لم تنتهِ معاناة السوري -على عكس ما ظنّ- عند وصوله الأراضي الأوروبية، بعد مخاطرة لا تختلف كثيرًا عن الخطورة التي كان يتعرض لها، عندما كان فريسة للموت في بلاده، بل باتت معاناته هذه المرة من نوع آخر، فهو ينتظر “لمَّ شمله” بصبر هشّ، ويكابد ليتعلم كيف يعيش في مجتمع مختلف عن مجتمعه، ولا موت فيه.
قدرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، في أيلول/ سبتمبر 2015، عدد السوريين الذين يسعون إلى الحصول على اللجوء في الدول الأوروبية بـ 348.540، في حين رأى مراقبون أن العدد قد يزداد إلى نصف مليون، لاسيما أن آلافًا من السوريين كانوا في طريقهم إلى الأراضي الأوروبية عبر اليونان، انطلاقًا من تركيا.
ولأن الدول الأوروبية باتت تشعر بعبءِ الوفود السورية القادمة إليها؛ هربًا من الموت، سارع قادة الاتحاد إلى عقد اتفاق مع تركيا في 18 آذار/ مارس من العام الجاري؛ لمنع ازدياد تدفق اللاجئين الهاربين من سورية إلى أوروبا. وتضمن الاتفاق -حينها- إعادة جميع اللاجئين الذين يصلون من تركيا إلى الجزر اليونانية، بدءًا من 20 آذار/ مارس من العام نفسه، ومقابل كل سوري يُعاد من الجزر اليونانية إلى تركيا تستقبل أوروبا بدلًا عنه سوريًا بطريقة شرعية.
صعوبات اجتماعية
يقول وسام، اللاجئ السوري في ألمانيا، لـ (جيرون): إن الصعوبات التي يواجهها السوري في أوروبا “هي صعوبات ثقافية بالدرجة الأولى، حيث إن الأوروبيين يعيشون حياة مقولبة ومملة، ونحن لسنا متعودين على ذلك”.
وأضاف: اللغة “هي واحدة من الصعوبات التي تواجه السوري أيضًا، حيث إن “كل مدارس اللغة التي يتعلم فيها اللاجئون لغة الألمان، فيها مدرسون مُسنّون -وهو ما يجعل التواصل معهم صعبًا، خصوصًا أن أغلبهم لا يتحدث اللغة الإنكليزية، وأصغر مدرس بينهم عمره خمسين عامًا على الأقل”.
وحول التفاعل مع المجتمع الألماني، أوضح قائلًا: “إذا أراد سوري أن يزور أحدًا من أهل البلدة، فسيعطيه الألماني موعدًا بعد 37 يومًا مثلًا، وفي وقت محدد”
.
كما يواجه السوريون صعوبات مع موظفي الدولة الذين وصفهم وسام بأنهم “جدد في كراسيهم، ولا يعرفون الكثير حول القوانين الخاصة باللاجئين التي تتغير كل فترة”، مشددًا على قضية ندرة الذين يتحدثون اللغة الإنكليزية، ما جعل بعض الموظفين يتعاملون مع السوري على أنه “لا يفهم، بوصفه لا يُتقن لغتهم”.
وقال عمار، وهو لاجئ سوري في الدانمارك، إن من بين الصعوبات التي يواجهها السوريون في أوروبا، هي الاختيار الإجباري لمجالات التعلم، موضحًا أن كل الذين تواصل معهم من أصدقائه، قالوا له: “إنهم يدرسون مجالات لم يختروها بأنفسهم، وإنما فُرضت عليهم من العاملين في دوائر الدولة المختصة بموضوع تعليم اللاجئين”.
ونوّه إلى أن أصدقاءه في ألمانيا “زُجّوا في ورشات عمل، تُعلّم المهن، مع أن أكثرهم متعلمون وحاملو شهادات جامعية”، الأمر الذي أكده وسام قائلًا: “كل اللاجئين جميعهم يحضرون دورات مهن، مثل الحدادة والنجارة والصحية والكهرباء، ثم يختارون مهنة للسوري بعد تقييمهم أداءه أثناء الدورات”.
لمّ شملٍ صعب وتفكير بالعودة
يستطيع السوري البدء بمعاملة لم الشمل فور حصوله على الإقامة الموقتة بعد قرار المحكمة، في حين يجب ألا يتأخر عن ثلاثة أشهر من تاريخ حصوله على الإقامة، وإلا ستصبح عملية لم الشمل معقدة جدًا، وتحمل في طياتها إمكانية الفشل.
يقول وسام: وبعد صدور الإقامة “يجب أن يقوم اللاجئ بالتقديم على ما يسمى (إعلان صيانة المهلة) في مكتب الأجانب (الأوسلندر). لا أحد يُخبرك بهذا الكلام، عليك أن تسأل بنفسك للحصول على المعلومات”.
