قضايا المجتمع

برلين: سوريون يُشخّصون “القضية” الكردية وسبل تجاوز سلبياتها وإفرازاتها

بموضوع ساخن، عنوانه “الحوار الوطني السوري حول “القضية” الكردية في سورية”، بدأت اليوم السبت 13 آب/ أغسطس 2016 في العاصمة الألمانية برلين، فعاليات ورشة العمل الأولى التي يُقيمها “صالون هنانو” التابع لـ “مركز حرمون للدراسات المعاصرة”، ويشارك في أعمال هذه الورشة مجموعة من الباحثين والمثقفين والسياسيين السوريين، المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي.

 

افتتح الورشة سمير سعيفان، المدير التنفيذي لـ “مركز حرمون”، بتقديم لمحة عامة عن أعمال المركز ونشاطاته وفعالياته المختلفة وأهدافه، موضحًا أنه مؤسّسة بحثية وثقافية وإعلامية مستقلة، لا تستهدف الربح، وتُعنى بشكل رئيس بإنتاج الدراسات والبحوث العربية، وخصوصًا السورية منها، وتهتم بالتنمية الثقافية والتطوير الإعلامي وتعزيز أداء المجتمع المدني، ونشر الوعي الديمقراطي وتعميم قيم الحوار واحترام حقوق الإنسان، وأن “صالون هنانو” هو أحد مشروعات المركز، ويضع في برنامجه عقد عددٍ من ورشات العمل والندوات الحوارية حول “القضية” الكردية في سورية، ويشارك في كل لقاء مجموعة من الشخصيات السورية المتنوعة في انتماءاتها وتصوراتها، بهدف الوصول إلى توافقات حول “المسألة الكردية في سورية” بوصفها إحدى موضوعات المسألة الوطنية الديمقراطية في سورية.

 

في الجلسة الأولى التي أدارها مازن عدي، قدم صلاح درويش مداخلة عامة حول “القضية” الكردية عبر التاريخ السوري، مؤكدًا أنها “قضية” وطنية بامتياز، ومتجنبًا العودة إلى الماضي البعيد، وإلى جذور هذه القضية، لما تثيره من “سجال عقيم، لا يفيد أحدًا ولا ينتهي” على حد تعبيره.

 

وشدد درويش على وحدة الوضع الكردي مع الوضع السوري العام، وعدّها وحدة لا تتجزأ، مشيرًا إلى عدة نقاط يمكن أن تُساعد في فهم أخطاء الماضي وتقويمها وتجاوزها، من أهمها إهمال الأحزاب والحكومات السورية إبان فترة الخمسينيات لقضية الشعب الكردي؛ الأمر الذي جعل الأكراد ينحون باتجاه تشكيل أحزاب كردية صرفة، ذات توجه ديمقراطي، تُمثِّل تطلعاتهم، كحزب الديمقراطيين الأكراد الذي تأسس عام 1957.

 

كما أكد على أن الملاحقات الأمنية، وزج كوادر الأحزاب الكردية في السجون والمعتقلات، وتعذيبهم ونعتهم بالانفصاليين، وبأنهم يُشكّلون خطرًا على أمن الدولة، كلها عوامل أثّرت سلبًا على الوضع الكردي السوري.

 

وتحدث درويش عن اضطهاد الأكراد، وتطبيق المشاريع العنصرية والاستثنائية بحقهم كمشروع الإحصاء الاستثنائي عام 1966، وتغيير أسماء البلدات والقرى الكردية، وشدّد على أن “تحويل سورية من دولة وطنية إلى دولة عروبة، ثم إلى دولة البعث ودولة القائد، واعتماد شعارات “سورية العروبة” و”التلفزيون العربي السوري” أدى إلى تهميش ليس الأكراد السوريين وحدهم، بل تسبب بإقصاء كل مكونات المجتمع السوري غير العربية، وشعورها بالاغتراب عن مجتمعها السوري الوطني.

 

وقال إن “التعصب والشوفينية العربية” خلقا مبررًا لوجود تعصّب قومي مقابل في الطرف الكردي، ما أدى إلى تضييق الخناق على الأفكار الواقعية والمعتدلة، ورأى أن الدفاع عن حقوق الأكراد يجب أن لا ينحصر بالمكون الكردي فحسب، بل بكل مكونات المجتمع السوري، ولا سيما أطر المعارضة السورية التي تكونت بعد الثورة، وقال: إنه “واجب وطني تجاه مُكوّن أصيل من مكونات المجتمع السوري”.

