تعود المآذن الدمشقية في نشأتها إلى عصور إسلامية متعددة، ومنها ما يزيد تاريخها على مئات السنين، وما زالت محافظة على شكلها الخارجي، وهندستها المعمارية الفريدة، وعبر التاريخ، جرى ترميمها مرات عدة؛ لتبقى مكتملة بجمالها وعراقتها.
يعود ظهور المئذنة في سورية إلى العهد الأموي، وبحسب المؤرخ المعماري الإنكليزي (كريزويل)، فإن “أول المآذن التي شُيّدت، كانت أبراج أركان معبد دمشق القديم، وأول المآذن التي بناها المسلمون معماريًا من أبراج الكنائس السورية”، والمئذنة برج طويل، يكون ملحقًا بالمساجد، غايته إيصال صوت الآذان إلى الناس ودعوتهم إلى الصلاة، وكانت المساجد الأولى المحدثة -حتى بدايات العهد الأموي- خالية من المآذن، فكان الآذان يطلق من موضع مرتفع عند المسجد أو من فوق سطحه.
قسّم الباحث، قتيبة الشهابي، المآذن الدمشقية إلى 19 طرازًا، وفق العصور المختلفة التي تعود إليها والطرز والاشتقاقات، وهي: مآذن العهد الأموي، النوري، الأيوبي، المملوكي، الشامي المملوكي، والمعاصر بطراز مملوكي، العثماني، الشامي العثماني، الطراز الشامي كثير الأضلاع، الطراز الشامي المختلط، الطراز الرمزي، الطراز الهجين، إضافة إلى ذلك، هناك مساجد العصر الحديث التي تتميّز بمآذن، ذات طراز شامي متأثر بالعهود السابقة، ويتسم بالطراز المعماري حديث النشأة.
تحتضن العاصمة دمشق زهاء 514 مسجدًا، تنتشر في حاراتها وأحيائها وأسواقها، القديمة منها والحديثة، وتتميز مآذنها بتنوع معماري جميل تعود في هندستها إلى اللون الإسلامي بمختلف فنونه المعمارية وطرزه الشهيرة وأشكاله التراثية الجميلة، ومن أجمل ما قيل في المآذن الدمشقية، بيت شعري لنزار قباني: “مآذنُ الشّـامِ تبكـي إذ تعانقـني وللمـآذنِ كالأشجارِ أرواحُ”.
تُعدّ مئذنة جامع بني أمية الكبير، المعروف بالجامع الأموي الدمشقي، أنموذجًا حيًّا عن مآذن العهد الأموي مربعة الشكل، حيث استمر تشييد المآذن في دمشق على الشاكلة نفسها طوال العهد الأموي، ومنها انتقل إلى شمال أفريقيا والأندلس؛ لذلك أطلق الباحثون العرب والأجانب على هذا الطراز اسم “الطراز السوري أو المئذنة السورية”.
حاول النظام السوري الانتقام من المساجد التي انطلقت منها المظاهرات المناهضة له، في بداية الثورة السورية، بسبب عدم وجود أماكن أخرى، يُتاح التجمع فيها؛ فقام بقصف وتدمير مئات المساجد ومآذنها، في مختلف أنحاء المدن السورية، وهدم بعضها بشكل كامل.
لا يكفّ النظام عن استسهال تدمير كل الأماكن التاريخية السوريّة، والتي تُعد رموزًا لعمارة إسلامية فنية بديعة، والذي جسدته أيادٍ كانت تحاول رسم التراث الإنساني بريشة الخلود.