لليوم الثاني على التوالي، واصل مجموعة من الباحثين والمثقفين والسياسيين السوريين المقيمين في الاتحاد الأوروبي اجتماعاتهم في سلسلة من الندوات حول المسألة الكردية في سورية، ضمن ورشة العمل التي يقيمها (صالون هنانو) التابع لـ (مركز حرمون للدراسات المعاصرة) في العاصمة الألمانية برلين.
وتناولت الجلسة التي أدارتها صبيحة خليل جملة من التفصيلات في القضية الكردية في سورية، حيث قدّم ميداس ازيزي، تصورًا لحل ديمقراطي في سورية ضمن هوية وطنية جامعة، وقال إن الروابط التاريخية التي أنتجتها التجربة التاريخية المشتركة بين العرب والأكراد في سورية، وعززها الكفاح المشترك من أجل الاستقلال ومناهضة النظام الشمولي والدكتاتورية، والعمل الوطني من أجل المساواة والعدالة والحرية، كل ذلك جعل من الأكراد السوريين جزءًا لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري، وشدد على أن القضية الكردية في سورية هي قضية وطنية سورية من الدرجة الأولى، وكل ذلك على قاعدة الحقوق المتساوية أسوة بجميع مكونات المجتمع.
واعتبر ازيزي أن المواطنة هي جملة من الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، تقابلها واجبات أخلاقية والتزامات، وأن الواجبات مؤسسة على الحقوق، وقال “إننا نتطلع إلى إقامة وطن سوري حر ومستقل وديمقراطي، لكل مكوناته، بعيدًا عن العصبيات القومية والعرقية والإثنية والطائفية والمذهبية، كما نتطلع لإنتاج تنظيمات سياسية واجتماعية حديثة، لا تقوم على أسس إيديولوجية عقائدية أو عرقية أو دينية أو مذهبية”، موضحًا أن هذه العوامل هي من أهم معوقات تحول المجتمع التقليدي إلى مجتمع مدني حديث وإلى دولة وطنية ديمقراطية لجميع مواطنيها.
وقدم ازيزي في مداخلته جملة نقاط أهمها، ضرورة العمل من أجل إقامة نظام ديموقراطي برلماني تعددي، وتحقيق مبدأ فصل السلطات، وتعزيز استقلال القضاء، وضمان حقوق المواطنة لجميع مكونات المجتمع السوري بلا تمييز أو استثناء على أي أساس كان، واعتبار القضية الكردية جزءًا من القضية الوطنية الديمقراطية السورية، والإقرار الدستوري بالحقوق القومية للأكراد، وفق الأعراف والمواثيق الدولية، وكذلك الإقرار الدستوري بحق جميع مكونات المجتمع السوري ثقافيًا وسياسيًا ودينيًا، واحترام حقوق الإنسان.
من جانبه قال جمال قارصلي، إن بناء سورية الحديثة والديمقراطية سيتم فقط بعد انتصار الثورة، وإن النظام الديمقراطي وحده سيضمن حل جميع المشاكل التي يُعاني منها المجتمع السوري، موضحًا أنه إلى الآن لا يوجد هناك نهج ديمقراطي في المجتمع السوري، وعلينا أولًا أن نؤمن بسورية وبالوطن السوري، ونؤمن بالديمقراطية كنظام حكم مستقبلي.
وفيما يخص مسألة الفدرالية، قدّم قارصلي شرحًا مبسطًا عن التجربة الألمانية في هذا المجال، معتبرًا أنه من الصعب حاليًا إقامة الفدرالية في سورية، نظرًا إلى غياب الثقافة الديمقراطية عن المجتمع السوري ككل، ورأى أن نظام الحكم اللامركزي هو الذي قد يكون له نصيبٌ من النجاح بعد انتصار الثورة، وضمن إقرار دستوري جديد من الشعب السوري.
ورأى مروان علي، أن ما يجب العمل عليه في هذه الآونة هو وقف الحرب الدائرة في سورية، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أي مشاريع مستقبلة في هذا المجال، مُعبّرًا عن قناعته بأن الوعي الشعبي للمكون الكردي سيوصل إلى إيجاد حل للقضية الكردية ضمن الإطار الوطني السوري الشامل، وشدد علي الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي وحقوقه، واعتبار وجوده في سورية حالة وطنية أصيلة، ضمن الوطنية السورية الشاملة، وإعادة الجنسية السورية للأكراد المحرومين منها وللمكتومين، إضافة إلى الاعتراف بالحقوق الثقافية للأكراد السوريين عمومًا، والاعتراف بحق الأكراد في إدارة مناطقهم.