من جانبها، تساءلت فدوى كيلاني، عن حق السوريين بإعادة قراءة المشهد السوري في فترة ما قبل الثورة، حيث كان المجتمع السوري “يُحكَم بالحديد والنار”، ولا سيما إبان حكمي الأسد الأب والابن، مؤكدة أن الأذى والظلم والاضطهاد أحاق بكل السوريين الذين نأوا بأنفسهم عن مؤسسة الحكم.

 

ورأت أن طبيعة حزب البعث هي طبيعة عنصرية قومية في أساسها، على الرغم من الشعارات البرّاقة لهذا الحزب، وهو ما طال المكون الكردي بشكل خاص؛ ما عزّز عند الأكراد تيارات موازية، وأدت إلى اضطهاد كبير للشباب الأكراد، وزجهم في السجون والمعتقلات، واشارت إلى ما أسمته “مخططًا محكمًا من السياسات البعثية ضد الأكراد”، مشيرة إلى إفقار مناطق عيشهم في سورية، وسياسات التعريب والعنصرية والإقصائية بحقهم، وغيرها.

 

إلى ذلك، أشار مروان عثمان، في مداخلاته حول القوى السياسية الكردية والمعارضة السورية، إلى أن إهمال “القضية” الكردية لم يقتصر على القوى السياسية العربية فحسب، بل إن الأحزاب الكردية نفسها عملت على إهمال “القضية” الكردية، وابتعدت عن إيجاد علاقات مجتمعية مع المكونات السورية الأخرى، وقال: إن هذه القوى الكردية لم تكن مهتمة ببناء علاقات مع نظيرتها العربية قدر اهتمامها بإقامة علاقات مع قوى وتيارات سياسية خارج الوطن السوري، ولاسيما في إيران وتركيا والعراق، وأشار إلى وجود تنوع طائفي ومذهبي واثني في المكون الكردي نفسه، وأكد أن الزعامات الكردية والعربية على حد سواء، لم تلعب دورًا واضحًا لإيجاد لحمة وطنية حقيقة بين المجتمع السوري ومكوناته، ونبّه إلى أن الحكومات السورية المتعاقبة عززت ذلك وعملت عليه، وأن الحكومات السورية المتعاقبة عملت على إقامة أنظمة أيديولوجية عقائدية وليس أنظمة وطنية، تعمل على تحقيق اللحمة الوطنية بين مكونات المجتمع السوري، قائلًا إن المظلومية الكردية ليست مسألة نظرية، بل هي واقع معاش في الإقليم ككل.

 

من جهته، شدد أنور البني، على علاقة السياسة بالقانون، وحذّر من أن الفصل بينهما سيتسبب بمشكلة حقيقية، مضيفًا أن أول انتهاك لحق الأكراد في سورية بدأ في أوائل القرن العشرين! عبر تبنّي الفكرة القومية كبديل عن الفكرة الوطنية التي تصهر كل مكونات المجتمع في بوتقة واحدة جامعة، وقال إن السوريين تجاوزوا هذا الأمر خلال الخمسينيات، عندما سمّوا الدولة السورية دولة المواطنة، قبل أن يأتي الرئيس عبد الناصر، ويطرح الفكرة القومية من جديد، ثم بعد ذلك حزب البعث، الذي استبد بالسلطة وكرس الفكرة القومية، وعمل على تهميش الأكراد.

 

وأكد البني، على ضرورة إعطاء البعد القانوني الأولوية في “القضية” الكردية، لأنه -في رأيه- الحل الوحيد الذي يخلق حالة توافق، تضمن حقوق الأكراد على المستوى الوطني، ولاسيما بموازاة أي اتفاق سياسي في هذا السياق.

 

كذلك ركز محي الدين عيسو، على المخاوف الحقيقية والمخاطر المستقبلية على مسألة التعايش بين العرب والأكراد، وكذلك على بقية مكونات المجتمع السوري في منطقة الجزيرة العربيةخصوصًا، في ظل غياب القانون والحقوق الواضحة لكل هذه المكونات، وفي ظل غياب جامع وطني سوري كبير.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق