“حلب اختبار للإنسانية؛ فلا بدّ من سبيل للإغاثة، وإن لم يحدث، فسيكون ذلك وصمة عارٍ”.
في حلب، يقول “الثوار” إنهم كسروا حصار المدينة، لكن ليس بعد؛ إذ أنّ عليهم إقامة ممر آمن للمدنيين، وقوات بشار الأسد الحكومية، تنفي أنها خرجت من المدينة، وقد تشكل معركة حلب منعطفًا عسكريًا، لكن، بالنسبة إلى البقية المقيمة في حلب، فليست إلا تكثيفًا للبؤس، الذي يبدو أنه لم يلقَ آذانًا صاغية، لدى المجتمع الدولي.
لم يأتِ أحد لإنقاذ السوريين؛ إن كان الرئيس أوباما لم يتحرك في عام 2013، بعد الهجمات الكيماوية في الغوطة، حيث قتل الأطفال اختناقًا، في اختبار لـ “خطه الأحمر”، فإنه –بالتأكيد- لن يتحرك اليوم، بعد نشر مقاطع فيديو لهجمات كيماوية، قبل أسبوعين في إدلب، تُظهر المقاتلين، الذين يُزعم أنهم تسمّموا بكلور الأسد، يشهقون، غير قادرين على التنفس، وفي يوم الخميس، كان هناك المزيد من التقارير حول أطفال، وعاملين في المجال الطبي، قُتلوا من جراء تجديد الهجمات. ويخلص يان إيجلاند، رئيس فرقة العمل الإنسانية للأمم المتحدة المعنية بسورية، إلى أن تقاعس الغرب في مواجهة هذه الهجمات، وغيرها على المستشفيات، والأطباء، والممرضين، والمدنيين، ما يعني “محو قرن من تقدم الإنسانية”.
تواصل حلب مواجهة مخاطر الموت جوعًا، وفي هذه الأثناء، يتطور تحالف “الثوار”؛ ففي تموز/ يوليو، انشقت جبهة النصرة، إحدى الجماعات الجهادية المهيمنة في محاربة الأسد -رسميًا- عن تنظيم القاعدة، في عملية إعادة تشكيل؛ إذ بقيت الأجندة الجهادية ذاتها، غير أن الجماعة الجديدة، جبهة فتح الشام، تريد النأي بنفسها عن تنظيم القاعدة، في ما لو أن التعاون الروسي-الأمريكي لمكافحة الإرهاب، الذي يستهدف جبهة النصرة –وهي مبادرة دبلوماسية، بدفع من وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري- سيثمر فعلًا.
وبحسب آرون لوند، من معهد كارنيغي، فإن تحالف “الثوار” الذي يقاتل في حلب، يشتمل على “الكثير من ألوية الجيش السوري الحر، قليل العدد؛ فهم عشرات في المجمل، يشكلون الفصيل الأصغر، الذي وصل مرافقًا للفصائل الكبيرة”، ويضيف: “ولكن جبهة النصرة، وأحرار الشام، هما الفصيلان النجمان، في كثير من تلك المناطق”، وإذا ما نجحوا في كسر الحصار، فسيعني ذلك دفعًا كبيرًا لشعبية جبهة فتح الشام.
إن الوضع على الأرض يائس؛ ففي الأحياء الشرقية الخاضعة لسيطرة “الثوار”، يشكل الأطفال ثلث الثلاثمئة ألف، من السكان المحاصرين، بحسب اليونيسف، ويحرق بعض هؤلاء الأطفال إطارات، لإنتاج بديل موقّت لـ “منطقة حظر جوي”، حتى لا يتمكن المهاجمون من إسقاط حمولاتهم بدقة، ولم تنجح الخطّة المدعومة روسيًا، لفتح “ممرات إنسانية”، إلا بإخافة الناس الذين رأوا فيها تطهيرًا عرقيًا، بخدعة: “لا لإدخال المساعدات، وإنما لدفع الناس إلى الخروج”، تقول بسمة قضماني، عضو اللجنة العليا للمفاوضات، في المعارضة السورية.
المرافق الطبية في حالة يرثى لها؛ فلم يبق هناك إلا أربعة وثلاثون طبيبًا، وتقول منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، إن القوات الحكومية شنّت غارات جويّة مميتة، على ستة مستشفيات في حلب وحولها، في الأيام القليلة الماضية؛ الغارات الأسوأ في المنطقة، منذ بداية الحرب الأهلية في عام 2011.
وفي الوقت نفسه، في الأحياء الغربية، الواقعة تحت سيطرة الحكومة، لجأ خمسةٌ وعشرون ألفًا من النازحين إلى المساجد، والمباني الجامعية، والحدائق العامة، ليحتموا من القتال العنيف، بحسب اليونيسف، كما قُطعت طرق الإمدادات الغذائية من الريف.
ويقول فريدريك هوف، السفير السابق للمرحلة الانتقالية في سورية، إن “إنقاذ حلب” في هذه المرحلة، قد يُختزل إلى تقليل الكارثة الإنسانية إلى حدها الأدنى فحسب؛ “فالثوار الوطنيون، من غير الجهاديين، لا يملكون الأسلحة الملائمة، إذ لم يكن لديهم حظ الأسد في نوعية داعميهم من الخارج، فعلى سبيل المثال، تبدو واضحة حاجة هؤلاء “الثوار” إلى أسلحة دفاع جوي، لمواجهة الهجمات الحكومية، والروسية، المدروسة لإحداث أكبر عدد من الإصابات بين المدنيين”.
