سورية الآن

ظريف في أنقرة وعيون السوريين على حلب

بعد أيام على زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى روسيا، ولقائه فلاديمير بوتين، والإعلان عن تنسيق الجهد بينهما في الملف السوري، وبعد أقل من شهر على محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، تأتي زيارة وزير خارجية إيران، جواد ظريف، إلى أنقرة في 12 آب/ أغسطس الجاري؛ لتحمل -ربما- عناوين إضافية حول سورية للمرحلة الحالية والمقبلة.

 

السوريون الذين يعتريهم القلق من كل التحركات الديبلوماسية؛ نتيجة الخيبات المتلاحقة التي حصلوا عليها طيلة ثورتهم، ينظرون إلى هذه الزيارة بمزيد من الترقّب، الذي ما زال -بدوره- سيد الموقف بالنسبة لهم، عقب زيارة أردوغان إلى روسيا، فإيران كما روسيا، طرف أعلن عداءه للشعب السوري، فإن كان الطيران والصواريخ الروسية، مع ما تحمله من قنابل فوسفورية وعنقودية، تفتك بالبشر والحجر بطريقة انتقاميّة لا مبرر لها، وبدعم صارخ لنظام الأسد، فإن إيران التي دفعت أموالًا طائلة؛ لأجل ما أسمتها معركة مصيرية لها في سورية، وفضلًا عن ضباط حرسها الثوري العاملين في أنحاء سورية، استقدمت أعدادًا كثيرة من المرتزقة، ينتمون إلى جنسيات مختلفة، كالعراقية واللبنانية والأفغانية وغيرها، وتعمل ليل نهار على تغيير الطابع الديموغرافي للسكان في أكثر من موقع ومدينة سورية.

 

إيران والإرهاب في سورية

في المؤتمر الصحافي الذي جمع وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في أنقرة مع جواد ظريف، قال أوغلو: إن هنالك خلافات بين تركيا وإيران حول سورية، ويعمل الجانبان على حلّها، وأن هناك -في المقابل- كثير من الأمور المشتركة بينهما في الملف السوري، وأن البلدين سيكثّفان اللقاءات حول سورية، بينما تطرق ظريف إلى أن بلاده أعلنت تأييدها للحكومة التركية ضد الانقلاب، وهي ستتعاون مع تركيا في محاربة الإرهاب، وأن الجانبين متفقان على وحدة الأراضي السورية.

 

إن قول إيران، على لسان وزير خارجيّتها، إنها تدعوا إلى اتخاذ إجراء حاسم ضد الإرهاب في سورية، واستعدادها للتعاون في محاربته، يجعل السوريين يطرحون أمام إيران والمجتمع الدولي مجموعة من التساؤلات، أوّلها، ماذا يفعل الحرس الثوري الإيراني في سورية، وماذا تفعل ميليشيا حزب الله اللبناني، وميليشيا أبو الفضل العبّاس العراقية، وغيرها من الميليشيات الطائفية في أحياء وشوارع وبيوت السوريين، وهل جاؤوا لتقديم منح تعليمية، أم لعزف أناشيد السلام والمشاركة بزرع الحدائق السورية بأشجار الصداقة، هي أسئلة تطرح نفسها أمام هذا الاستهتار الدولي بتعريف الإرهاب، وتجييره بما يلائم مصالح الجميع، إلا الشعب السوري.

 

إرهاب الدولة الذي مارسه كل من النظام السوري، والنظام الإيراني في سورية، بغطاء جوي وسياسي روسي، وإشاحة المجتمع الدولي وجهه عن ذلك، لا يجعل الشعب السوري في موقع الرفاه السياسي الذي ينتظر حلولًا، ما زالت أقرب إلى دائرة الوهم منها إلى دائرة الحقيقة، فروسيا التي خرقت هدنة، هي أقرّتها على الأرض السورية، يدرك السوريون أنها ليست راعية سلام محايدة ونزيهة، كذلك، فإن إيران التي صرّح وزير خارجيّتها ظريف في ميونخ بألمانيا، في أثناء اجتماع (المجموعة الدولية لدعم سورية) أنه يمكن حل المشكلات الإقليمية من خلال التعاون التركي السعودي الإيراني، وعوضًا عن تنسيقه في هذا المجال، كثّفت بلاده من تدّخلها الإقليمي، إن كان في سورية أو اليمن أو العراق، بل وعطّلت -أيضًا- المؤسسات السيادية اللبنانية بما فيها رئاسة الجمهورية.

 

لا شك في أن استقبال الرئيس التركي -أيضًا- لظريف في أنقرة، وإجراء اجتماع دام أكثر من ثلاث ساعات، بحسب وكالات الأنباء، قد يحمل بحد ذاته مؤشرات مهمة، خاصّة أن الزيارة تأتي بعد اتصال هاتفي جرى بين كل من وزير خارجية روسيا لافروف وظريف قبل يوم منها لأنقرة، وكذلك مع الإعلان عن زيارة وفد عسكري وأمني تركي رفيع المستوى إلى موسكو؛ ليضاف إليها تصريحات ظريف في تركيا أن التعاون الروسي التركي الإيراني، وفتح الحوار حول مشكلات المنطقة، هو مهم وضروري، كونهم أطرافًا رئيسة لاعبة بالمنطقة.

 

حذر السوريين من المشهد

من حق السوريين أن يقابلوا كل ما يجري سياسيًا في المنطقة بشيء من الحذر والبرود، فحلب قد قُصفت بأسلحة كيمياوية، في اليوم ذاته الذي تمت فيه زيارة ظريف لأنقرة، كذلك مازال الطيران الروسي يرتكب مجازر بحق المدنيين، والتغطي بعنوان “مكافحة الإرهاب”، لم يعد يُقنع أحدًا في سورية، وأي تطور في الملف السوري لن يكون محط اهتمام، قبل أن تُغادر الميليشيات الإيرانية أراضي سورية، وقبل توقف هدير محركات الطائرات الروسية فوق رؤوس المدنيين.

 

استقبلت تركيا نحو 3 ملايين لاجئ من السوريين، ودعمت مطالب الشعب بالحرية، وصرّح الناطق باسم رئاستها أن الحديث عن بقاء بشار الأسد، يعني الحديث عن استمرار القتال، وأن موقفها لم يتغيّر، وفيما ينظر إليها السوريون بالثقة والتقدير لمواقفها، فهم يُدركون، في الوقت نفسه، أن لها مصالحها الاقتصادية والسياسية، ومتيقّنون من أن صمودهم على الأرض، وانتصاراتهم الجديدة في حلب على كل القوى التي تقاتل مع النظام، هي بحد ذاتها أوراق قوة لهم في كواليس اللقاءات والاتصالات الدولية، وستكون تضحياتهم هي الورقة الأهم على طاولات الحوار السياسية.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق