تشهد الساحة السورية هذه الأيام حديثًا، ليس بجديد، عن الهدنة في مدينة حلب فحسب، وذلك في ظل الانتصارات المتلاحقة التي تحرزها قوات المعارضة في ثاني أكبر مدينة في سورية، والتي تعرضت لحصار من قوات النظام وحلفائه والمليشيات الداعمة له، واصطبغ الحديث هذه المرة بالجدية بعد ست سنوات من الموت بالرصاص والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية، على مرأى ومسمع العالم أجمع، الأمر الذي تكفّل بتدمير الثقة بالمجتمع الدولي ومنظماته المختلفة؛ ما دفع السوريين؛ لأن يتساوى لديهم بالإجرام من يقتلهم، ومن يصمت على قتلهم، لاسيما بعد تجارب الهدن، ووقف إطلاق النار السابقة التي كانت فرصة للنظام السوري، لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه آلة حربه، وحي الوعر بحمص ما يزال شاهدًا حيًا أمام عيون الجميع.
في هذا السياق قدمت، كلاريسا وارد، مراسلة شبكة (سي إن إن) الأميركية، قبل أيام، شهادتها أمام الأمم المتحدة لما يحصل في سورية، وتحديدًا في مدينة حلب، في ظل الأوضاع المأساوية التي يعيشونها، والانتهاكات الصارخة التي يتعرضون لها، وقالت: إن “ما هدم، إعادة بنائه أصعب بكثير من أي بناء قد قُصف، وأعني بذلك “الثقة”، وأضافت إنه “لا توجد هناك أي ثقة، فالسوريون لا يثقون بنظام بشار الأسد، ولا يثقون بوقف إطلاق النار، أو أي وقف للأعمال العدائية، أو الممرات الإنسانية، ولا يثقون بالروس، ولا يثقون بكم أيضًا بالمناسبة، إنهم لا يثقون بنا”، وتابعت لا توجد ثقة بالمجتمع الدولي “الذي يقف متفرجًا، بينما تُقصف المستشفيات والمدارس والمخابز، وبينما تقتل القنابل الفوسفورية والعنقودية أعدادًا لا تعد ولا تحصى من المدنيين”، ومن قرر البقاء وتحمُّل القصف “لا يخطط للمغادرة، فقد اتخذوا قرارًا منذ وقت طويل؛ إنهم يفضلون الموت بكرامتهم في منازلهم على المغادرة” وأكدت أن السوريين “شاهدوا ما حصل في الأماكن الأخرى في سورية، ويعلمون كيف ينتهي بهم المطاف بقصفهم وتجويعهم إلى أن يغادروا”.
على صعيد متصل، وصف العميد أسعد الزعبي، رئيس وفد الهيئة العليا للمفاوضات، في حوار مُتلفز، الهدنة التي تحاول الأمم المتحدة فرضها في حلب بأنها “ظالمة”، وأوضح: “إن الأمم المتحدة تعلم أن داريا محاصرة منذ أربع سنوات، وأن إدلب تتعرض لقصف يومي بالبراميل الحارقة، ولم تفعل شيئًا”، موضحًا أن النظام يسيطر على الأحياء الغربية، والمعارضة تسيطر على الأحياء الشرقية “إذن لا يوجد طرف محاصر، مما يجعل من الهدنة أمرًا غير ضروري”.
شهد المجتمع الدولي فشلًا ذريعًا في دفع النظام السوري إلى الالتزام بأي قرار أصدرته الأمم المتحدة أو أي منظمة دولية، ووصل فشل المجتمع الدولي إلى درجة عجزه عن إدخال مساعدات إنسانية إلى المناطق المحررة، التي يعاني أهلها من حصار خانق، في داريا والغوطة والزبداني ومضايا، واتسم حديثه بالتراخي حيال أيّ حديث يشمل التخفيف من معاناة السوريين في المناطق التابعة لسيطرة المعارضة، وحتى قرارات إدخال المساعدة تمت، شريطة أن تكون عن طريق النظام الذي وزّع جزءًا منها في مناطق سيطرته، التي لا تحتاج إلى تلك المساعدات، وباع جزءًا منها في السوق السوداء، وكانت بعض شحنات المساعدات النادرة التي تصل إلى مناطق سيطرة المعارضة فارغة تمامًا، واقتصر بعضها على حمولات من الأكفان، وبعض البطانيات وأدوات التنظيف، وتعدى ذلك إلى درجة الوقاحة، حين أدخل النظام في شاحنات الأمم المتحدة (واقيات ذكرية وحبوب مانعة للحمل) إلى داريا، وهذا كله وسط عِلم الأمم المتحدة، التي اتبعت سياسة غض الطرف تمامًا عن النظام، في مقابل سياسة المطرقة الحديدية على المعارضة.
لم تقم الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها بمهماتها، ولم تتحمل مسؤولياتها التي أُوجدت من أجلها، واكتفت بلعب دور وسيط (منحاز) في أفضل الأحوال، مما خلق هوة كبيرة بينها وبين السوريين، الأمر الذي ترتب عليه حالة (مبررة) من الشك وانعدام الثقة، قد تُفرز، أو بدأت بإفراز، استبعاد وإقصاء دورها من المشهد السوري، وبالتالي، زعزعة مكانتها كمظلة دولية لشعوب العالم، فهي لم تخطُ -إلى تاريخه- أي خطوة ذات قيمة باتجاه حل في بلد، قام نظامه بتدميره وإعمال آلة القتل في أبنائه لأكثر من خمس سنوات.