هز أبو سعيد رأسه منتشيًا من حدة التصفيق الذي شهدته القاعة، مُطلقًا آخر جمله، “مسألة توزيع السلاح عليكم سنبحثها مع القيادة”، وما قبل التصفيق والتحذير بدقائق، كان محمد سعيد بخيتان، الأمين القطري المساعد لحزب البعث الحاكم في سورية، خلال اجتماعه في قاعة اتحاد فلاحي سورية، يشرح ما يجري في البلد خلال الأشهر الأولى للثورة السورية، ناقلًا حكاية عن زوجته، وليس عن الأسد كالمعتاد، وقال للحضور: “تقول أم سعيد: إنها سألت الخادمة عن مبررات غيابها المتكرر، فأجابتها: إن جميع الخادمات يخرجن في المظاهرات، فكل نصف ساعة يدفعون لنا خمسمئة ليرة”، ومرت حكاية الرجل مرور الكرام، ولم يعترض أحد على إساءة مُبيّتة لكرامة المرأة السورية عمومًا، إساءة ستحصل فيما بعد بعمق ومنهجية وشيطنة.
مع بدء غزوات أجهزة القمع السورية لأولى مدن ما أسمتهم بـ “المسلحين”، أذنت القيادة لعناصرها بسب النساء وشتم الأعراض، بقاموس من مفردات غاية في البذاءة بحق السوريين والسوريات.
ومع تطور الحل الحربي، عمدت أجهزة إعلام النظام، بُعيد مجازرها في حمص، لبثّ تسجيلات مصورة مُلفّقة لسوريات يتحدثن عن بيع أجسادهن لغرباء، وترافق ذلك مع حملة غير مسبوقة في وسائل إعلام النظام عن ادعاءات بارتفاع منسوب الحمل (الحرام) بين اللاجئات السوريات في المخيمات، ليكتمل المشهد المراد تثبيته، وأكملته “قناة الميادين” التابعة لحزب الله، والموالية للنظام بترويجها لكذبة “جهاد النكاح السوري”.
يمكن التقاط أكثر من هذا في بدايات المشهد السوري، وبقي السؤال. من غير الواضح دوافع أجهزة النظام لتثبيت مثل هذه الصورة المُزورة عن المرأة السورية في أذهان الناس، هل جاء بهدف تهشيم كيان الأسرة السورية المحافظة أصلًا، والمعروفة بتماسكها الاجتماعي وغيرة أبنائها؟ أم ثمة ما هو أعمق من هذا الهدف الظاهر؟ لتبقى أسباب رغبة النظام السوري في تشويه صورة الطرف الأنثوي أمرًا محيرًا، ففي الحروب الإسرائيلية الطويلة مع خصومها، لم نسمع بمثل هذا التهديم والتشفي والإساءة لصورة المرأة، على الرغم من عشرات العمليات التي قادتها المرأة العربية عمومًا، والفلسطينية خصوصًا، ضد الاحتلال.
استثمرت قنوات النظام السوري صور المرأة السورية أبشع استغلال، السوريات المُهجرات من بيوتهن، والسوريات اللواتي يعبرن الحدود والبحار، دون أن يملكن خيارًا أفضل، ولم تُفوّت هذه القنوات فرصة إلا واستخدمتها؛ لتشويه صورة المرأة السورية.
بحسب تقارير منظمة (هيومن رايتس ووتش)؛ فإن السيدات في سورية “تعرضن للاعتقال والاحتجاز التعسفيين، والأذى البدني، والتضييق، والتعذيب في أثناء النزاع السوري، من جانب القوات النظامية، والمليشيات الموالية لها، والجماعات المسلحة المعارضة للحكومة” (تقرير 2014).
وتتحدث بعض الأرقام، غير الرسمية، عن تضاعف أعداد المُهجّرات السوريات، ليتجاوز عددهن حد المليونين، ولم تُقدّم لهن المنظمات الدولية والمجتمعية سوى اليسير، وينقل تقرير للمنظمة عن ناشطات وعاملات في مجال الإغاثة، أنهن “تعرضن للتهديد والاعتقال والاحتجاز التعسفيين والتعذيب على أيدي قوات حكومية، كما تعرضت كافة المحتجزات اللواتي يتناولهن التقرير، للإساءة البدنية أو التعذيب أثناء الاحتجاز، وتعرضت سيدة واحدة للاعتداء الجنسي عدة مرات، وقالت سيدات أخريات: إنهن وقعن ضحايا للقيود التمييزية المفروضة على ملبسهن وتحركاتهن، وأصيبت سيدات عديدات، أو فقدن بعض أفراد عائلاتهن، في اعتداءات عشوائية عديمة التمييز على المدنيين من جانب القوات الحكومية”.
يُعدّ استعراض اللجنة الأممية فرصة؛ لتسليط الضوء على محنة المرأة في سورية، خاصة وأن النظام السوري والعديد من الأطراف غير التابعة للدولة، ترتكب انتهاكات بحق السيدات والفتيات في مناخ من الإفلات التام من العقاب، (بحسب هيومن رايتس ووتش) أيضًا، التي حثّت “الحكومة” السورية على التوقف عن عمليات الاعتقال والاحتجاز التعسفيين، وكافة أشكال العنف ضد النساء، والتحقيق في تلك الانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين عنها، وهو ما لم يحصل إطلاقًا، ولا في أي وقت أو مستوى.
وفقًا لقرار مجلس الأمن الأممي رقم 1325، واتفاقية (سيداو)، التي صادقت عليها الحكومة السورية عام 2003، يتعين على كافة أطراف النزاع “اتخاذ تدابير لحماية السيدات والفتيات من العنف أثناء النزاع، بما في ذلك العنف الجنسي، والمستند إلى النوع الجنسي، ودون الاقتصار عليه”. كما يُلزم القرار والاتفاقية الدول الأطراف بـ “محاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات، وتوفير الدعم لحاجات السيدات الطبية والنفسية الاجتماعية والاقتصادية، وضمان إشراك المرأة الجاد، على كافة المستويات، في مفاوضات السلام، ومبادرات إقرار السلم”.
تُطِلُّ اليوم صورة السباحة السورية، يسرى مارديني، محققة فوزًا رمزيًا في الـ (ريو 2016)، فاستحق تنويهًا من وسائل إعلام العالم أجمع، ومع ذلك، لا يبدو بمعايير “السيدة السورية الأولى” فوزًا لسورية، بحسب المواقع الإعلامية الموالية للنظام، فحكاية أبو سعيد وزوجه حاضرة لديهم، ويعتقدون أن بوسعهم تشويه صورة نساء سورية، وهو ما لن يتحقق لا لهم ولا لغيرهم.