مقالات الرأي

حلب الغائب الحاضر في كلام نصر الله

لم تتجه الأنظار إلى إطلالة أمين عام ميليشيا حزب الله اللبناني، بقدر ما اتجهت إلى حلب، الحاضر الأقوى في الخطاب “الأخلاقي” للثورة السورية، التي أطاحت انتصارات فك الحصار عن أحيائها الشرقية، الذي فرضته الميليشيات الطائفية وايران والنظام، تحت جنح طائرات روسيا القيصرية، بعنجهية حسن نصرالله الذي لطالما تكثفت رعونته في تمجيد ما يُسميه بمحور المقاومة، وبأنه هو من يحدد الاستراتيجيات في سورية.

 

حاضنة حزب الله التي اتسعت دائرة التململ فيها؛ نتيجة خسائرها البشرية التي تسببت فيها أوامر إيران لحزب الله بإقحام قواته، خصوصًا في حلب، لا شك في أنها كانت الشريحة الأكثر انتظارًا لما سيقوله “حسن نصر الله” في اطلالاته الماراثونية، ذات  الخصوصية الأيديولوجية البارعة في قلب الهزائم إلى انتصارات، وهو ما دأب إعلام “الممانعة” على التهيئة له خلال الأيام القليلة الماضية، من خلال التقليل من أهمية انتصارات الثوار في حلب، بيد أن ما زاد تململ تلك الحاضنة حدة، هو عدم جرأة نصر الله في الحديث عن حلب بإسهاب، كما جرى عليه سابقًا، وكأن تغييب هزيمة ميليشياته فيها يُمثِّل نوعًا من انتصار، يضعه توتره وانفعالاته التي ظهرت بشكل واضح على وجهه خلال خطابه، في انفصال آخر عن الواقع؛ ليلحق بذلك برأس النظام السوري الذي كان يمتلك تلك الصفة الحصرية.

 

بعض المراقبين كان قد توقع مساحة كبيرة لحلب في خطاب نصر الله، إلا أن الحيّز الأكبر فيه كان هروبًا باتجاه إسرائيل، التي أسهب في الحديث عن “مجد” انتصارات حزبه عليها، وبأنها تخشى قوة المقاومة، شارحًا بالتفصيل، وخلال أكثر من نصف ساعة، الرعب الذي يصيب إسرائيل من قوة حزب الله، ومستخدمًا التعبير الذي يرى أنه يكبر به ويتضخم، وهو (النصر الاستراتيجي)، وارتكز خطابه على عناوين كثيرة منها: الشكر للنظام  ولإيران لوقوفهما مع المقاومة ــ  حرب تموز هي قرار أميركي نفذته إسرائيل ـ انتصار تموز، والسؤال بعد حرب تموز هو هل تبقى إسرائيل ـ ولبنان يعيش بأمن وأمان وإسرائيل مردوعة مرعوبة.

 

تغنّى الرجل بالانتصار الوهمي على إسرائيل في حرب تموز/ يوليو، وهي الحرب التي انتهت بمقتل مئات اللبنانيين، وجرح أكثر من ألف مواطن، وتدمير معظم البُنى التحتية وآلاف المنازل، إلا أنه أصرّ على أنها كانت معركة “انتصار”، على الرغم من النتائج السلبية التي ما زال يُعانيها جميع اللبنانيين، بمذاهبهم وطوائفهم المختلفة.

بعد استعراض قوته، وجّه الأنظار إلى تنظيمي: “داعش”، وجبهة “النصرة”، ناصحًا بأن يتوبا؛ لأنه يتم استغلالهما لضرب محور “المقاومة”، متجاهلًا بشكل مُتعمّد هزيمة القوات متعددة الجنسيات، ومنها ميليشيا حزبه، على أيدي الثوار في حلب، وكأن تلك الملحمة التي قلبت موازين القوى في سورية، وحطمت عنجهية تلك القوات ليس معنيًا بها.

 

ليس أشد دلالة على هزيمة حزب الله في حلب من إطلالة نصر الله، ونزوع كلماته إلى تحويل الأنظار نحو إسرائيل، المرتكز والمربط والمبرر لوجود حزبه، ذي الرعاية الإيرانية، والمطامع الفارسية، باستخدام لبنانين فقراء، كوقود لحرب ضد الشعب السوري وثورته، فهو قد بات يُدرك ذلك تمامًا، بحيث لم يجرؤ على المغامرة بالحديث عن نصر يدّعيه في حلب، على الرغم من ضخ الماكينة الاعلامية  للنظام وإيران، وما لف لفهما، قضايا مزورة عن انتصارات حلب، التي سطرها أبناء الشعب السوري أصحاب الأرض، ضد قوى الاحتلال متعددة الجنسيات.

 

إن تغيُّر عقيدة حزب الله القتالية من مواجهة إسرائيل إلى مواجهة الشعب السوري، وضعه في قائمة قوى الاحتلال، حيث تدحرجت تلك العقيدة من ذريعة حماية “المراقد الدينية”، إلى حماية رئيس النظام، وأخيرًا إلى حصار الأهالي وقتل الناس، فباتوا معها مرتزقة وقوى تجتمع فيها ميليشيا طائفية، من العراق وأفغانستان ومن حزب الله وضباط قادة في الجيش الإيراني.

 

على الرغم من تكرار نصر الله في إطلالته -أكثر من مرة- العبارات الشعبوية، بهدف تعميق تفاعل جمهوره معه، بعد غياب جزء من هذا التفاعل، إلا أن كثرة أعداد قتلى هذا الجمهور، خصوصًا في حلب، وضعته أمام حقيقة أنه مجرد كلاميّ يتبع أنشودة هتلر الإعلامية، في تكرار الكذبة التي يُصدّقها هو قبل جمهوره الذي يتلقى كلماته، وعينه إلى حلب، التي يأمل أن يعود منها أبناؤه لكن ليس في توابيت خشبية.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق