انخرط المعلم في أحداث الثورة السورية، وتعرض ككل أبناء سورية (وربما أكثر من غيره) للظلم والقتل والتعذيب في السجون السورية، وكغيره من اللاجئين السوريين، هُجّر من بلاده من جراء تزايد القصف الوحشي لقوات النظام السوري على المدراس والمؤسسات التعليمية.
وعلى الرغم من تطورات الحرب في سورية، لم يغب المعلم السوري عن العملية التعليمية، إنما أدى دوره على أكمل وجه فيها، وخصوصًا في دول اللجوء، فمنذ موجة اللجوء الأولى إلى تركيا عام 2011، قام عدد من المدرسين بمبادرة تطوعية للتعليم داخل المخيمات التي خُصصت لاستقبال اللاجئين السوريين في تركيا.
إلا أن هذه الروح المعطاءة للمعلم سرعان ما واجهت عوائق كثيرة، أثرت في دور المعلم ومن ثم في جودة العملية التعليمية للاجئين السوريين في تركيا.
أول تحدٍ واجهه المعلمون بعد تزايد أعداد الطلبة السوريين في المخيمات، نتيجة تزايد القصف وتزايد أعداد اللاجئين، هو تدخل منظمات المجتمع المدني (الجمعيات الخيرية)، التي استقطبت المدرسين الذين يتوافقون مع أيديولوجياتها وأجندتها الخاصة، من هنا غابت المعايير العلمية والخبرات المؤهلة لاختيار المعلمين القادرين على تأدية دور رئيس في العملية التعليمية، فدخل حقل التعليم أشخاص من الاختصاصات البعيدة عن حقل التعليم، من مهندسين مدنيين ومحامين وقضاة ومهندسين زراعيين، أو حاملي شهادات الثانوية العامة، أو طلاب جامعات لم يتخرجوا منها.
مشاركة المتعلمين من الاختصاصات غير التعليمية في غاية الأهمية، وأدت في عملية التعليم دورًا كبيرًا في بدايات فترة اللجوء، عندما كان ثمة نقص في عدد المدرسين واختصاصاتهم، إلا أن طول فترة اللجوء، وتطور العملية التعليمية بشكل أكثر تنظيمًا، أظهرتا الحاجة إلى مختصين في تلك العملية التربوية، حتى تكون مخرجاتها ذات جودة أفضل، وتكون المدرسة فعلًا قادرة على تربية الإنسان علميًا وفكريًا وسياسيًا وأخلاقيًا وسلوكيًا.
ومع وجود الحكومة الموقتة وتأسيس وزارة التربية والتعليم، واجه المعلم تحديًا آخرَ هو الفساد الذي ينخر جسد العملية التعليمية في تركيا، بأشكاله المختلفة: من المحسوبية، وانتشار الشهادات المزورة، وافتتاح مكاتب علنية مختصة بعملية التزوير، وتوظيف أصحاب تلك الشهادات في الحقل التعليمي.
لم يتغير الحال بالنسبة إلى المعلم السوري في تركيا بعد افتتاح مراكز التعليم الموقت التي أقيمت بالتعاون بين وزارة التربية التركية ومنظمة اليونيسف، حيث تم اعتماد المدرسين أنفسهم، الذين يقومون بالتدريس في مرحلة وجود الحكومة الموقتة وبعضهم -طبعًا- من أصحاب الشهادات غير التعليمية، أو الشهادات المزورة، إضافة إلى أن وزارة التربية التركية لم تضم أيّ معلم إلى نظام وزارة التركية على غرار ضمها الطلاب إلى نظام (اليوبيس).
لم يعيّن المعلمون في مراكز التعليم الموقتة لجنة أكاديمية وتربوية مختصة، إنما تم التعيين من قبل مديري هذه المراكز، وخضعت لمزاجياتهم، وهو ما سهل عملية الوساطة والمحسوبية وعلاقات الأقارب والفساد وغيرها، وما زاد الأمر تعقيدًا أن المراكز الموقتة لم يكن فيها نظام داخلي، أو قانون ينظم العلاقات بين أفراد هذه المؤسسة التعليمية، وهو ما ترك أثرًا سلبيًا كبيرًا على سير العملية التعليمية وجودة التعليم فيها.
