تسود محافظة السويداء، هذه الأيام، حالة من التوتر والترقب وانتظار المجهول، حيث شهدت المدينة -الأسبوع الفائت- مظاهرات أهلية، تطالب بإعدام شبان تابعين للأمن العسكري، كانوا قد أخلّوا بأمن وأمان المحافظة، وارتكبوا جرائم قتل بحق مدنيين أبرياء؛ ليأتي -في الوقت نفسه- عصيان سجن السويداء المركزي الذي تمكن النظام من إعادة السيطرة عليه، في أوضاع ماتزال معظمها غامضة حتى الاّن، وأعقب هذه الأحداث هجوم لتنظيم الدولة على “تل عليا” في ريف السويداء الشمالي الشرقي.
أمام هذا الواقع المُربك، توجّهت (جيرون) ببعض الأسئلة إلى عدة شخصيات مطلعة على التطورات الأخيرة في المحافظة، لإضاءة بعض تفاصيل الأحداث الراهنة في جبل العرب، وحول تزامن العصيان في سجن السويداء المركزي، مع حالة الغليان التي تعيشها المحافظة، بعد مقتل عدد من شبابها على يد ميليشيات تابعة للأمن العسكري، قال الأكاديمي فايز القنطار: “مع استمرار الحراك الشعبي السلمي، وتصاعد التوتر والاحتجاجات والاعتصامات، جاء اقتحام مركز المحافظة في الأسبوع الماضي؛ ليشكل منعطفًا خطرًا في هذه المواجهة بين المجتمع والنظام، جاء هذا الاقتحام بحثًا عن مجرم يرتبط بالأمن العسكري، ارتكب جريمة قتل مروعة، واتُهم المحافظ وأجهزته بتهريب المجرم، ولربما أتى اقتحام سجن السويداء محاولة للهروب إلى الأمام، بهدف احتواء التوتر المناهض للنظام الذي بدأ يأخذ اتجاهًا، ينال من سلطته وهيبته في السويداء، كما أتى لتخويف المطالبين بوقف الجريمة، ووقف ممارسات القهر والإذلال بحق الناس”.
وأضاف القنطار: “لقد فشلت أساليب النظام بالدفع نحو الصراع الأهلي؛ ما حمل الأجهزة الأمنية على تغيير استراتيجيتها في إشاعة الفوضى، والإشراف على عصابات التهريب والجريمة المنظمة، فانتشرت حوادث الخطف والقتل، وظواهر مستجدة غريبة في ترويج المخدرات وتهريب السلاح، بهدف إنهاك البنية الاجتماعية التي تنوء تحت ضغوط الحياة اليومية وغياب مقومات العيش”.
من جهته رأى المعارض المستقل زياد أبو حمدان أن النظام “يمر بحالة من فقدان التوازن على صعيد ضبط الأمن في جبل العرب عمومًا، ومركز المحافظة خصوصًا، وبتكرار حالات الخطف والقتل لشبابنا الأبرياء، ومنهم علاء الأطرش، ومحمد بحصاص، وأخيرًا ريان أبو فخر، على أيدي عملاء مرتبطين بالأجهزة الأمنية، وردود فعل الشارع الساخط على ممارسات الشبيحة والمهربين والقتلة؛ ما أدى الى اعتصام كبير أمام مبنى الحكومة، وهروب المحافظ والمسؤولين أمام المعتصمين، أعطى مؤشرًا واضحًا على سقوط هيبة الدولة تمامًا”.
وـحول علاقة الاحتجاجات باقتحام سجن السويداء المركزي، قال الناشط فؤاد الأشقر لـ (جيرون): “من غير الممكن فصل أي حدث يجري داخل السويداء في هذه المرحلة عن غيره من الأحداث، إلا أن تحركات معتقلي سجن السويداء المركزي، بدأت منذ أشهر، والعصيان الذي كان سببه الرئيس تدخل قوات الأمن العسكري، واختطاف أربعة معتقلين إلى جهة مجهولة، حدث في الليلة نفسها التي اعتُدي فيها على الشاب أبو فخر”، وأضاف الأشقر: “إن ميليشيات الأمن داخل المحافظة هي الآمر الناهي، والمتحكم بكل المفاصل، سواء أكانت دينية أم اجتماعية أم حتى سياسية، وقد نجحت عناصر هذه الميلشيات -بشكل دائم- في تسيير قارب نجاتها كما تشاء، وبالشكل الذي تريد، بسبب موقف النأي بالنفس الذي اعتمدته المحافظة بأغلبيتها الاجتماعية، منذ بداية الثورة، والذي برّره -لاحقًا- كثير من معارضي النظام على أنه حالة صحيحة؛ للحفاظ على أمن المحافظة والنازحين الموجودين فيها، وخوفًا من براميل النظام المجرم، مدّعين أن أمان المحافظة، وحماية حدودها، قادر على أن يُوجِد حياة شبه آمنة لمن يسكن فيها، متجاهلين أن سورية بتشكيلاتها ومحافظاتها كاملة، هي جسم واحد، لا يمكن النأي بأي جزء منه عن الآخر”.