ويقترح هوف ضرورة استصدار قرار أممي آخر، يطالب بدخول قوافل الأمم المتحدة الإنسانية، إلى حلب، لكنه يقول مشكّكًا: “إذا كان الماضي مقدمة لما سيحدث، فإن نظام الأسد –بدعم روسي وإيراني كامل- لن يمتثل هذا القرار، إذا ما نجا من الفيتو الروسي؛ وسيقف الغرب الأجوف –بالطبع- مكتوف اليدين”.
وبالنظر إلى ما حدث في سربرنيتشا، خلال الحرب البوسنية، بسبب التقاعس العالمي، يبدو من غير المعقول، أن تتمكن الدول الغربية من التراجع، والسماح بتدمير مدينة حلب؛ فأين ذهبت مسؤولية الحماية، أين الالتزام السياسي العالمي، الذي أقرته الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، عام 2005، لوقف الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية؟ ويقول الدكتور حاتم، أحد أكبر أطباء مستشفى الأطفال في حلب، “إنها مسؤولية الدّول كلها؛ إيقاف القصف، ومنع الإبادة الجماعية”.
وفي جنيف، يواصل المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، محاولة استئناف المحادثات بين الأطراف، ووكلائهم، بحلول نهاية هذا الشهر، ولكنه لم يستطع ذلك حتى الآن؛ فالدبلوماسية قد فشلت، ويبدو أن دي ميستورا –أيضًا- بات رهن المطالب الروسية.
وقد يكون عدم السماح لروسيا بإملاء الأجندة، نقطة انطلاق؛ فإن غياب رد فعل أميركي، أكثر صلابة، سمح لروسيا أخذ زمام المبادرة في سورية، وهذا ما كان كارثيًّا بالفعل. وقد كان هوف يفضل مساعدة عسكرية أكبر، أو تدخلًا مباشرًا، محدد الأهداف، منذ عام 2012؛ يقول هوف “لا أستثني [صوارخ أرض-جو] للمدافعين عن خيارنا، ولا أستبعد توجيه ضربات بصواريخ كروز، على القواعد الجوية للنظام”.
ويقول جان بيير فيليو، أستاذ دراسات الشرق الأوسط، في كلية باريس للشؤون الدولية، إن حمّام الدم في حلب، نتيجة لتأييد أميركا الضمني لأهداف الحرب الروسية، “ما يعني تصفية أي طرف ثالث، بين نظام الأسد والجماعات الجهادية، تحت ذريعة محاربة تلك الجماعات، سواء أكانت داعش، أم النصرة”، ويضيف: بالنسبة إلى الولايات المتحدة، يمثل هذا “سياسة دفاع عن الذات؛ حيث كانت القوى “الثورية”، هي من طردت داعش من حلب، في كانون الثاني/يناير عام 2014”.
غير أن ثمة صعوبات ترتبط بالتدخل العسكري؛ فعلى المدى القصير، قد يؤدي أي تحرك ضد النظام، إلى تمكين أي من الجماعات المسلحة، التي تشكل القوة الأكبر اليوم؛ وهم الجهاديون في منطقة حلب، إلا أنّ المعادلة أكثر تعقيدًا من ذلك، كما يقول فيصل عيتاني، من مركز رفيق الحريري في المجلس الأطلسي، “فإن كبح جماح النظام يخفف الضغط –أيضًا- عن الجماعات الأكثر اعتدالًا، ما يسمح لهم بالتنافس بفعالية أكبر مع المتشددين، على النفوذ في “الثورة”، ولا سيما إذا ما تلقوا دعمًا أميريكيًّا أكبر”. وعلى أي حال، فلا بد من الموازنة بين عدم التدخل، والتكلفة الكارثية الواضحة، لاستمرار الوضع الراهن.
على جدار مبنى في حلب، التقط مصوِّر محلي، صورة لعبارة توجز روح الشعب السوري المنهكة، ووالتي لم تُقهر بعد؛ “لست محاصرًا، ما دمت تقاوم”.
بدأت “الثورة” كثورة سلمية، واستمرت، حتى بعد أن قتل الأسد شعبه بالرصاص؛ فـ “الثوار” لن يستسلموا، ولن يتنازلوا، وفي هذه الحالة، وما لم يكن هناك تدخل؛ فستكون حرب عقود طويلة، كتلك التي مزقت لبنان.
في يوغوسلافيا السابقة، انتهت الحرب باتفاقية سلام بالتفاوض، بعد أن تدخل حلف الشمال الأطلسي، بالتنسيق مع الأمم المتحدة، بضربات جوية لحماية المدنيين من قوات صرب البوسنة، على الرغم من دعم روسيا، لحليفتها صربيا. وبالطبع، فهناك اختلافات جوهرية بين الحربين، ولكن في هذه المرحلة، علينا أن ندرك أهمية التحرك، فلا يمكننا أن نتغاضى عن ذلك أكثر، كما استخلص –بأسى- إيجلاند، الذي كان في البوسنة، في منتصف تسعينيات القرن الماضي، قائلًا: “حلب اختبار للإنسانية؛ فلا بد من سبيل للإغاثة، وإن لم يحدث، فسيكون ذلك وصمة عارٍ”.
المصدر | the Guardian |
اسم المادة | Syria: the west cannot stand back and let Aleppo be destroyed |
رابط المادة الاصلية | جانين دي جيوفاني Janine di Giovanni |
رابط المادة الاصلية | https://www.theguardian.com/commentisfree/2016/aug/15/syria-west-aleppo-destroyed-crimes-against-humanity-war |
تاريخ النشر | 15 آب/أغسطس 2016 |
اسم المترجم | فاتن شمس |