على الرغم من أهمية فكرة وجود نقابة المعلمين من أجل الدفاع عن حقوق المعلمين، كمنظمة مدنية مستلقة، نشأت “نقابة المعلمين” بجهود عدد من المعلمين، أرادوا التجمع في نقابة خاصة، تمثلهم وتنظر في مشكلاتهم وتدافع عن حقوقهم، إلا أن هذه المنظمة لم تنل الاعتراف الرسمي بها، من قبل المؤسسات التعليمية الرسمية التركية، إذ اقتصر الأمر على توقيع برتوكول بين إحدى نقابات المعلمين التركية، (ايتم بير سان Eğitim Bir Sen)، وبين النقابة السورية، دون أن يكون للأخيرة دور واضح وقوي في العملية التعليمية للاجئين السوريين في تركيا.
مشكلة أخرى تواجه المعلم السوري في تركيا، وهي مشكلة الأجور الشهرية التي يتقاضاها من منظمة اليونيسف 900 ليرة تركية، التي تعدها الأخيرة (اليونيسف) مساعدات شهرية وليست راتبًا شهريًا، وطبعًا لا تعترف بهم وزارة التربية التركية، أما وزارة التربية في الحكومة السورية الموقتة فلا حول ولا قوة بعد ضم عملية التعليم إلى وزارة التربية التركية.
في الفترة الأخيرة ظهرت بادرة إيجابية مهمة (لا بد من الإشارة إليها)، وهي تغيير أسلوب التعيين؛ ففي مدينة أورفا -مثلًا- أصبح التأكد من الشهادات وقدرات المعلمين على يد لجنة مختصة، مؤلفة من معلمين ذوي خبرة في مجال التدريس، وهذه اللجنة تحت إشراف معلمين أتراك مختصين بهذا الأمر، ما نتمناه أن تعمم هذه التجربة على كل المدن التركية التي تتواجد فيها مراكز التعليم المؤقت.
في الآونة الأخيرة أقامت وزارة التربية التركية بالتعاون مع منظمة اليونيسف، دورة تأهيل تربوي لتدريب المعلمين العاملين في مدراس التعليم الموقت، موزعة على تسعين ساعة، تستغرق مدة اثني عشر يومًا، على مرحلتين، على يد أكاديميين أتراك، وبعدها يقوم خريجو هذه “الدورة التدريبية” بتدريب باقي المدرسين العاملين في تلك المراكز الموقتة، إلا أن هذه الدورة تُظهر تخبطًا آخر في إدارة العملية التعليمية للاجئين السوريين في تركيا؛ لأن إدارة هذه الدورة التدريبية لم تضع آلية علمية دقيقة لاختيار المتدربين في المرحلة الأولى، والذين سيتحولون بعدها (أي الدورة الأولى) إلى مدربين في الدورة الثانية، والتي ستبدأ في 22 آب/ أغسطس، وحتى 2 أيلول/ سبتمبر، ومن ثم يقومون بتدريب زملائهم الباقين من العاملين في الحقل التعليمي، حيث يختار هؤلاء المتدربين، مديرو مراكز التعليم الموقت، وهي مشكلة التعيين نفسها، في هذه المراكز الموقتة التي ذكرناها آنفًا؛ وبناء عليه، نقترح أن يكون المتدربون في دورة التأهيل التربوي (الذين سيكونون مدربين لاحقًا) من الحاصلين على شهادة دبلوم التأهيل التربوي في سورية أولًا، وخريجي الاختصاصات التعليمية، الحاصلين على الإجازة الجامعية حصرًا ثانيًا؛ لأنّ هؤلاء قادرون على تمثل استراتيجيات التعليم التي ستقدَّم في هذه الدورة، وهم الأقدر على توصيلها إلى زملائهم.
نعتقد أن قدسية حق المعلم وكرامته، لا تأتيان إلا من قدسية مهنة التعليم، ورسالتها العليا في تنمية الوعي البشري فكريًا واجتماعيًا ووجدانيًا وأخلاقيًا وتربويًا، وهذا لا يتحقق إلا بوضع المعلم المؤهل في مكانه الملائم داخل العملية التربوية، التي تنتظرها مهمات كبيرة، أهمها منع الكارثة المستقبلية التي تهدد جيلًا بكامله، وهي وجود 665 ألف لاجئ متسرب، غير ملتحق بالمدارس في تركيا.