تناولت الجلسة التي أدارتها مزكين يوسف، بشكل رئيسي، الطروحات الحالية حول مسألة الدولة الفدرالية أو الدولة اللامركزية الإدارية في سورية، حيث تباينت آراء المجتمعين حول هذه المسألة، بين تأييد للفدرالية أو النظام اللامركزي، وقال سام دله إن التحدث عن موضوع الفدرالية أو اللامركزية يجب أن يتم في إطار المواطنة بمفهومها العام ومسألة العقد الاجتماعي.
واعتبر دله أن حق تقرير المصير لا يمكن أن يُطرح في ظل نشوب الحروب الطائفية والمذهبية والأهلية كما يحصل الآن في سورية. وأوضح أن الفدرالية تقوم على ثلاثة مبادئ رئيسية، أولها أن السلطة المركزية تعلو بقية السلطات في بقية الأقاليم، كذلك مبدأ المشاركة على مستوى المؤسسات، إضافة إلى وجود برلمانات بمجلسين واحد مركزي وآخر محلي يتبع الإقليم المعني. وكذلك مبدأ المشاركة في الموارد بين المركز والأقاليم.
وتساءل دله إلى أي حد يمكن المشاركة في مجال الموارد بين المركز والأقاليم، واستعرض تجاربًا على الصعيد العالمي بينها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وغيرها، كما تساءل، هل المصلحة الوطنية تقتضي من المكون الكردي الآن الذهاب إلى اللامركزية أم النظام الفيدرالي في ظل هذه المعطيات الحالية.
من جانبه اعتبر جميل إبراهيم أن النظام الفدرالي أفضل من نظام الحكم اللامركزي، لأن الفيدرالية، حسب رأيه، تُعطي حرية أكبر وأوسع لاتخاذ القرار، معتبرًا أنه إذا ما بقي الوضع في سورية على حاله، وبقت الجغرافيا السورية والمكونات السورية كما هي الآن، فإن الحل الأمثل هو إقامة نظام فيدرالي، مشيرًا إلى أن ما تشهده المنطقة حاليًا، هو وجود ثلاث دول فاشلة، هي سورية والعراق ولبنان، إضافة إلى تراجع السيادة الوطنية في تلك الدول، ووجود (داعش) الذي استطاع إزالة الحدود بين سورية والعراق وسورية، ولبنان بشكل أقل، بينما تلعب إيران الدور التخريبي الأكبر في المنطقة وبدعم من الولايات المتحدة الأميركية.
من جهته اعتبر نادر جبلي أن الفدرالية لا ينبغي أن تقوم إلا في إطار دولة قوية يضمنها ويحميها الدستور بشكل رئيسي، مشيرًا إلى أن شروط الفدرالية هي جغرافية وسياسية وبيئية، وهذه الشروط بمجملها غير متوفرة في الوضع السوري، وأن أي منحى في اتجاه الفيدرالية ستكون نتائجه كارثية على سورية والمنطقة، وسيؤدي إلى تقسيم سورية بسبب عدم الاستقرار والحرب الدائرة حاليًا، فالنظام الفدرالي لا يقوم إلا في ظل دولة قوية ومستقرة وليس العكس.
كذلك حدد ميشيل شماس الأسباب التي أدت إلى ما آلت إليه الأمور في سورية، وعلى رأسها الاستبداد والفساد الإداري، معتبرًا في هذا الإطار أن اللامركزية السياسية هي الحل الأمثل للوضع السوري، وهو ما يجب أن يتضمن في الدستور الجديد، فاللامركزية الإدارية بحسب شماس، لا تمنع من قيام دولة استبدادبة وديكتاتورية في سورية كما في غيرها من البلدان، لكن نظام الدولة اللامركزية يحتاج إلى وجود نظام ديموقراطي حقيقي قبلًا، وهو وحده يساهم في إنجاح هذه التجربة وديمومتها واستقرارها.