وأكد أنه “في حال لم تقم بإعلان صيانة المهلة خلال ثلاثة أشهر، فإن إمكانية الحصول على موافقة لم الشمل ستصبح صعبة، كما أن الأمر في أغلب الأحيان مُناط بمزاج الموظفين في المكتب”.
من جهتها، قالت سُعاد التي تقيم في ألمانيا منذ عام: “الأوراق المطلوبة من الشخص-أو الأشخاص- الذي سيتم الموافقة على قدومه إلى ألمانيا كثيرة، ويجب أن يحصل على أوراق ثبوتية مُوقّعة ومُصدّقة من قبل خارجية النظام السوري”، وهو الأمر الذي يزيد على السوريين الصعوبة، حيث أن أغلبهم غادر البلاد، أو أنه يقيم في مناطق سيطرة المعارضة السورية”.
وأوضحت أن أكثر من يعاني من استكمال عملية لم الشمل، هم الأطفال القُصّر الذين لجؤوا دون ذوييهم، حيث “تتأخر معاملاتهم جدًا، منهم من مضى على وجوده هنا عام ونصف، ولم يحصلوا على الإقامة بعد”.
وتابعت “أكثر الصعوبات التي تواجه السوري في موضوع لم الشمل، هي في السفارات الموجودة في لبنان والأردن، لأن أكثر من يقدم على طلب المقابلة هناك، تطول معاملته وتتعقد”.
وبحسب وسام، فإن تصديق عقد الزواج لمن يريد لمّ شمله يكلف نحو 45 يورو، وتصديق باقي الأوراق يكلف 25 يورو، موضحًا أن من لا يملك موردًا إضافيًّا سيعاني من صعوبات مادية في استكمال الأوراق.
وأشار إلى أن من كانت زوجته غير سورية، فإن أموره أصعب، لاسيما أن السفارة الألمانية ستطلب منها شهادة لغة ألمانية مستوى (2)، من معهد غوته، وأردف: “أحد الأصدقاء كتب على مجموعة في التواصل الاجتماعي أن زوجته جزائرية، وتم رفض طلب لم الشمل الخاص بها مرتين”.
حتى قرار العودة له تعقيداته
كثير من السوريين، وبعد أن يئسوا من إمكانية لم شمل عائلاتهم، باتوا يفكرون بالعودة إلى أحد بلدان الجوار السوري، وترك البلاد الأوروبية التي ضاقت بهم، على الرغم من كل المغريات التي تحتضنها.
أوضحت سُعاد أن هناك عائلات باتت تفكر -بشكل جدِّي- بترك البلاد، والعودة إلى تركيا أو لبنان، وقالت: “هناك سيدة أعرفها تقيم هنا منذ سنه ونصف، ومازالت بدون إقامة، ضاقت ذرعًا بحالها، وتفكر بالعودة إلى تركيا، بعد كل هذه المعاناة للوصول إلى أوروبا”.
كما قالت سلمى، اللاجئة السورية في السويد، في حديثها لـ (جيرون): “وصلت إلى السويد منذ نيسان العام الماضي، وحتى اللحظة لم يأتِ موعد مقابلتي، أنا أفكر بالعودة إلى سورية، لدي طفلتان وزوجي، اشتقت إليهم جدًا، ولا أدري إن بقيت هنا متى سأحصل على الإقامة، وأظن أن معاملة لم الشمل ستأخذ عامًا آخر أو أكثر”.
وتابعت: “أعرف أشخاصًا هنا، مضى على وجودهم في الأراضي السويدية أكثر من عام ونصف، وهم يعيشون في مخيمات اللجوء، دون أن يُمنحوا إقامات، وللعلم، فإن من لا يملك إقامة، لا يمكنه تعلم اللغة في مدارس الحكومة. تخيل حال العائلات التي لديها أطفال في سن الدراسة!!”.
إلا أن قرار العودة نفسه ليس بالسهل، حيث أن الموضوع بحاجة إلى تقديم طلب إلى الحكومة بإلغاء اللجوء، وهو ما يأخذ أشهرًا حتى تتم الموافقة عليه، وفي ذلك قال وسام: “إن دخول الحمام ليس كخروجه، بعض أصدقائي أخبروني أن العملية تحتاج إلى أشهر أحيانًا، وذلك بسبب البيروقراطية التي تحكم البلاد”.
ويَعتقد أنه في حال كان هناك بلد يستقبل السوريين، دون تأشيرة هذه الأيام، “لرأيت السوريين يعودون بالعشرات من أوروبا إلى تركيا أو لبنان، آلاف من العراقيين عادوا إلى بلادهم”.
ويبقى هاجس “الاستقرار” عند اللاجئين غير مستقر، وغير متحقق الوجود، لتعود ألسنة أكثرهم قائلة “الوطن هو المكان الوحيد الذي تستقر فيه حياتنا، وسنعود إليه مهما طال الزمن”.
6 تعليقات