كذلك أفاد مصدر حقوقي من داخل محافظة السويداء بأن هناك “تعتيم حول أحداث سجن السويداء الأخيرة”، وقال: “ما تزال الاتصالات مقطوعة عن السجن حتى اللحظة، وحدث الاستعصاء إثر نقل معتقلين؛ لتنفيذ حكم الإعدام بحقهم في دمشق، وما تأكد لنا هو مقتل اثنين من المعتقلين، في حين أن الثالث لم يُؤكّد مقتله، إضافة إلى عشر إصابات، ويبدو أن الاستعصاء كان بترتيب مع بعض ضباط السجن”، وأضاف: “قام وزير الداخلية بزيارة للسويداء مساء الخميس، والتحقيقات مع المساجين، وبعض الضباط لم تنته بعد”.
وعن قطع السلطات السورية لشبكة الانترنيت في أثناء الاعتصامات في السويداء، وترافق ذلك مع تفجير يستهدف أهالي المدينة، قال أبو حمدان: “منذ اغتيال الشيخ البلعوس ورفاقه، وما نتج عنه من تكسير لتمثال الديكتاتور في الساحة الرئيسة في مركز المدينة، قام النظام بقطع الاتصالات والإنترنت عن المدينة؛ ما عكس حالة التخبط التي تعرض لها القرار الأمني في المحافظة، والأمور -الآن- مرشحة بعد أحداث السجن المركزي للتصعيد نفسه”.
في حين قال الأشقر: “ما يحدث الآن، هو نتيجة لنجاح النظام في إسكات المحافظة عمّا جرى سابقًا، وأعتقد أن الأجهزة الأمنية استطاعت أن تُحقق ما تريد في السويداء؛ فهي لم تعد بحاجة إلى افتعال أي حادثة تفجير أو ما شابه، على غرار حادثة اغتيال البلعوس، طالما لديها القدرة على فعل ما تشاء من خلال الميليشيات المنتشرة، والتي تتحكم بها بحسب مقتضيات مصالحها”.
لطالما انعكس ما تعيشه محافظة السويداء من توتر على المناطق المختلفة، ذات الغالبية الدرزية، فقد أصدرت الهيئة الروحية في مدينة جرمانا بيانًا، في الأول من آب/ أغسطس الجاري، عن جل أحداث السويداء، لكنها تناولت شؤونًا اجتماعية عامة، ولم تتطرق إلى ما يجري من اضطرابات، وهو الأمر الذي يراه أبو حمدان “رد فعل خجول للمؤسسة الدينية والوجهاء، ومن نسميهم مشايخ الزعامة الذين فقدوا مصداقيتهم لدى الشارع، ولم يعودوا مقبولين بعد الآن، وليس لهم أي تأثير، وباتت زعامات كرتونية، تُشوّه التاريخ الوطني للدروز، وتضحياتهم الكبرى في كل معارك الحرية”.
لكن الأشقر انتقد أكثر زعامات الطائفة في السويداء نفسها، وقال: “من الطبيعي ألا يتطرق بيان مشايخ جرمانا إلى أحداث السويداء، طالما أن الهيئة الروحية غير مستقلة، وتابعة بشكل أو بآّخر لنظام القتل، ولا تختلف أبدًا عن مفتي سورية أحمد بدر الدين حسون، ومن شابهه، ولكن السؤال: أين بيانات الهيئة الروحية في السويداء، حول ما حدث -ويحدث- من قتل وجرائم داخل المحافظة؟”، أما قنطار فأوضح أن طبيعة العلاقة بين أبناء السويداء والنظام السوري -في العمق- هي “علاقة صراع مستمر”، وشدد على ضرورة “عدم السقوط في الوهم وسوء التقدير، فالقوى التي تطفو على السطح، ترتبط عضويًا بالنظام، مثلها مثل غيرها على امتداد الوطن السوري، حيث نجح النظام، بكل ما يملكه من إمكانات مادية وأمنية وإعلامية، من ربط بعض الفئات ربطًا عضويًا به، ربطت مصيرها بمصيره، ولن تبرح المكان إلا برحيله”.