على العكس، يجب أن يكون هناك تفكير منطقي، وعمل جدي على كل المستويات؛ لمنع تمرير مشروع كهذا في هذه الفترة المفصلية، خاصةً بعد أصبح جليًا حجم الكوارث المترتبة على تطبيق هكذا، في أكثر من دولة من دول المنطقة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق