ارتكزت استراتيجية نتنياهو في إدارة الصراع في المنطقة، وتصنيف طبيعة الأخطار، من مًنطلق أن إيران هي الخطر الذي يًهدد مصالح إسرائيل وحلفائها، الإقليميين والدوليين؛ المتمثل في الملف النووي الإيراني، ولقد استعدى نتنياهو الديمقراطيين في الانتخابات الثانية للرئيس الأميركي، باراك لأوباما، وحاول أن يُهدد أسس العلاقة والتوازن التي سارت عليها إسرائيل مع الحزبين الجمهوري والديمقراطي؛ ولقد وصل في الفترة السابقة، ما قبل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، إلى حافة الهاوية في تحدّيه لإدارة أوباما، والتحريض عليها، وألقى خطابًا أمام الكونجرس الأميركي برغبة من الجمهوريين الداعمين لسياساته في المنطقة ضد رغبة الإدارة الأميركية؛ ما خلق أزمة ثقة بينه وبين الرئيس الأميركي، وتسبب بحالة من الخلافات والاشتباكات مع الأحزاب الإسرائيلية المعارضة؛ التي كانت ترى في استراتيجية نتنياهو خطرًا على الكيان الصهيوني، وأنها تجاوزت الدبلوماسية المعهودة بين الحليف الاستراتيجي الأميركي.
كانت غاية نتنياهو الالتفاف على موضوع الصراع العربي – الإسرائيلي، الذي يتعارض مع استراتيجيته وأفكاره وعقيدته الموروثة؛ فشدد على عدم وجود حق للفلسطينيين فيما يسميها “أرض إسرائيل”، وهذا ما تعارض مع سياسة أوباما الناعمة في التكيف مع المتغيرات في المنطقة، والذي حاول إعادة الحياة إلى المبادرة العربية والمفاوضات مع إسرائيل، وهذا جسّد مرحلة من تناقض المصالح بين الحليفين، فاستخدم نتنياهو كل الطرق لتغليب مصلحة إسرائيل الوجودية (كما يسميها)؛ على أنها أيضًا مصلحة أميركية.
لن نتمكن من الإجابة عن السؤال الذي تقدم بسهولة؛ خاصة إذا أردنا أن نتتبع السياسات منذ أن نشأت إسرائيل، وصولاً إلى انتقالها من الحاضنة البريطانية إلى الحاضنة الأميركية بعد أفول نجم بريطانيا العظمى، لكننا سنلقي الضوء عليها من نقطة محددة، وهي ما بعد الحرب على غزة؛ ومن الضروري هنا أن نتناول الجانب الآخر من انعكاسات الحرب على العلاقة ما بين إسرائيل والتحالف الذي تشكّل مع اندلاع الحرب على غزة، وكيف نجحت إسرائيل بصناعة بيئة صحية إقليمية لمصلحتها؛ ما يعني بيئة مُعادية للمقاومة الفلسطينية الحقيقية، من دول عربية في المنطقة، وجدت نفسها أمام خطر الإسلاميين، وخاصة الإخوان المسلمين.
مع الحرب على غزة، والتي سبقها نجاح التيار الإسلامي في المنطقة، والربيع العربي الذي ضرب المنطقة، وتراجع السياسة الأميركية وبدئها التخلي عن حلفائها، بدأت أنظمة عربية عملية محاربة ظاهرة الإسلاميين، وأخذت تتشابك مصالحها مع مصالح إسرائيل، العدو الظاهري لهم؛ لكنه يُمثّل لهم حليفًا استراتيجيًا أمام خطر الإسلام السياسي، ولقد اتخذت تلك الدول خطوة استراتيجية للتعامل مع الأخطار المحدقة، عبر استعانتها بإسرائيل لمحاولة الخلاص من انعكاسات الربيع العربي ومنع وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم، وهذا يعني أنه جرى اتفاق غير معلن مع إسرائيل، بأن تُصبح شريكًا وحليفًا استراتيجيًا في المنطقة، فكان أن تم وضع حجر الأساس؛ لتصفية القضية الفلسطينية، وحجر الأساس لمنح فلسطين لإسرائيل.
حاجة بعض الأنظمة للحماية، دفعها لطمأنة نتنياهو بأن إسرائيل لم تعد العدو المركزي، وبدأت تدعم خطة نتنياهو، الذي يريد التطبيع مع العرب أولًا ثم جلب الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات، لإنهاء ملف الصراع في المنطقة على طريقته.