عبر بحثه الذي أنجزه أخيرًا، ضمن برنامج “أبحاث؛ لتعميق ثقافة المعرفة”، يحاول الباحث والمخرج، آواديس كبرئليان، استرجاع الثقة بالمسرح بوصفه فن الـ “هنا والآن”، وفنًّا جماهيريًا وسياسيًّا واجتماعيًا مباشرًا وحيًّا بامتياز، يظهر دوره الحقيقي في زمن المحن والمآسي والمآزق الكبيرة.
يبيّن البحث ضرورة العمل في مجال المسرح التفاعلي بالأخصّ، لأنه فرع مسرحي راديكاليّ يتلاءم مع زمن التغيير الذي نمر فيه. والعمل عليه ضروريّ؛ ليس لأنه فرع مسرحيّ متخصص فحسب، بل لأنه جزء من فضاء شاسع، يُعرف اليوم بـ “الدعم النفسي الاجتماعي”.
عن دوافعه الشخصية خلف إنجازه لهذا البحث يقول آواديس: “تأسست تجربتي الشخصية مع هذا البحث من منطلق الممارسة العملية، فقد عملتُ لفترات طويلة في مجال المسرح التفاعلي، المشتقّ عن مسرح المضطهدين للمخرج البرازيلي “أوغستو بوال”، طوال السنوات السبع، تقريبًا، التي عملتُ فيها كمدرّب، وكمخرج في هذا المجال، وصلتُ إلى نوع من اليقين حول مدى ضرورة هذا النوع من المسرح، بل أصبحت على يقين بسحر تقنيات أوغستو بوال. هذه التقنيات التي ابتكرها بوال، بعد قراءات وأبحاث مكثفة في مجالات، مثل: التاريخ والعلوم والفلسفة والنفسانيات، وعمل عليها، عمليًا ونظريًا، بكل جهد وجدّ.
أثناء وجودي في حلب – زمن المعارك الشرسة- توجهت أفكاري إلى المجال النفسي، وعملتُ مطولًا على كيفية الربط بين بعض الرؤى النظرية النفسانية (خصوصًا من علماء نفس وأطباء حاولوا كسر التقليد الفرويدي، وأولئك الذين تعاملوا مع النفس البشرية ببساطة وبدقة أكبر، وأولئك الذين استفادوا من فلسفة الشرق الأقصى، حيث النفس البشرية مقدسة)، وبين المسرح التفاعلي”.
وحول نتائج البحث يتحدث آواديس قائلًا: “هناك مجموعة من الأفكار المحددة التي يطرحها البحث. السبب الأول والأخير الذي جعلني أكتبه، هو أن أتناول مفاهيم محددة -مفاهيم نتعامل معها كل ثانية من عمرنا- ومفاهيم نتعامل معها في المسرح، والمسرح التفاعلي، وفي ما يُعرف بالدعم النفسي الاجتماعي. إنّنا الآن في مواجهة أزمة حقيقية كسوريين، فنحن شعب قد عاش التشرد والدمار والموت والقتل وتقطيع الرؤوس، وإلى آخره من المآسي والقساوة، أيّ: إننا شعب عاش الصدمة، عاش اليأس، والخوف. ومع الآسف صار الموت شيئًا طبيعيًا بالنسبة لهذا الشعب، وعندما يصبح الموت شيئًا طبيعيًا، تبدأ الكارثة الحقيقية. فنحن الآن أمام مسؤولية كبيرة أمام أنفسنا أولًا، وأمام بعضنا بعضًا ثانيًا. أعتقد أن أغلب تجارب الدعم النفسي -عن طريق الفنون التي تمارس اليوم- تفتقر إلى المنهجية السليمة والجدية المطلوبة؛ لذلك، حرصت على أن أظهر في هذا البحث ما تحتاجه ممارسة هذا الشقّ من الفنون، من التخصّص والاجتهاد والبحث الدائم، فضلًا عن الجرأة والحذر في آن واحد. أردت لهذا البحث أن يكون أداة من شأنها أن تساعد الشخص الذي يريد أن يُمارس الدعم النفسي والمسرح التفاعلي”.
آواديس كبرئليان
خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، قسم الدراسات المسرحية. يعمل في مجال المسرح التفاعلي مدربًا ومخرجًا مع منظمات ومؤسسات مختلفة، منذ 2008. له تجارب في الكتابة المسرحية والإخراج والتمثيل في سورية ولبنان، وله تجارب في التدريس في معاهد سينمائية خاصة في حلب، التي ساهم في تأسيسها. إنه مُخرج سينمائي كذلك، أنجز فيلمه الطويل الأوّل نهاية عام 2015، بعنوان “منازل بلا أبواب”، وقد عُرض عَرضه الأوّل في الدورة 61 من مهرجان برلين السينمائي الدوليّ، قسم الفوروم/ المنتدى، 2016.).